التهجير والتهريب يصنع هنا
قلعة المضيق.. وَصْلة النظام بالمعارضة
عنب بلدي – ضياء عودة
تردّد اسم “قلعة المضيق” في السنتين الماضيتين بين المواطنين السوريين، تزامنًا مع عمليات إفراغ بعض المناطق السورية من مقاتليها وساكنيها، بعد عمليات “التسوية والمصالحة”، التي فرضها النظام السوري على المعارضة.
البلدة تقع على تلٍ مرتفع في الجهة الشرقية من سهل الغاب بريف حماة الشمالي الغربي، واستطاعت فصائل المعارضة السورية السيطرة عليها مع الأشهر الأولى للثورة السورية، بعد حراك ثوري شهدته تزامنًا مع حراك المدن والمحافظات السورية الأخرى.
ينقسم سهل الغاب إلى منطقة شرقية تحوي عدة قرى وبلدات “سنية”، ابتداءً من قلعة المضيق ومرورًا بالشريعة والتوينة والكريم والحواش والحويز وقسطون والزيارة وغيرها، وتعتبر هذه البلدات حاضنة ثورية منذ اندلاع الاحتجاجات ضد النظام.
بينما تخضع قرى السهل الغربي لقوات الأسد، وتعتبر خزانًا لمقاتليه في المنطقة، بعدما انقسم السهل على أساسٍ طائفي غذى الصراع بين شطريه.
قلعة المضيق سميت نسبةً لقلعتها الأثرية المشهورة، واستمدّته من مضيق يقع بين التل الذي بنيت عليه وجبل شحشبو الذي يقابله، وهي قريبة من مدينة أفاميا الأثرية، وتتبع إداريًا إلى محافظة حماة.
تمثل قلعة المضيق بوابة سهل الغاب، وتعتبر الخزان الزراعي والتجاري الذي ترتكز عليه قرى ريف حماة الأخرى، كما أنها إحدى خواصر جبل شحشبو، الذي يعد امتدادًا لجبل الزاوية في الجزء الشمالي الغربي من مدينة حماة.
وتعتبر البلدة بالنسبة للقرى المحيطة بها ومناطق الشمال السوري “المحرر”، معبرًا جنوبيًا يوازي معبر باب الهوى مع الأراضي التركية، فهي نقطة وصل على طريق التجارة والسفر الذي فرضته سنوات الحرب، نظرًا لحساسية التعامل مع المنطقة كونها “متنوعة ديموغرافيًا”.
ودخلت البلدة في هدنة مفتوحة مع النظام السوري، لكنها تعرضت لخروقات عديدة من قبل الحواجز العسكرية إلى جانب الطيران الحربي.
تخضع البلدة لسيطرة فصائل المعارضة السورية، ما عدا قلعتها الأثرية التي تقع في الجهة الجنوبية من المنطقة، على تلة كبيرة مرتفعة، والتي بقيت النقطة الوحيدة التي تفيد النظام السوري لإشرافها العالي على السهل، من خلال القيام بعمليات الاستطلاع والرصد.
كما تتميز بموقعٍ استراتيجي يعطيها أهمية عسكرية كبيرة، إذ تطل على كل من سهل الغاب ووادي الدورة، وخان شيخون وطار العلا، وعلى سفوح هضبة السقلبية.
نقطة عبور من الجنوب إلى الشمال
داريا، والمعضمية، وقدسيا، والهامة، والتل، وخان الشيح وزاكية، جميع أهالي ومقاتلي هذه المدن مرّوا من منطقة قلعة المضيق إحدى خواصر منطقة الغاب، بدءًا من تهجير أهالي مدينة داريا في آب 2016، وصولًا لآخر دفعة من مقاتلي ومدنيي مدينة التل بريف دمشق.
وحوّل النظام السوري في عمليات التهجير التي اتبعها في الأشهر الأخيرة من العام الماضي 2016، بلدة قلعة المضيق إلى مركز فاصل لتجميع المهجرين قبيل دخولهم مدينة إدلب وريفها.
وجاء الاعتماد على هذه البلدة في عمليات التهجير وإخلاء المناطق بعد أشهر قليلة من إعلان النظام السوري فتح طريق السقيلبية القلعة في آذار 2016 ، بعدما قطع آنذاك جراء الاشتباكات التي دارت في المنطقة.
كما اعتمدت الأمم المتحدة والهلال الأحمر الطريق الواصل إلى البلدة، كطريق لإدخال المساعدات الإنسانية ونقل الجرحى والأسرى، من وإلى المنطقة.
عملية دخول المهجرين إلى البلدة تتم عبر المعبر الجنوبي للقلعة الأثرية التي تسيطر عليها قوات الأسد، ليتم بعدها إيصالهم للجزء الشمالي منها الذي يخضع لسيطرة الفصائل العسكرية المعارضة.
ورغم أن “الباصات الخضراء” كان باستطاعتها الوصول إلى نقاط فاصلةٍ بين الجانبين وأقرب من المضيق، إلا أنّ النظام السوري أصرّ على اعتمادها نقطة عبور، حتى لو استمرت الرحلة أكثر من عشر ساعات، كما جرى في عملية تهجير أهالي داريا.
استلام وتسليم
لم تكن منطقة قلعة المضيق نقطة الوصل التي تتجمع فيها قوافل المهجرين من بلدات ريف دمشق الغربي فحسب، بل تحولت خلال الأشهر القليلة الماضية إلى نقطة “علّام” ومركز لعملية تهريب المطلوبين للخدمة العسكرية والأفرع الأمنية، من مناطق سيطرة النظام في مدينة حمص وحماة ودمشق إلى المناطق التي تسيطر عليها فصائل “الجيش الحر”.
عبد الهادي، أحد الشباب المطلوبين الذين سلكوا هذا الطريق من مدينة حمص (رفض الكشف عن اسمه الكامل)، تحدث لعنب بلدي، عن الطريق الذي سلكه أثناء عملية تهريبه ووصوله للبلدة.
يقول الشاب “في الأشهر الثلاثة الماضية نشطت عمليات تهريب الأشخاص المطلوبين أمنيًا من مدينة حمص، إلى الشمال السوري، مرورًا بمدينة حماة وصولًا إلى قلعة المضيق لقاء مبالغ مالية، ليتم بعدها الانتقال إلى مناطق ريف مدينة إدلب في الشمال السوري”.
يشرف على هذه العملية بحسب الشاب مجموعتان، الأولى تقوم على تهريبه من مناطق النظام السوري، إلى مشارف البلدة، ليتم بعدها استلامه وإيصاله من قبل عناصر من المعارضة السورية إلى مدينة إدلب وريفها، بعد التأكد من أنه “ليس عميلًا” للنظام في المنطقة.
ولم تقتصر عمليات التسليم على المطلوبين للنظام السوري، بل أجريت عمليات تبادل للأسرى والمعتقلين بين “حركة أحرار الشام الإسلامية”، والنظام السوري في هذه البلدة.
وتابع الشاب السوري “تم تهريبي من مدينة حمص بمرافقة ضابط برتبة مقدم في الجيش، لقاء مبلغ مالي 800 دولار، على ألّا تتم مساءلتي، وتفييشي على الحواجز العسكرية الممتدة على طول الطريق الواصل”.
عمليات التهريب التي تحدث عنها عبد الهادي لم تقتصر على ضابط بعينه، فقد أصبحت “مصدر رزق” للعديد من “أصحاب النفوذ” في جيش النظام، حتى إنها باتت على العلن في المناطق الموالية، فالأسخاص القائمون بها معروفون للعلن دون أن تتم مساءلتهم من قبل السلطات الأمنية التابعة لنظام الأسد.
وتتراوح قيمة التهريب مع ضابطٍ من دمشق أو حمص إلى قلعة المضيق، بين ألف وثلاثة آلاف دولار، دون توقّف أو تدقيقٍ على الحواجز المنتشرة على الطريق.
“معبر التهريب”، الاسم الذي أطلقه الشاب على البلدة أثناء حديثنا معه، ومازالت عمليات تهريب المطلوبين جارية حتى الآن، وسط ارتفاعٍ بعددها في الأيام القليلة الماضية بعد “تأمين الطريق”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :