عنب بلدي – الغوطة الشرقية
بعد أن فقدت الأمل بالعودة للدراسة في كلية الآداب بجامعة دمشق، سجّلت الشابة نعمة الدمشقي (25 عامًا) في فرع الأدب الفرنسي ضمن المعاهد المتوسطة في الغوطة، وتقول لعنب بلدي إنها تركت الدراسة قبل سنوات، إلا أن ضرورة إيجاد عمل دعتها للدراسة في المعهد، إلى أن تخرجت عام 2015، وتعمل حاليًا معلمة في مدارس الغوطة.
الدمشقي واحدة من عشرات الحالات التي عاد أصحابها إلى مقاعد الدراسة في الغوطة مؤخرًا، فمعظم الخريجين والناشطين يتوجهون لمتابعة تحصيلهم العلمي والحصول على معارف جديدة من الكليات والمعاهد المتوسطة فيها أو الجامعات الافتراضية عبر الإنترنت.
ويرى من استطلعت عنب بلدي آراءهم، أن تلك الخطوة تساعدهم في تطوير عملهم مع المنظمات والمؤسسات المنتشرة في المنطقة، رغم أنهم يواجهون صعوبات وصفوها بـ”الكبيرة”، في توزيع وقتهم بين الدراسة والعمل.
قيادات نسائية تكتسب المعارف
قبل بداية الثورة السورية وصلت بيان ريحان، رئيسة مكتب المرأة في المجلس المحلي لمدينة دوما، للسنة الرابعة في كلية الجغرافيا بجامعة دمشق، إلا أنها لم تستطع إتمام دراستها، وتقول إنها اندفعت وتحمست مع بدء المظاهرات وابتعدت كغيرها من المئات عن مقاعد الدراسة.
التحصيل الدراسي والمعرفي كان إحدى محاولات التأقلم مع ظروف الحرب في الغوطة، وفق ريحان، التي بدأت بتعلم اللغة الإنكليزية، إضافة إلى تسجيلها في المرحلة التحضيرية، لبدء دراسة دبلوم الإدارة المحلية على الإنترنت، مع “مبادرة الإصلاح العربي” التي تشرف عليها جامعة “يال” السويدية.
وترى رئيسة مكتب المرأة في المجلس أن أي منصة متاحة لأبناء الداخل السوري، هي مورد لكسب الخبرات والمعارف، موضحةً “هناك فرص كثيرة للناشطين، فقسم كبير منا يدرس مع عمله، وهناك تسابق في الاكتساب المعرفي بيننا”.
ووفق ريحان، فإن توجه الناشطين نحو إتمام دراستهم، “يجعلهم مؤهلين بالعلوم المعرفية التي اكتسبوها، لممارسة دورهم عند بدء مرحلة إعادة إعمار سوريا”.
خريجون يدرسون لدعم خبراتهم العملية
تشترط المعاهد المتوسطة والكليات التابعة لفرع جامعة حلب في الغوطة، أن يحمل الطالب شهادة الثانوية العامة بتاريخ 2009 فما فوق، للتقديم على المفاضلة، بينما لا تقبل بالشهادات التي حصل عليها الطلاب خلال الأعوام السابقة.
وشهد العام الدراسي الحالي، الذي بدأ تشرين الأول الماضي، قبولًا للشهادات حتى عام 2005 وما فوق، للتسجيل المباشر في فروع المعاهد، ثم قُبلت شهادات عام 2000 للإناث فقط. ورغم أن المعاهد والكليات تشترط أن يكون عمر الطالب أقل من 35 عامًا، إلا أن العام الحالي شهد استثناءً، فقبلت الجامعة أعمارًا فوق العمر المحدد ضمن الغوطة فقط، بعد محاولات متكررة مع وزير التعليم في الحكومة المؤقتة. ويُطلب من كل طالب يرغب بالتسجيل في الكليات والمعاهد، شهادته الثانوية الأصلية أو صورة مصدقة عنها، وأربع صورٍ شخصية، إضافة إلى صورة عن البطاقة الشخصية، ورسم تسجيل قدره 20 دولارًا (قرابة عشرة آلاف ليرة سورية حاليًا). تضم شعبة الجامعة معاهد متوسطة من ثمانية اختصاصات (لغة إنكليزية وعربية وفرنسية، ورياضيات، وعلوم عامة، وفيزياء، ومعلم صف، إضافة إلى معهد العلوم الشرعية، وإدارة الأعمال، والمحاسبة، والمعهد الطبي باختصاصي التخدير والمخابر). وإلى جانب المعاهد تضم الغوطة الشرقية كليات الطب البشري والاقتصاد وطب الأسنان، وتتبع لجامعة حلب. رغم أن شهادات الكليات والمعاهد غير معترف بها حتى اليوم، إلا أن القائمين عليها يؤكدون تواصلهم المستمر مع جامعات وهيئات دولية للحصول على اعتماد. |
خريج كلية الصحافة والإعلام في جامعة دمشق عام 2008، عمر زارع (32 عامًا)، درس في كلية “الدعوة الإسلامية والدراسات العربية” الخاصة، لكنه وصل إلى السنة الرابعة ولم يتخرج قبل الثورة، إلا أنه عاد إلى مقاعد الدراسة في الغوطة عام 2014، مع افتتاح المعاهد المتوسطة التابعة لشعبة جامعة حلب في الغوطة.
سعى زارع لدراسة الأدب العربي لدعم عمله في الصحافة، كما يقول لعنب بلدي، إلا أن الجامعة لم تفتتح القسم حين سجّل فيه، ما دعاه إلى التسجيل في قسم إدارة الأعمال.
“كنت أطمح لتطوير لغتي، ولكني وجدت في الإدارة أسلوب حياة، يساعدني في عملي، فالإدارة تساعدني في تنظيم وقتي وأسرتي وربما أساهم مستقبلًا في تنظيم المجتمع مع أقراني”، يضيف زارع، الذي يدرس حاليًا في السنة الثانية، ويعمل مديرًا إعلاميًا مع أكثر من مؤسسة في الغوطة.
جهود مضاعفة لاكتساب المعارف
ما يُزعج محمد الساعور (30 عامًا)، الذي يُحاول الحصول على أوراقه من جامعة دمشق، لإتمام دراسته في قسم المحاسبة بكلية الاقتصاد في جامعة حلب، هو أنه لا يملك شهادة رغم خبرته في العمل، على حد وصفه.
يقول الساعور لعنب بلدي إنه أوقف تسجيله في الجامعة عام 2012، وانقطع بشكل كامل عن التعليم، إلا أنه عمل باختصاصه مع منظمات عدة في الغوطة، مشيرًا “أنهيت دراسة إدارة الأعمال من خلال منحة وفرتها جامعة رشد الافتراضية مؤخرًا، وأسعى منذ ثلاثة أشهر لتأمين أوراق طلبتها جامعة حلب لإتمام دراستي”.
أما عبد الله الشامي (35 عامًا)، الذي يدرس في قسم الأدب العربي، التابع للمعاهد التوسطة، فيرى أن “جهل الشخص يتعداه إلى غيره وينشئ جيلًا جاهلًا”، لذلك بدأ حياته الدراسية بعد انقطاعه عنها من المرحلة الإعدادية لظروف خاصة، على حد وصفه.
استطاع الشامي الحصول على شهادة التعليم الأساسي (التاسع)، ثم حصل على شهادة الثانوية العامة، إلى أن سجّل في قسم الأدب العربي، ويعتبر أن التعليم الأكاديمي هو الأفضل إذ “يقوم على أسس ومبادئ”، مشيرًا “تعرضت لضغوطات كبيرة خلال السنوات الثلاث الماضية حتى وصلت إلى هنا”.
وللوقوف على الجهود والتسهيلات التي توفرها شعبة جامعة حلب في الغوطة، لدعم المثقفين وكبار السن في إتمام دراستهم، تحدثت عنب بلدي مع عضو اللجنة العليا لإدارة تشغيل شعبة الجامعة، الدكتور ضياء الدين القالش، وقال إنها “غير موجودة حاليًا، ولكن يمكن العمل عليها مستقبلًا”.
في ظل نقص الكوادر والكفاءات، ضمن الغوطة، واعتماد المنظمات على الشهادات، كشرط أساسي للعمل، يتوجه الناشطون ومن توقف عن الدراسة، لاكتساب المعارف بشتى الطرق، ويرون أن التحصيل العلمي أهم من الشهادة، فهو الذي يُمكّنهم من رفد ذلك النقص الذي تعاني منه مناطقهم في ظل الحصار.