عنب بلدي – درعا
طريقة جديدة للموت باتت تلاحق الهاربين من برد الشتاء، أولئك المستجيرون بوسائل تدفئة بدائية وغير آمنة في درعا، عنوانها الأبرز “المازوت الأنباري“.
التدفئة على الحطب، أو “تفل الزيتون”، وغيرهما من وسائل التدفئة البدائية، عادت لتدخل منازل السوريين في الأعوام الأخيرة، بعدما أصبح الحصول على المحروقات أمرًا صعبًا لقلة توفرها وارتفاع أسعارها، إذ وصل سعر عشرة كيلو غرامات من الحطب إلى 600 ليرة سورية (أكثر من دولار أمريكي واحد) في درعا.
“المازوت الأنباري“
ومن ضمن الوسائل التي ظهرت في سوق التدفئة في درعا خلال الأسابيع القليلة الماضية، كان “المازوت الأنباري”، نسبة إلى المناطق التي يأتي منها في العراق، وهي “الأنبار” الخاضعة لسيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، والذي تسبب حرائق، نتيجة اشتعاله السريع والمفاجئ أثناء استخدامه للتدفئة.
عنب بلدي استفسرت من السيد عدنان أبو محمد، بائع المحروقات في درعا، عن “المازوت الأنباري”، وأوضح أن هذا النوع يصل إلى درعا قادمًا من آبار النفط في شرق سوريا وغرب العراق، مضيفًا “يتم تهريبه عبر المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الأسد في السويداء من خلال بعض التجار، ويصل إلى ريف درعا الشرقي، ومنه إلى مختلف مدن وبلدات درعا والقنيطرة”.
تعتبر جودة “المازوت الأنباري” أقل من الأنواع الأخرى القادمة من مناطق سيطرة النظام، “بسبب عمليات التكرير البدائية التي يخضع لها، مقارنة بذلك القادم من مصافي التكرير في مناطق النظام”، وأوضح أبو محمد “عمليات التكرير البدائية ينتج عنها نوع من المحروقات غير مكتمل العزل، يحتوي مواد قابلة للاشتعال السريع، كالغاز والزيوت المعدنية، وهو السبب الرئيسي في سوء نوعيته”.
وأشار أبو محمد إلى أن استخدام هذا النوع من المحروقات في التدفئة يسبب اشتعالًا سريعًا ومفاجئًا للمدافئ وأحيانًا انفجارها، كما حصل في أكثر من حالة تم توثيقها في ريف درعا خلال الشهر الماضي، وراح ضحيتها العشرات بين حالات وفاة وحرائق بدرجات متعددة، اطلعت عليها عنب بلدي، نظرًا لاستخدامه الواسع في التدفئة، بسبب انخفاض سعره مقارنة بالمازوت المكرر نظاميًا.
يبلغ سعر “المازوت الأنباري” 225 ليرة سورية (أقل من نصف دولار أمريكي) لليتر الواحد، مقارنة بـ 350 ليرة تقريبًا لليتر المازوت المكرر نظاميًا، أو ما يعرف بـ “المازوت الأخضر”.
إجراءات وقائية
بعد تكرار حوادث الانفجارات والحرائق الناجمة عن اشتعال “المازوت الأنباري”، كثفت فعاليات مدنية وإعلامية، بالإضافة لبعض بائعي المحروقات، من حملات التوعية للطرق السليمة في استخدام هذا النوع من المحروقات، وتحدث أبو محمد عن أنواعها، “يعتبر النوع ذو اللون الأبيض الفاقع هو الأخطر بينها، لاحتوائه على كمية أكبر من الغاز المشتعل”.
ونصح الأهالي باتخاذ إجراءات السلامة، “يجب الأخذ بعين الاعتبار وجود الغازات المشتعلة بشكل دائم، وكأنك موجود في غرفة تحتوي تسريبًا لجرة غاز”، فيجب تعريض هذا النوع من المازوت للهواء لفترة طويلة، لضمان التخلص من الغاز الموجود فيه، كما أنه “من الأفضل تهوية الغرفة بشكل متكرر لضمان طرد الغاز منها، إذ لا يمكن الإحساس بعدم وجود رائحة خاصة به، ما قد يؤدي إلى اشتعال الغرفة أو انفجارها فجأة”.
وعند تحول المازوت للشكل الجليدي أو الهلامي “يجب الحذر من اقتراب أي جسم مشتعل منه، بل يكفي وضعه ضمن ماء فاتر ليعود لوضعه السائل”، بحسب عدنان أبو محمد.
في التاسع من كانون الثاني الجاري، انفجرت مدفأة منزلية في أحد منازل مدينة جاسم جراء استخدام “المازوت الأنباري”، ما أدى إلى مقتل عائلة مؤلفة من خمسة أشخاص، إضافة إلى دمار كبير لحق بالمنزل، وفق مصادر عنب بلدي.
التحذيرات من ضرورة الاستغناء عن “المازوت الأنباري” لم تجد صداها، إذ لم يجد الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، في ظل برودة الشتاء بديلًا عنه، لا سيما مع ارتفاع أسعار باقي أنواع المحروقات ووسائل التدفئة، فأصبح لسان حالهم كالمستجير من برد الشتاء بـ”المازوت الأنباري” بكل ما يحمله من مخاطر، وأصبح التعامل مع وجوده أمرًا واقعًا.