المحبس يكفي..
الحرب تلغي هاجس “المفاتيح الأربعة” في حمص
الوعر– جودي عرش
عريس “ذو أربعة مفاتيح”، كان سقف أحلام الفتيات في مدينة حمص، لكن هذه الأحلام تأثّرت بظروف أمنيّة بعد اندلاع الثورة، لتصبح مختصرةً بـ “تلبيس المحبس”.
كيف كانت عاداتُ الزواج؟
كاد الزواج أن يكون حلمًا لكل شاب حمصي يرغب بالاستقلال، لما يحمل من أعباء مادية ضخمة، ومطالب كثيرة كالسكن المستقل مثلًا، بحسب السيدة الأربعينية من مدينة حمص، علا محمود.
تقول علا لعنب بلدي “في العودة إلى الماضي نرى أن الزواج يتطلب شعورًا بالمسؤولية، واستقلالًا ماديًا يخوّل فتياتنا العيش في كنف رجال قادرين على احتمال أسوأ ظروف الحياة، لذا أول مطلب لأهل العروس سابقًا هو امتلاك الشاب منزلًا مستقلًا سواء كان مُلكًا أو إيجارًا”.
كما يتطلب أن “يمتلك الشاب عملًا مناسبًا يكسب لقمة العيش بشرف منه، وعلى الرغم من كثرة هذه المطالب، إلا أنها الأنسب لتبدأ العائلة الصغيرة طريقها نحو المسؤولية بعيدًا عن مساعدة الأهالي والضغوطات العائلية”.
“المهر” و”طقم ذهب” كانت طلبات تضاف إلى قائمة أساسيات الزواج، لكنها تختلف من عائلة إلى أخرى، وفق السيدة الحمصية، فـ “بعد قدوم العريس لرؤية العروس والتي تسمى (الشوفة)، يتفق الأهل على الخطبة وتحديد موعدها، ويحددون المهر الذي يطرح في المقدم والمؤخر أثناء كتابة عقد القران”.
ويتراوح المقدم المخصص لملابس العروس سابقًا بين 50 و200 ألف ليرة سورية كحد أقصى، بينما يتراوح المؤخر بحدود 500 ألف حسب حالة العريس المادية.
أما الذهب فيرجع حسب رغبة العريس، إذ يتركه أهل العروس إلى مبدأ “الذهب مرجوعه للعريس”.
وكانت حفلات الخطوبة والأعراس تقام في صالات متخصصة، بعضها يتم استئجارها بمبالغ متوسطة، والأخرى غالية الثمن.
تقول علا “كانت حفلات الخطوبة غالبًا على حساب أهل العروس، باستثناء قالب الكاتو الذي يتوجب على العريس أن يتكفل به، بالإضافة إلى لفة شعر العروس”.
أما حفل الزفاف فهو على حساب العريس بشكل كامل، إذ تراوحت كلفة استئجار الصالة حينها من 60 ألف ليرة إلى 100 ألف.
مفاتيح لأبواب مغلقة
لم تعد هذه العادات حاضرة في المدينة، فقد ساهمت الظروف الحالية بتبديدها، ونشأت أخرى تناسب الواقع.
مروة تمام، شابة تقيم في حمص، قالت لعنب بلدي إن “الحرب أسهمت في تخلينا عن الكثير من الأحلام التي تخص حياتنا، وأعمالنا، كان من أبرزها حلم الزواج”.
“عندما كنت صغيرة، سمعت النساء يتحدثن بمواصفات أزواج بناتهن، وأمي تقول إنها تريد أن يكون زوجي بأربعة مفاتيح”، بحسب مروة، التي تضيف “ترعرعت وأنا أحلم بعريسي ذي الأربعة مفاتيح، الذي سيملك مفتاحًا لبيته، ومفتاحًا لسيارته، ومفتاحًا لمحله أومكتبه ومفتاحًا لبيته في الجبل أو البحر”.
في الأعوام القليلة الماضية، “تبخرت أحلامي في الهواء لكنني حقًا تزوجت من شاب يملك أربعة مفاتيح، إلا أن أول مفتاح هو المنزل الذي تهجرنا إليه، أما الثاني هو الدراجة، والثالث و الرابع هما مفاتيح خزاني المازوت والماء… هذا لا يدل على عدم قناعتي إلا أن الحرب خفضت الأمنيات، فنحن نحلم اليوم بأشياء أخرى”.
مفتاح البيت اليوم، أفضل بألف مرة من مأوىً للنازحين، أو خيمة، من وجهة نظر مروة، “أما مفتاح الدراجة فهو أفضل من المشي بكل حال، أما مفاتيح الخزانات فهي محض دعابة، لنكمل سلسلة المفاتيح الأربعة”.
اختلفت عادات زواج مروة كما اختلفت أحلامها، فلم تحظَ بمقدّم لتشتري فيه ملابس تحملها إلى بيتها الجديد، ولم تحظَ بحفل زواج في صالة كبيرة.
وتوضح “بلغ مقدَّمي 100 ألف ليرة… إنه مبلغ كبير لو أن الليرة السورية ماتزال تحتفظ بقيمتها السابقة، لكنه اليوم لا يشتري سوى كمية قليلة من الملابس”.
تعتبر مروة أن الزواج اليوم أصبح سريعًا، ومجانيًا بشكل شبه كامل، وهو ما تسبب بشكل أو بآخر في تفلت الرجال من تحمل المسؤولية، أو بقاء النساء بدون مورد مالي في حال موت الزوج أو فقدانه.
معظم فترات الخطوبة لا تستمر أكثر من 15 يومًا، وهذا سبّب غياب التفاهم بين الزوجين، الأمر الذي حوّل الزواج إلى قضية بسيطة تلغي مسؤوليات كبيرة تختصره عبارة “تلبيس المحبس يكفي”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :