طريف العتيق
واحدة من المشاكل التي نتجت عن تهجير الناس من بيوتها إثر القصف الانتقامي الذي اتبع في مناطق سورية عدّة. انقطاع الكثيرين عن متابعة دراستهم، خاصة الشباب من طلبة الثانويّة والجامعات، الذين يشعرون بأن مستقبلهم كلّه بات مهددًا بالفشل نتيجة هذا الانقطاع، وعدم التمكّن من الالتحاق بأيّ من المؤسسات التعليميّة في البلدان التي باتوا بها.
ونذكّر بما نقوله هنا دومًا: في كلّ وضعيّة نمرّ بها -مهما كانت- تكمن منافع وإيجابيات ومزايا، كما تكمن مضارٌ وسلبيّات، المشكلة أننا دومًا ما نغرق في السلبيات التي وقعنا بها، مما يعيقنا عن الانتباه ومن ثمّ الاستفادة من مزايا الوضع الجديد الذي نحن فيه.
الشكوى والتذمر تسمعها من الجميع، من بقي في البلاد ومن غادر، من هو في المناطق المحررة أو تلك التي لا تزال تحت سيطرة قوى الأمن وجيش النظام، من خسر بيته ومن لم يخسره، الخ
وهذا كلّه يعني أن الرضا والتمتع بمزايا ما بين يدينا لا ترتبط بما نمرّ به حقيقة، بقدر ما تتعلق بطريقة التفكير التي تسيطر علينا.
إن الخروج من المدرسة أو الجامعة يكمن على فوائد جمّة، تشير إلى إحداها دراسة روسيّة تقول أن نسبة إبداع الأطفال تنخفض إلى 10% عند الوصول إلى سن السابعة، وفي ذلك يقول الطبيب النفسي د. و. جلاسر في كتابه «مدارس بلا فشل»: إنّ المدرسة، والمدرسة وحدها، هي التي تسجّل على الأطفال بطاقة الفشل، فالطفل الذي كان يؤدي عمله بصورة مرضية طوال خمس سنوات يكون على ثقة من أنه سيستمر كذلك في المدرسة، وفي تجربة كثيرٍ منا تنهار هذه الثقة حالما يناهز الطفل العاشرة من عمره.
وليس الأمر مقتصرًا على المدرسة، إذ تتضافر الإحصائيات لتشير إلى أن 50-70% من خريجي الجامعات الأمريكيّة يعملون في غير تخصصهم.
مارجريت تاتشر – كمثال فقط من خارج الولايات المتحدة- أشهر الساسة البريطانيين وأول رئيسة وزراء في تاريخ بريطانيا تخرجت من كلية الصيدلة. كما أن مبتكر شخصيّة شارلوك هولمز الأديب الكبير آرثر دويل كان طبيبًا، إلى جانب مئات الأمثلة التي عملت في غير تخصصاتها.
سيقول البعض بأنّ هؤلاء عملوا خارج تخصصاتهم، لكنهم درسوا في مقاعد الثانويّة والجامعة، واستفادوا من الخبرات التي تقدمها تلك المؤسسات.
لكنّ الحقيقة المغيبة أنّ الأشخاص الأكثر إبداعًا وتأثيرًا هم أولئك الذين لم يدخلوا المؤسسات الأكاديميّة الرسميّة.
أجاثا كريستي أعظم مؤلفة روايات بوليسيّة في التاريخ، والتي بيعت من رواياتها أكثر من مليار نسخة، وترجمت إلى أكثر من مئة لغة لم تدرس في أية مدرسة على الإطلاق.
أديسون الذي أضاء العالم، لم يدرس في أية مدرسة على الإطلاق.
عباس محمود العقاد المفكّر المصري المعروف، لم يكمل دراسته الابتدائيّة، ومثله الأديب الكبير مصطفى الرافعي.
أهم شعراء المهجر في القرن العشرين إيليا أبو ماضي، لم يدرس سوى بضعة أشهر في المدرسة في حياته كلها.
ستيف جوبز المخترع وأحد أقطاب الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكيّة مؤسس شركة آبل، اكتفى بتعليمه الثانوي، وقرر عدم الإكمال في الجامعة بسبب أوضاعه الماليّة.
جيمس واط مخترع المحرّك البخاري، الذي تمكّن من تسخير قوة البخار لصالح الإنسان، ترك دراسته الابتدائيّة مبكرًا لصعوبات مختلفة عانى منها.
ليو تولستوي أحد أعمدة الأدب الروسي، ويعدّه البعض أحد أعظم الروائيين على الإطلاق، رفض إكمال تعليمه الجامعيّ بعد أشهرٍ قليلة من التحاقه بها، لان أسلوب التدريس لم يعجبه، فاتجه إلى إدارة الأعمال وتثقيف نفسه بنفسه.
انتهت المساحة المخصصة للمقال ولا يزال هناك قائمة طويلة جدًا من أمثال هؤلاء.
لنتوقف عن ندب حظنا، ونتجه إلى استغلال الوضع الذي نحن به، أيًا كان.