محمد رشدي شربجي
يمر اليوم ذكرى حرب تشرين/أكتوبر “المجيدة”، وهي حرب العاشر من رمضان في مصر، أو حرب تشرين التحريرية كما ينادي بها في سوريا. أعتقد أنه من المهم أن نعرف عن هذه الحرب التي أرست دعائم النظام العربي.
بداية، أجد من الضرورة بمكان أن ندعو بالرحمة والغفران لمهندس تلك الحرب وقائدها الحقيقي، والذي ظلمه السادات واعتقله حسني مبارك لثلاث سنوات، وتوفي ليلة سقوط مبارك، الفريق سعد الدين الشاذلي، محطم أسطورة الدفاع الإسرائيلي خط بارليف المنيع، والذي كان يتباهى به الإسرائيليون سرًا وعلانية متحدين به العالم أجمع.
في المذكرات القيمة التي كتبها الفريق سعد الدين الشاذلي والتي يتحدث فيها عن حرب أكتوبر، يبين لنا أن الثغرات التي دخلت منها إسرائيل إلى قلب الأمة العربية لم تكن ثغرات عسكرية بقدر ما كانت ثغرات سياسية، كان هدف الحرب هو عملية محدودة تعبر بها القوات المصرية خط بارليف وتنتشر شرق قناة السويس لعشرة كيلومترات، في حين كان هدف السادات هو الحرب من أجل السلام، بينما كان هدف السوريين (المعلن) هو تحرير الأراضي المحتلة في عام 67.
خلال 18 ساعة من بدء الحرب عبرت القوات المصرية قناة السويس فيما بات يعرف بملحمة العبور، وبعدها بأيام كان الجيش المصري قد أتم انتشاره شرق القناة بعشرة كيلومترات، وأتم خطته الحربية التي أطلق عليها المآذن العالية.
مغامرات السادات السياسية أضاعت مكاسب الحرب على الأرض حيث طلب من الجيش المصري توسيع هجومه شرقًا باتجاه المضائق، بالرغم من معارضة الشاذلي، الذي كان يرى أن القوات ستكون مكشوفة في الصحراء أمام الطيران الإسرائيلي، وهذا ما حدث، فقد خسر الجيش المصري يوم 13 اكتوبر 250 دبابة، وفتحت أمام الجيش الاسرائيلي الثغرة الشهيرة «ثغرة دفرسوار»، وهي ثغرة تقع شمال قناة السويس وجنوب الإسماعيلية، والتي استطاعت أن تعبر منها قوة إسرائيلية بقيادة ارييل شارون إلى غرب القناة، ومن ثم توسعت القوة الإسرائيلية غرب القناة وإلى الجنوب حتى وصلت إلى السويس وحاصرت مدينة السويس غرب القناة، وحاصرت الجيش الميداني الثالث شرق القناة، ليعلن وقف إطلاق النار في 24 أكتوبر على هذا الحال المزري بالنسبة للجيش المصري.
على الجبهة السورية نجد أن السوريين استطاعوا تحرير بعض المناطق خلال اليوم الأول من الحرب، حتى وصلت بعض طلائع الجيش السوري بحيرة طبرية، عندما بدأت إسرائيل هجومها المضاد استطاعت استعادة كل المناطق التي حررها الجيش السوري قبل يومين من جهة الجنوب واخترقت الخط السوري من جهة الجبهة الوسطى (غباغب)، وأصبحت قريبة من سعسع، وكادت أن تكمل طريقها باتجاه دمشق لولا تدخل الجيش العراقي في ذلك على الحين.
وعلى الجبهة الشمالية من جهة القنيطرة استطاعت إسرائيل احتلال حوالي 60 قرية جديدة حين أعلن وقف إطلاق النار على هذا الحال المزري بالنسبة للجيش السوري.
بعد وقف اطلاق النار بدأت المفاوضات (الكيسنجرية) والتي لا يعرف أحد ماذا جرى بها، ولكنها انتهت بانسحاب إسرائيل من مدينة القنيطرة بعد أن دمرتها عن آخرها، وانسحبت من صحراء سيناء على أن يبقى فيها فقط سبعة آلاف جندي مصري بسلاحهم الخفيف.
لم تكن الحرب إذن كما روج لها حافظ الأسد والسادات، انتصارًا عسكريًا ساحقًا على العدو الصهيوني، وإنما كانت مناورة عسكرية بغية تحريك المياه السياسية الراكدة، والتي انتهت بإخراج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي، واكتفى حافظ الأسد بقاعدة “لا سلام ولا حرب” منذ ذلك الحين، وما كسبه الجيش المصري على الأرض خسرته مصر في دهاليز السياسة والسياسيين.
تعود الآن ذكرى حرب أكتوبر والسوريين يخوضون حرب التحرير الحقيقية، التي طالما أثقلت كواهلهم وأحلامهم وحياتهم، هي الحرب التي تخافها إسرائيل أكثر مما تخاف أي حرب أخرى، فما كان لإسرائيل أن تنتصر على العرب وأن تبقى ككيان احتلال ضد التاريخ والطبيعة والجغرافية كل هذه الفترة لو لم تجد حولها شعوبًا غارقة في وحل الاستبداد والظلم.