والله ما جئنا إلا لنصرتكم يا كفرة

  • 2017/01/29
  • 1:37 ص
محمد رشدي شربجي

محمد رشدي شربجي

محمد رشدي شربجي

تفضل النصرة (أو فتح الشام لاحقًا) تسهيل المهمة على العالم، فبدل إثارة الجدل مرة تلو الأخرى (المشكوك بجدواه أصلًا) إن كانت المنطقة المستهدفة بقصف روسي أو أمريكي، تحتوي على النصرة أم لا، تفعل النصرة اليوم في إدلب مرة واحدة ما من شأنه إنهاء هذا الجدل. إدلب مدينة يلفها السواد.

لا يجب أن يشكل ما تفعله النصرة مفاجأة لأحد، فمنذ إعلان الهدنة الهشة في سوريا برعاية روسية- تركية، وحتى إعلان أستانة الأخير، أكدت مختلف الأطراف الضامنة والمعرقلة على السواء، أن الهدنة لا تشمل جبهة النصرة، وهو ما جعل الهدنة بشكل أو بآخر مقدمة لحرب أهلية داخل الثورة نفسها، وهي لم تستفق بعد من صدمة حلب، وقبلها كارثة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

لا يستحق مشروع النصرة الدفاع عنه، فما دخلت القاعدة دار قوم إلا أورثت أهلها دار الخراب، ومشروعها كما غيره من المشاريع القائمة -أو قد يكون رد فعل عليها- ليس أكثر من تفتيت للمجتمعات الإسلامية وإذكاء لحروب أهلية لا تنتهي، وقد كان دورها في سوريا من أسوأ الأدوار التي لعبتها القاعدة في أي بلد آخر، إن لم يكن أكثرها كارثية على الإطلاق.

فبداية ربطت القاعدة انتصار الثورة السورية، المتعثرة أصلًا والمبتلاة بخصوم أشداء من حجم روسيا وإيران، بهزيمة الولايات المتحدة الأمريكية، وبغض النظر عن النوايا التي لا يعرفها إلا الله، فقد احتمت النصرة عمليًا بالسوريين تنفيذًا لمشروع لم ينجح في أي مكان، ومن ثم كانت حصان طروادة الذي دخل من خلاله تنظيم الدولة لجسد الثورة السورية واحتل مدنها واحدة تلو الأخرى، وأخيرًا فقد كانت النصرة مساهمًا أساسيًا في خطاب تقسيم الثورة وتهميشها وحرمانها من تأييد محلي وإقليمي وعالمي هي أكثر ما تحتاج إليه.

يصعب على البعض تصديق أن النصرة وأشباهها من الحركات السلفية الجهادية التي تهرع لها الآن فصائل الحر طلبًا للحماية، يمكن أن تسيل الدماء فيما بينها إلى هذا الحد، وتشبه صدمة البعض هذه بصدمتهم الأولى بمشايخ الشام الذين تصدروا صفوف المجتمع قبل الثورة، ثم تصدروا صفوف مبايعي الأسد بعدها.

والحقيقة أن هؤلاء وهؤلاء لا ينتجون إلا ما نراه، وهم يعبرون في النهاية عن العطب الفكري الذي أصاب الإسلام منذ تدخلت فيه السياسة، فليس في الأمر سوء فهم أو سوء تطبيق كما يبرر البعض كوارث الإسلاميين، فمن تربى في كنف السلطة ونظّر لها فقهيًا وشرعيًا لن يكون ثائرًا في يوم وليلة، ومن قسم العالم إلى فسطاطين منذ البداية، ثم جعل جماعته في فسطاط المسلمين، وجعل بقية العالم في فسطاط الكفار، لن يكون يومًا إلا في بحث عن حرب مع “كافر” جديد يريد أن يجز عنقه.

بيد أن سنن الله في المجتمع لا تحابي مسلمًا ولا كافرًا، فهؤلاء أصبحوا أمراء حرب بغض النظر عن عظاتهم اليومية عن التقى والورع والزهد، وأمراء الحرب خلقتهم الحرب وهم يخلقونها، وهم يحاربون على الإمارة حتى لو كانت إمارة حي ناءٍ في قرية نائية بدورها، ليس فيه إلا أكوام حجارة وبيوت خاوية على أيتام وأرامل، وهكذا يستحيل شعار “ما جئنا إلا لنصرتكم” إلى حقيقته المرة “والله ما جئنا إلا لنصرتكم… يا كفرة”.

مقالات متعلقة

رأي

المزيد من رأي