أخوة العنب والزيتون.. فلماذا الخلاف؟!

  • 2013/10/21
  • 6:00 ص

عنب بلدي – العدد 87 – الأحد 20-10-20131378210_250077891783389_2131602737_n

فراس فريدم – داريا

اعتادت المدينتان المتلاصقتان الواقعتان على أطراف دمشق أن يرد اسمهما سويةً، فيلحق ذكر إحداهما بذكر الأخرى. داريا والمعضمية، المدينتان التوأمان، واللتان ارتبط أهاليهما منذ بداية الثورة بأخوّة العنب، الذي تشتهر به داريا، والزيتون، الذي تشتهر به المعضمية. فالمدينتان تشاركتا الحراك الثوري، إذ اعتاد الأهالي انتظار يوم الجمعة لتنطلق مظاهرات مدينة المعضمية من جامع «الزيتونة»، ومظاهرات مدينة داريا من مسجد «أنس بن مالك» و «طه» و «العباس»، ليلتقوا في مشهد يمثل أروع ما يكون من روح الوحدة الوطنية: يبدأ «المعاضمة» الهتاف «بالروح بالدم.. نفديكي داريا»، ليرد «الديارنة» بـ «معضماني لا تهتم.. روحي فداك ابن العم»، ومن ثم تجوب المظاهرة المشتركة شوارع المدينتين وشعارها «ايد وحدة.. ايد وحدة»، وهتافاتها نصرة للمناطق المنكوبة آنذاك.

ولم تقتصر روح التعاون على المظاهرات فقط، فتجلت أيضًا في الزيارات المتبادلة بين أهالي المدينتين وناشطيهما، وحملات الدعم النفسي المشتركة لأطفال المدينتين.

ومع بدء الحملة العسكرية بتاريخ 8/11/2012، حين أحكمت قوات النظام الحصار عليهما، بدأ التعاون الكبير بين كتائب المدينتين؛ شاركت كتائب مدينة معضمية الشام في صد الهجوم عن مدخل مدينة داريا من جهة دمشق، ولتتبادل الكتائب بعدها صد الهجوم عن المدينتين سويًا.

اليوم، ومع استمرار الحملة لما يزيد عن أحد عشر شهرًا، تعيش المدينتان ظروفًا قاسية نتيجة نفاذ جميع أنواع المواد الغذائية، حتى الأساسية منها. وفي ظل الاتهامات التي تتبادلها بعض الأطراف من كلا المدينتين حول المسؤولية عن الوضع المعيشي الذي وصلت إليه الحال، وفي محاولة لاستيضاح مواقع الخلل في التعاون المشترك بين المدينتين.

توجهنا بالسؤال إلى أحد أعضاء المركز الإعلامي لمدينة المعضمية الذي أكد لنا أن الخلاف بسيط ولا يرقى لحد المشكلة، المشكلة الرئيسية هي الحصار المستمر منذ ما يزيد عن عشرة أشهر من قبل قوات النظام، والمترافق مع منع خروج المدنيين، إضافة للقصف ومحاولات الاقتحام المستمرة؛ وعزا سبب الخلاف إلى عدم مؤازرة بعض الكتائب المتواجدة في الغوطة للكتائب المقاتلة في المدينتين لفك الحصار عنهما أو لإدخال المعونات. وذكر عضو المكتب الإعلامي أن الوضع الغذائي في داريا أفضل بقليل مما هو عليه في المعضمية، كما وجه الاتهامات لبعض الجهات بعدم تقديم الدعم أو المساعدة لإدخال أطنان الطحين والمواد الغذائية المختلفة المتوفرة والتي يُنتَظَر تأمين إدخالها.

وتوجهنا إلى أحد أعضاء المجلس المحلي لمدينة داريا، الذي أوضح أن ما يتصوره البعض من الإخوة في المعضمية بأن الوضع الغذائي في مدينة داريا جيد ليس صحيحًا تمامًا. إذ توقفت المخابز عن العمل منذ الشهر الخامس من الحصار نتيجة نفاذ الطحين، ولقلة الكميات التي كانت تدخل في تلك الفترة، فاقتصرت وجبات الفطور على كميات قليلة ومحدودة مما يسد الرمق من الخبز، واستمرت هذه الحالة لشهر ونصف. بعدها، في رمضان، تضمنت وجبة السحور اليومية نوعًا غريبًا من الخبز، لم نعرف محتوياته تمامًا، فالخبز مخلوط بالبرغل والشعير والفول، وتضمن السحور أيضًا بضع حبات زيتون، أما الفطور فكان إحدى الوجبات المعتادة التي يقدمها المطبخ: رز أو برغل.

بعد ذلك تحولت وجبة الفطور إلى فول مدمس، وبعدها نفذت كمية الفول وألغيت وجبة الفطور. وبذلك دخلت المدينة مرحلة التقنين، فاقتصر الطعام في المدينة على وجبة واحدة في اليوم، ما سبب ضغطًا شديدًا على الأهالي. كما ترافقت هذه المرحلة مع نقص في المواد التموينية التي كان يقدمها المكتب الإغاثي؛ «فمثلًا كنا نطلب ببداية الحملة المواد اللازمة، فتؤمن لنا، كنا نطلب سكر مثلًا فنحصل على كيلو أو اثنين، أما بعد رمضان فقد اقتصر التوزيع على 250 غرامًا فقط، يفترض أن تكفي شهرًا كاملًا، وبإمكانك تصور ما تؤمنه هذه الكمية، إبريق شاي ودولة قهوة».

أما عن اعتبار الوضع في المعضمية أسوأ منه في داريا، فيوضح عضو المجلس المحلي هذه النقطة ويعزوها بشكل أساسي إلى الأعداد الكبيرة المتواجدة في المعضمية سواء من المدنيين أو من الجيش الحر مقارنة بأعداد المتواجدين في داريا، إضافة إلى الوضع المعيشي لأهالي المعضمية والفقر المطبق المنتشر في المدينة. كما أن أسلوب التوزيع المتبع كان له دور كبير في هذا الاختلاف؛ ففي المعضمية يوجد ما عرّف عنهم بـ «أمراء الحرب»، أي «إذا كنتُ محسوبًا على شخص أو جماعة ما فبإمكاني تدبر أموري، أما إن لم أكن محسوبًا على أحد فلن أتمكن من ذلك وبروح بين الرجلين»، بينما كان التوزيع في داريا منظمًا أكثر، وكان التعامل مع الجميع على حد سواء، فقائد اللواء كان يحصل على نفس الوجبة التي يحصل عليها المدني والتي يحصل عليها أصغر عنصر في الجيش الحر أيضًا. ويختتم حديثه مؤكدًا أن السبب الرئيسي للخلاف هو الحصار المطبق على كلا المدينتين، وأنه يتمنى حل الخلاف قريبًا، لما شهدته المدينتان من علاقات طيبة خلال الثورة.

وفي حديث مع مهند أبو الزين، ممثل الهيئة العامة ومدير المكتب الإعلامي في داريا، وصف لنا الوضع الإنساني وبين لنا الصعوبات التي تواجههم قائلًا: في داريا يوجد 8000 مدني، بينهم 600 طفل؛ كنا نقوم بإدخال المواد مشيًا على الأقدام لمسافات طويلة معرَّضين لخطر القنص والقصف، المخزون المتبقي شبه منتهٍ، وسينفذ خلال أيام. في الفترة الأخيرة اتبعت داريا نظام تقنين شديد، ففي بداية الحملة كنا نقدم وجبتين في اليوم، أما الآن فنحن نقدم وجبة كل يومين، يتم طهيها على الحطب وعلى ما يجمع مما تبقى من المنازل المدمرة، فالمحروقات شحيحة للغاية، وتستخدم لعمل المشفى الميداني والمقرات الرئيسية.

ويدعو مهند أبو الزين الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان إلى التدخل لفك الحصار عمن تبقى من المدنيين الذين بات انقاذهم ضرورة ملحّة، خصوصًا بعد فشل المبادرة التي أطلقتها الراهبة فاديا اللحام بالتعاون مع الهلال الأحمر، إذ استهدفت قوات النظام مجموعة من المدنيين بقذائف الهاون عند النقطة المتفق عليها لخروجهم، ما أجبر طواقم الصليب الأحمر على الانسحاب والهروب من المنطقة.

 

ويذكر أنه وإثر تبادل بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي أنباءً عن الخلاف بين المدينتين، أطلق مجموعة من الناشطين مبادرة «داريا والمعضمية.. أخوّة العنب والزيتون»؛ تقول فاديا إحدى مطلقي المبادرة (الايفينت)، أنهم بعد انتشار إشاعة عن خلاف بين بعض الجهات في المدينتين يحاولون تقريب وجهات النظر وتوجيه رسالة للمعنيين بالموضوع لنبذ الخلاف وتصحيح المسار، فالمدينتان كانتا مثالًا يضرب في التعاون، وكل ما نرجوه نحن، كثوار وناشطين في دمشق وفي سوريا، هو توحيد الجهود في المدينتين على كافة الأصعدة الإعلامية، والطبية، والإغاثية، والعسكرية. وكما كانت المدينتان دومًا مثالًا يحتذى لكل ثوار سوريا، نتمنى أن تكونا الآن سباقتين لتوحيد الصف.

مقالات متعلقة

في العمق

المزيد من في العمق