بعد تفكير ومداولات كثيرة، وقع الاختيار على “عنب” اسمًا للجريدة، لارتباطه المباشر بمدينتنا التي اشتهرت بزراعته منذ زمن بعيد، ورمزيته المتمثلة بالأصالة والارتباط بالأرض، وتعدد أنواعه وأصنافه، التي نرى فيها إشارة إلى تنوع اتجاهاتنا وأفكارنا.
وهذا العنب “بلدي”، لأنه نتاج ذاتي لأبناء داريا وبناتها، يعتمد على جهدهم وقدراتهم الشخصية.
كانت هذه مقتطفات من افتتاحية العدد صفر من جريدة عنب بلدي، الذي صدر في مثل هذا اليوم قبل خمس سنوات، (في 29 كانون الثاني 2012)، والتي أطلقها آنذاك مجموعة من “الهواة” لا يتمتعون بخبرات صحفية، “لكنهم أحبوا أن يبذلوا جهدهم في تقديم جانب مختلف من الثورة السورية، ويشاركوا في أحد الفضاءات الحرة التي خلقتها لتكون ساحة لأفكارهم وأقلامهم وليغردوا فيها بكل حرية”، تتابع الافتتاحية.
اليوم، مع دخول عنب بلدي عامها السادس، تبلورت التجربة الصحفية، التي امتزجت بدماء عدد من مؤسسيها، ودفع عدد آخر منهم لأجلها حريتهم، لتتحول بمن بقي منهم إلى مؤسسة إعلامية جادة، تسير على طريق الاحتراف، تقدم محتوى صحفيًا متنوعًا، يتناول الشأن السوري، بمختلف الأنماط الصحفية.
ستون إعلاميًا وعشرات المقاعد التدريبية.. إلى صحافة مهنية
بعد أقل من سنة من انطلاقتها، وسّعت عنب بلدي دائرة تركيزها الجغرافية، لتنتقل من رصد الأحداث في مدينة داريا، إلى تغطية أخبار المحافظات السورية الرئيسية. كما بدأت بتعزيز نظمهما الداخلية وهيكليتها الإدارية، بالاستفادة من الخبرات الأكاديمية التي توفرت ضمن كوادرها، فكتبت سياستها التحريرية ووضعت نظامها الداخلي في وقت مبكر من عمر التجربة.
في صيف 2012، بدأت أولى تدريبات الصحافة الأساسية التي تلقاها “هواة” عنب بلدي. كان ذلك في بيروت، على يد الإعلامية اللبنانية في شبكة “BBC”، ندى عبد الصمد، وبدعوة من منظمة “إنترنيوز” الأوروبية.
ثم تدرجّت التدريبات بإشراف مدربين محليين وعرب ودوليين، أبرزهم: ياسر عبد العزيز (مصر)، بيسان الشيخ (لبنان)، ياسر الزيات (مصر)، منى مجدي فرج (مصر)، جو عبدو (سوريا)، رومان زاغروس (العراق)، مهند الحاج علي (لبنان)، هالة قضماني (سوريا)، بشار شرف (الأردن) وآخرون.
وخلال السنوات الخمس، شاركت عنب بلدي في العديد من الورشات التدريبية التي قدمتها مؤسسات إعلامية دولية متخصصة، وحظيت بعشرات المقاعد التدريبية، استفاد منها قرابة 60 إعلاميًا، عملوا مع عنب بلدي (صحفي ومراسل وإداري).
وتعتبر الدكتورة هالة قضماني، التي ترأس القسم السوري في صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، أن عنب بلدي مثالٌ للتطور الإيجابي وتراكم الخبرات، كتجربة وصلت إلى المهنية، في ظلّ تصاعد مستمرٍ دائم.
وعزت قضماني السبب الأساسي في التطور إلى حرصٍ واضحٍ من الأساس على الجدية، وإلى تماسك فريق العمل، “وهذا متعلّق بالبداية بنشأة عنب بلدي في مكان محدد بين مجموعة من الأقرباء والأصدقاء“، مشيرةً إلى الطموح في التطور والتحسن والتجديد.
وأكّدت الإعلامية، التي أجرت تقييمات منتظمة عن الأداء المهني لمجموعة من الصحف السورية على مدار عامين بدعم من منظمة “IMS” الدنماركية، أن الجريدة انتقلت من مرحلة الهواة إلى الالتزام بالمعايير المهنية، بتراكم الخبرات والتدريب، لتصبح قريبة من الصحف العربية، “وهي أفضل من كثيرٍ منها“، بحسب قضماني.
التطور دائمًا ضروري، ولا توجد جريدة في العالم وصلت إلى الكمال، تضيف قضماني، محذرةً المؤسسة من “النمطية المهنية“، ومؤكدة على ضرورة العمل على المزيد من الابتكارٍ والإبداعٍ، من ناحية الكتابة والتحرير ومعالجة المواضيع، والزوايا والأفكار، “هذا يجب أن يكون طموح المرحلة المقبلة“.
وأشارت الدكتورة إلى أن مما يميّز عنب بلدي “استقرار الإدارة والتنظيم، وتنوع الدعم بالموارد، والذي يعطي راحة واستقرارًا أكبر، واستقلالية تؤدي إلى الطمأنينة والتطور“.
ومن أهم البرامج التدريبية التي استفادت منها عنب بلدي، كانت تلك التي قدمتها منظمتا “FPU” و“إنترنيوز” الأوروبيتان على مدار عامي 2014 و2015، والتي أجريت لمجموعة من الصحف والإذاعات والوكالات السورية.
تقول الدكتورة منى مجدي فرج، الخبيرة الصحفية والمستشارة لدى منظمة “FPU”، إن اكتساب المهارات الأساسية والمتقدمة لدى عنب بلدي “تتحقّق بشكلٍ كبير“، وإن عليها في المرحلة المقبلة التركيز على تنمية القدرات الفردية والمواهب الخاصة، التي تحتاج إلى تدريب متميزٍ في حقول الصحافة بالخبرة والممارسة، “مثل السعي لتقديم صحافة أكثر عمقًا، والصحافة الاستقصائية، والانطلاق لآفاق جديدة تتلاءم والتطورات الحديثة في مجال الإعلام، من حيث الاعتماد على تقنية الصوت والصورة والعوامل البصرية المختلفة“.
لكنّها أوضحت أن العقبة الأكبر، تكمن في تدريب المراسلين داخل سوريا، وتقديم دورات لصقل مهاراتهم الأساسية، إلى جانب الاحتفاظ بالمراسلين بعد التدريب، وعدم انتقالهم إلى مؤسسات أخرى، أو ترك المهنة بالكامل، بسبب الهجرة أو غيرها.
وهو ما تحاول عنب بلدي تجاوزه بتدريبات “أونلاين” مع المراسلين، حول أساسيات الصحافة وأخلاقياتها، لكن تأثيرها يبقى محدودًا بسبب عوامل تتعلّق بصعوبة إيصال الخبرات، وتقطّع خدمات الإنترنت والكهرباء.
ونصحت منى فرج بتعزيز العنصر النسائي، المتخصص في كتابة الموضوعات ذات الطابع الاجتماعي، والتحقيقات التي تعبر عن الواقع اليومي وتلامس الأنشطة الأساسية، وتبحث في العلاقات الأسرية والاجتماعية، إضافة إلى تطوير المحتوى البصري ليصبح قادرًا على تقديم رسائل قصيرة حية من قلب الحدث.
“لكي يكون العمل محترفًا ومهنيًا وناجحًا، لا بد من أن تتحقق روح الفريق، وهي الدعامة الأساسية للنجاح“، تقول فرج، موضحةً “كلٌ يعزف مقطوعته الإعلامية في سيمفونية كبرى تسعى لتحقيق أهداف مشتركة“، معتبرةً أن الميزة الأكبر في كادر أي مؤسسة هو “الرغبة والإصرار على التعلم والتطور، والمعرفة“.
وختمت “في ظل الظروف الراهنة والواقع السياسي غير المستقر والظروف الاجتماعية التي يمر بها السوريون، أعتقد أن النجاح مهمّة شاقة، ولكنها غير مستحيلة لمن يملك الإرادة“.
من يدعم عنب بلدي؟ لم تكن حاجة عنب بلدي حين تأسست تزيد عن الـ 20 ألف ليرة سورية (400 دولارًا في حينها)، التي كان يتبرع بها أحد الناشطين شهريًا لشراء الورق والحبر لطباعة النسخة الورقية. وبقيت الجريدة طيلة العام الأول دون دعمٍ مالي، سوى تبرعّات “غير منتظمة” من مقربّين ومعجبين بالمشروع. بداية العام 2013، حصلت عنب بلدي لأول مرة على دعمٍ شهري ثابت من “جمعية دعم الإعلام الحر” (ASML) السورية، التي تكفلت أيضًا بطباعة الجريدة في الشمال السوري من منتصف العام 2013 وحتى شهر آب 2014. بعد ذلك، حصلت عنب بلدي، خلال السنوات الثلاث الماضية، على دعم مهني ومالي من منظمات سورية ودولية مثل “إنترنيوز” (Internews)، و“صحافة حرة غير محدودة” (FPU)، و“المنظمة الدولية لدعم الإعلام” (IMS)، ومنظمة “تبنى ثورة” (Adopt a Revolution)، ومنظمة “المساعدات الشعبية النرويجية” (NPA)، والوكالة الفرنسية للتعاون الإعلامي (CFI)، و“الصندوق الوطني للديمقراطية” (NED)، و“الصندوق الأوروبي من أجل الديمقراطية” (EED)، و“البرنامج الإقليمي السوري” (SRP). |
نبيل شربجي بذرة “العريشة”
بعد خمس سنوات من اعتقاله، تأكّد لإدارة عنب بلدي خبر مقتل الصحفي نبيل شربجي في سجون النظام السوري، وهو أحد أبرز المؤسسين، والصحفي الأكاديمي الوحيد ضمن كادر الجريدة حينها.
حرّر نبيل أخبار الأعداد الأولى من عنب بلدي، ونشر بكاميرته وصوته فيديو إعلان إطلاق العدد “صفر”، في 29 كانون الثاني 2012.
بعد شهر تقريبًا، اعتقل نبيل وسط مدينة داريا، ونقل إلى عدة سجون وأفرع أمنية، قبل أن يقتل في سجن صيدنايا للمعتقلين السياسيين، في 3 أيار 2015، وفق شهادات متقاطعة من معتقلين معه آنذاك.
التزم نبيل بـ “واجبه” تجاه الجريدة، وهو داخل المعتقل، فأرسل مجموعة من المقالات عن تجربته وقصصه نشرت في صفحاتها، في الفترة التي قضاها في سجن عدرا المركزي بدمشق.
محمد قريطم.. انتخابات مبكرة
كان محمد أنور قريطم المعروف بـ “أبو النور“، عضوًا في مجلس إدارة المؤسسة الناشئة، الذي سعى إلى تشكيله مبكرًا بهدف تنظيم العمل وإدارة أدوار العاملين في الجريدة، وهو النظام الذي عملت عليه عنب بلدي حتى إقرار نظامها الداخلي والأساسي، في 30 كانون الثاني 2015.
فُقد الاتصال بمحمد قريطم، في 28 تشرين الثاني 2012، بعد ذهابه إلى منزل في داريا على طريق المعضمية، تزامنًا مع غارات جوية شنتها طائرات حربية على المنطقة، وألقت صواريخ يرجح أنها تحمل مواد غازية سامة.
وبعد يومين، (الجمعة 30 تشرين الثاني)، وُجد كل من محمد قريطم والأستاذ عبد الرحيم شربجي والناشط مروان شربجي، شهداء في منزل الأخير، وهم في حالة قاسية، إثر قصف جوي استهدفهم.
أحمد شحادة يطوّر رؤية المؤسسة
كان لانضمام أحمد شحادة، بعد أشهر على انطلاقة عنب بلدي، أثرٌ في رفع سوية المحتوى الصحفي في الجريدة، لما يمتلك من فكرٍ ومهارات أدبية وبُعد نظرٍ سياسي. وقد اختيرًا عضوًا في مجلس إدارة المؤسسة، وعيّن مديرًا للتحرير، وكتب ما يزيد عن 30 افتتاحية.
استفادت الجريدة من خبرات أحمد الأكاديمية، فهو يحمل درجة الماجستير في الاقتصاد، وعمل مع مؤسسات دوليّة قبل الثورة. لقد أسس النظام المالي في المؤسسة، رغم عدم وجود موارد تستحق حينها، ووضع استراتيجية مالية مايزال معمولًا بها حتى اليوم، أسهمت بتطوير رؤية عنب بلدي والمحافظة على استقرارها المادي.
قتل أحمد شحادة مساء 12 آذار 2013، بقصف صاروخي استهدف مكان وجوده في داريا.
محمد شحادة مؤسس ومراسل
كان محمد فارس شحادة (أبو يزن) أحد أعضاء المجموعة التي أسست جريدة عنب بلدي، وبقي عضوًا فيها عدة أشهر قبل أن يتفرغ لنشاطات أخرى وينسحب من الفريق، لكنه استمر في العمل كواحد من المراسلين الميدانيين.
أسهم شحادة بتأسيس المجلس المحلي لمدينة داريا، وشغل فيه عضوية في مكتب الحراك السلمي ليتابع نشاطه الثوري تحت مظلة المجلس، حتى مقتله، في 16 كانون الثاني 2013، بقذيفةٍ استهدفت سيارته.
تحالفات ومشاريع ناجحة
“ميثاق شرف” للإعلام السوري
في أواخر العام 2013 شاركت عنب بلدي في تأسيس تحالف إعلامي “من أجل صحافة أخلاقية في سوريا“، يضم عددًا من المؤسسات المحلية، والذي بدأ في شباط 2014 بعقد أولى طاولات النقاش، لكتابة ميثاق أخلاقي للصحافة السورية.
وعلى مدار عامين من العمل، تخللتها تسع طاولات، وشاركت فيها أكثر من 20 مؤسسة صحفية سورية، أنجز “ميثاق شرف للإعلاميين السوريين“، وأطلق رسميًا في أيلول 2015، ليصل عدد الموقعين عليه حتى نهاية 2016، قرابة 40 مؤسسة إعلامية سورية.
ويهدف الميثاق إلى وضع ضوابط أخلاقية ومهنية للعملية الإعلامية المتنامية بشكل متسارع في سوريا، إثر انطلاق الحراك الشعبي في آذار 2011، وما أفرزه من مؤسسات إعلامية، في ظل غياب قوانين جامعة وناظمة للعمل الصحفي.
ويستند الميثاق إلى المبادئ الأخلاقية العامة لمهنة الصحافة، ويشمل، بحسب بيان إعلانه، جميع العاملين في الوسائل الإعلامية السورية، المكتوبة والمرئية والمسموعة، أو أي شكل آخر من أشكال التعبير عن الرأي، بكل وسائل النشر.
الدكتور رياض معسعس، رئيس رابطة الصحفيين السوريين، قال في لقاء أجرته معه عنب بلدي عند إطلاق الميثاق، إن “ميثاق (شرف) يعتبر الأول في الإعلام السوري منذ أن نشأت الدولة السورية“.
أرشيف المطبوعات السورية
بدأ فريق منبثق من جريدة عنب بلدي العمل على حفظ نسخٍ عن المطبوعات السورية الصادرة خلال الثورة السورية، في آذار 2013، ونشرها أسبوعيًا عبر عنب بلدي، ثم طوّرت الفكرة لإطلاق موقع متخصص تحت اسم “أرشيف المطبوعات السورية“، الذي أطلق رسميًا بنسخته التجريبية في 21 تشرين الثاني 2014، خلال مؤتمر رابطة الصحفيين السوريين الأول في غازي عنتاب التركية.
والأرشيف مشروع توثيقي يعمل على أرشفة المطبوعات الدورية التي تصدر في سوريا وخارجها، منطلقًا من أن هذه الدوريات تشكّل جزءًا من الذاكرة السورية المدوّنة، ووجهًا من وجوه ولادة التعدّدية السورية.
ويهدف الأرشيف إلى إبراز التعددية السورية السياسية والاجتماعية، وأرشفة وتبويب الصحف الصادرة في مرحلة الثورة السورية، للحيلولة دون ضياعها، ما يسهم في حفظ التاريخ السوري، وتشكيل ذاكرة السوريين.
ويوفّر عدة خدمات، أبرزها جمع المجهود السوري المكتوب في الصحف في موقع إلكتروني واحد، وإمكانية البحث المتقدم ضمن النصوص والعناوين والتواريخ وأسماء الكتّاب.
الشبكة السورية للإعلام المطبوع
في صيف 2014 اجتمعت خمس صحف سورية مطبوعة في مدينة اسطنبول التركية، وأسست فيما بينها “الشبكة السورية للإعلام المطبوع“، وهي واحدة من أبرز التجمعات السورية في الإعلام الجديد، التي تهدف إلى تنظيم وتنمية الإعلام السوري، وتضم كلًا من صحف عنب بلدي، سوريتنا، صدى الشام، تمدن، وكلنا سوريون، لتتوسع آواخر العام 2015 وتضم مجلتي عين المدينة وزيتون.
قامت الشبكة منذ تأسيسها بتنسيق عمليات الطباعة والتوزيع داخل سوريا وخارجها للصحف الأعضاء فيها، كما أجرت عددًا من المسوحات واستطلاعات الرأي حول اهتمامات وتوجهات جمهور الصحافة المطبوعة في سوريا، وقدمت مجموعة من الورشات التدريبية لكوادرها من الصحفيين والمراسلين، وذلك بدعم من مؤسسات محلية ودولية.
وتوزّع الشبكة حاليًا الصحف السبع في أكثر من 300 نقطة حيوية في مناطق الشمال السوري “المحررة“، إضافة إلى عدد من المدن التركية التي يقطنها السوريون، مثل اسطنبول، وغازي عنتاب، وأنطاكيا، وأورفة.
وقد أطلقت الشبكة مؤخرًا موقعًا إلكترونيًا مشتركًا يضم خلاصات الإنتاج الصحفي لأعضائها السبعة، يهدف إلى إطلاع القراء والمتابعين على أهم التغطيات والتحقيقات الصحفية التي تتناول الشأن السوري.
كيف يقيم السوريون تجربة عنب بلدي
توجه مراسلو عنب بلدي لاستطلاع آراء مجموعة من المثقفين والناشطين السوريين في أربع محافظات رئيسية، حول أداء المؤسسة، التي دخلت عامها السادس، ورأى معظمهم أن المؤسسة شهدت تطورًا وانتشارًا ملحوظًا جعلها من المؤسسات المهمة في الإعلام السوري الجديد.
ريف دمشق
عدنان طه، الإداري في المجلس المحلي بمدينة دوما، رأى أن الجريدة كانت مواكبة للتطورات الميدانية والفعاليات المدنية في الغوطة الشرقية طيلة الأعوام الخمسة الماضية.
بينما عاب ثائر حجازي، الناشط الإعلامي والحقوقي، على عنب بلدي تغطيتها معظم الفعاليات، وعدم تخصصها في زوايا معينة، حقوقية أو نسوية.
من جهته، أعطى الصحفي عمر زارع تقييمًا إيجابيًا للجريدة، لكنه أشار إلى أن “بعض مواضيعها تركز على الجوانب الإيجابية في الثورة السورية وتغض النظر عن الجوانب السلبية، ووظيفة الإعلام هي تسليط الضوء على الجانب السلبي لتصحيح المسار“.
مدينة حمص
واعتبر جلال تلاوي، مراسل وكالة “سمارت” في حمص، أن عنب بلدي تلاحق عملها بشكل مستمر، ولها متابعون في الداخل السوري، باعتبارها تنقل الخبر “بكل احترام وصدق” من خلال مراسليها على الأرض، وهو ما أشار إليه جهاد إدريس، عضو لجان التنسيق المحلية في الوعر، معتبرًا أن الجريدة “تغطي معظم أنحاء سوريا بدقة، ولديها موضوعات مهمة تتناولها بعمق“.
من جهته نوه رضوان الهندي، مراسل شبكة شام الإخبارية، إلى إشكالية تواجهها الجريدة من حيث الانتشار، وقال “معظم الناس في الداخل السوري والمناطق المحاصرة لا تملك اطلاعًا كاملًا عليها، لعدم توفر الطرق التقنية لمتابعتها، فالناس هنا لا يستطيعون متابعة العدد الإلكتروني لصعوبة الوصول للإنترنت، وهو حال منطقتنا التي تفتقر للعدد المطبوع، ويجب على عنب بلدي أن تتلافاها“.
الناشط الحقوقي والمدني، عبد العزيز الدالاتي، رأى أن الجريدة تطرح مواضيع مفيدة، وتمتلك كادرًا مميزًا، وتتمتع “بالحيادية والمهنية“، وهو ما قاله محمد الحميد، مراسل شبكة “سوريا مباشر” في حمص، موضحًا أن “الجريدة استطاعت نقل الواقع على الأرض، وبلورت رأيًا عامًا وصورة واقعية جدًا عما يجري في الداخل“.
محافظة إدلب
اعتبر الصحفي علاء العبد الله، مدير مكتب “المركز الصحفي السوري” في إدلب، أن عنب بلدي تعمل بطريقة مؤسساتية، وأوجدت لنفسها “مكانة مرموقة كونها متابعة من شريحة واسعة في المجتمع السوري“، من خلال قدرتها على كتابة تقارير “مميزة” تدخل إلى فكر المثقف والمواطن العادي، مشيرًا إلى ضرورة وجود “مجمع أكاديمي مؤسساتي“، تكون عنب بلدي واحدة من أعضائه المؤسسين.
وتوجهت مراسلة عنب بلدي إلى مكتب جريدة “حبر” في مدينة إدلب، وتحدثت إلى أحمد العبسي، مدير تحرير الجريدة، الذي قال “ما ميز الجريدة أنها كانت سباقة في العمل الصحفي منذ عام 2011، وما يميزها حاليًا هي المنصات التشاركية التي استطاعت أن تصنعها مع وسائل الإعلام البديل، ما جعل عملها أكثر مهنية، وقرّبت وجهات النظر، واستطاعت أن تسير باتجاه المهنية بخطوات واضحة“.
غسان هنو، الإداري في جريدة “حبر” قال إنه متابع للجريدة منذ ثلاث سنوات، لكنه توجه بانتقادها، “عتبت عليها حينما ناصرت الصحيفة الفرنسية شارلي إيبدو عندما تعرضت لهجوم، كما نعتب عليها حينما انقطعت ورقيًا، ويجب أن تبقى ورقية وقريبة من القارئ والشارع السوري“.
من جهته اعتبر أحمد جعلوك، مسؤول التحرير في “حبر“، أن عنب بلدي كانت سباقة في نقل الأحداث على الأرض، ولديها ميزة مهمة في العناوين الصحفية “المدروسة بعناية“، لكن أبرز سلبياتها هي عدم وجود مكاتب لها على الأرض، واقتصار مكاتبها الحالية في تركيا.
ريف حلب الشمالي
اتفق من استطلعت عنب بلدي آراءهم في ريف حلب الشمالي، على إيجابية دور الجريدة في التعاطي مع الشأن السوري الداخلي، وهو ما أوضحه المساعد مجدي علوش، رئيس قسم في الشرطة الحرة، مؤكدًا أنها “نقلت معاناة المواطن وما يجري في سوريا بصورة جيدة“، وأشار جمعة التامر، مدير جمعية “سنابل” الإغاثية، إلى أن الجريدة اهتمت بمعاناة الناس “وخصوصًا النازحين“.
عبد القادر محمد، مراسل “شبكة بلدي” الإعلامية، رأى أن الجريدة وبموجب الأعمال التي قدمتها خلال السنوات الخمس الماضية “جيدة لأنها نقلت صورة المعاناة، وسلطت الضوء على المخيمات والوضع المعيشي فيها“، وهو ما ذهب إليه هشام بكور، الناشط الإغاثي، معتبرًا أن الدور الفعّال لعنب بلدي يركّز على الاهتمام بالأوضاع الإنسانية.
طورّت عنب بلدي خلال خمس سنوات مجموعة من الأنظمة الأساسية والداخلية، ووضعت سياساتها التحريرية والإدارية، بناءً على الخبرات التي اكتسبها كوادرها، والعوائق التي واجهتهم، وهي تعمل بشكل مستمر من خلال شبكاتها والأوساط التي تعمل فيها على تعميم هذه السياسات، ونشرها على مستوى المؤسسات والأفراد.
كما تعمل عنب بلدي على تحليل ورصد اهتمامات الجمهور ومتابعي منصاتها بشكلٍ منتظم، لتطوير دوائر تركيزها وتلبية تطلعاتهم، والوصول إلى صحافة تليق بالسوريين.
الاحتراف والمحترفون
علي سفر
يمكن لمن خاض في تجربة إنشاء صحافة سورية جديدة من الصفر، في ظل حالة الحصار التي فرضها نظام الأسد على مجمل الشعب السوري، وعلى الصحفيين والإعلاميين بشكل خاص، أن يتفهم لماذا وقعت تجارب الإعلام البديل في أخطاء كثيرة، كان بعض المحترفين يترصدونها، كي يؤكّدوا لبعضهم وفي جلساتهم الخاصة، ما يعتقدون أنه حقيقة لا يخالجها الشك، حين يقولون: لا يمكن للإعلام السوري الجديد أن ينهض على يد أحد سوى المحترفين!
وبينما كانت بعض التجارب في نسق هذا الإعلام تحاول أن تنجوَ من عثرات المشهد، وأن تعزز حماس محرريها عبر اللجوء إلى الدورات التدريبية التي يتيحها الدّاعمون، كان البعض الآخر من المحترفين يحاول أن يبدأ بداية جديدة، بالتوازي مع هذه التجارب، حتى بات عمله كله يقوم في السنوات الأخيرة على جعل هذا الإعلام أكثر نضجًا في منتجاته، وأكثر إدراكًا لمبادئ العمل الصحفي.
العلاقة الملتبسة بين المحترفين وبين غالبية مؤسسات الإعلام البديل، كانت ترشح دائمًا أمام المتابعين، على شكل التشكيك، الذي كان البعض يحوّله إلى نسق كامل من التوصيفات التي تضع الجانبين في مواجهة بعضهما. بينما كان منطق الأشياء يقول إن هذه العلاقة يجب أن تتحول إلى النقيض من هذا!
عنب بلدي وطيلة الفترة السابقة، كانت لا تغادر ضفة هذه العلاقة الملتبسة بينها وبين المحترفين، ففريقها كان يصر على أنه يقدر على صناعة نفسه خارج العلاقة مع المحترفين، وأنه يستطيع خلق حالة احترافية تنبع من التعلم الذاتي، وبالاعتماد على مساحات التدريب.
هنا سيقيس البعض النجاح بمقدار ما يستطيع أن ينجز من مواد مهمة، كملفّات وتحقيقات وتقارير وأخبار، وسيرى هؤلاء أن الحضور سيكون مهمًا حين يتم إعادة تدوير الأخبار، ونشرها عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وتطبيقات مثل تلغرام وغيره.
ولكن هل سيكفي هذا صحفيي الإعلام البديل شر العلاقة مع المحترفين؟! المشكلة واقعيًا هي عدم الاقتناع بإمكانية الاستفادة من هؤلاء، وهذه في الحقيقة ليست مشكلة عنب بلدي وحدها، بل هي مشكلة الكثير من مثيلاتها، ولكنها أيضًا ليست مشكلة هذه الجهة بمن تحتوي وحدها، بل هي مشكلة المحترفين أيضًا، فهم مازالوا أسرى الصورة النمطية التي شكّلوها عن الإعلام البديل، وعليهم تقع المسؤولية بالتساوي. طالما أنهم يكتفون بالتقليل من قيمة ما تم إنجازه خلال السنوات السابقة من تجارب إعلامية، ويستنكفون عن الخوض معها وفيها.
على عنب بلدي كجريدة أن تخطو خطوة إضافية إلى الأمام تصنع من خلالها شخصيتها في المشهد العام للصحافة السورية، وهذا لن يأتي من التمترس خلف المنجز السابق، بل يأتي حكمًا من الانفتاح على مستوى مختلف من الاحتراف، والمبادرة إلى فتح مجالها أمام عدد أكبر من الكتاب السوريين، والمضي أكثر صوب فضاءات أوسع في المحتوى الصحفي، يبتعد عن نسق إعادة التصنيع، ويجترح المادة الخاصة، لتصبح من خلال ما سبق صفحات الجريدة ملفتة أكثر، وأقرب إلى النماذج المعتبرة في الصحافة العربية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :