عنب بلدي – العدد 84 – الأحد 29-9-2013
وهيومن رايتس ووتش: القرار لم ينصف ضحايا النزاع السوري
تبنى مجلس الأمن بالإجماع يوم الجمعة قرارًا يطالب بالتخلص من أسلحة الأسد الكيميائية وفق جدول زمني ينتهي منتصف العام القادم، ثم الانتقال إلى تطبيق مؤتمر جنيف- 2 الذي أبدت المعارضة قبولًا أوليًا للذهاب إليه، مع إمكانية اللجوء إلى الفصل السابع في حال عدم الالتزام، لكن القرار لم يتطرق إلى عقاب منفذي مجازر الكيماوي بحق الشعب السوري، ليدفع ذلك بمنظمة هيومن رايتس ووتش إلى وصفه بالغير منصف لضحايا الصراع في سوريا.
تفكيك الكيماوي أو اللجوء للفصل السابع
وبعد جهود دبلوماسية مكثفة استمرت أسابيع بين روسيا والولايات المتحدة، توصل مجلس الأمن إلى اتفاق يوم الجمعة 27 أيلول حول تدمير الأسلحة الكيميائية بحوزة الأسد، وهذا ما عدّته سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة سامنثا باور «اختراقًا ديبلوماسيًا مهمًا جدًا»، إذ استطاع مجلس الأمن أن يتحرك بشكل موحد للمرة الأولى بعد لجوء الصين وروسيا إلى حق النقض الفيتو ثلاث مرات لتعطيل قرارات تخصّ الشأن السوري.
القرار 2118 الذي أدان هجوم الكيماوي على الغوطتين في 21 آب المنصرم ولم يحمل جهة معينة مسؤوليتها عنه، ينص على «إجراءات خاصة للتعجيل بتفكيك برنامج الجمهورية العربية السورية للأسلحة الكيماوية، وإخضاعه لتحقق صارم»، ويدعو إلى تنفيذه «تنفيذًا كاملًا في أسرع وقت وبأسلم وجه»، ويطالب القرار «جميع الأطراف في سوريا» بالتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية والأمم المتحدة وتوفير «سبل الوصول الفورية وغير المقيدة» حتى الوصول إلى تفكيك السلاح الكيماوي بشكل كامل خلال منتصف أيار العام المقبل.
وبعد أن أبدى الأسد قبوله بتفكيك ترسانته الكيماوية، تضمن قرار مجلس الأمن لجوءًا إلى القوة في حال عدم الالتزام وجاء فيه: «يقرر في حال عدم الالتزام بهذا القرار، بما في ذلك نقل أسلحة كيماوية بشكل غير مسموح به أو أي استخدام لأسلحة كيماوية من أي طرف… فرض تدابير تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة».
منظمة حظر الأسلحة الكيماوية تبدأ التفتيش الثلاثاء
وبالتوازي مع قرار مجلس الأمن الذي يفوض منظمة حظر الأسلحة الكيمائية بالبدء في فحص مخزون الأسد الكيماوي، مرر المجلس التنفيذي للمنظمة يوم السبت قرارًا يفوض المنظمة بالبدء في فحص مخزون الأسلحة الكيميائية السوري بحلول الثلاثاء المقبل.
وشددّت المنظمة على حرية الحركة للمفتشين الذين يجب أن يتمكنوا من «الوصول إلى كل المواقع المشبوهة غير المدرجة على اللائحة الرسمية التي قدمتها سوريا في 19 أيلول»، ويتعين انتهاء تفتيش كل المواقع المشار إليها «بعد ثلاثين يومًا في أقصى تقدير بعد المصادقة على هذا القرار».
وقال المدير العام للمنظمة أحمد أوزومتشو إن «القرار يبعث رسالة جلية مفادها أن المجتمع الدولي يعمل سويًا من أجل السلام في سوريا، بداية من إزالة الأسلحة الكيميائية في ذلك البلد». كما دعا قرار المنظمة إلى توفير تمويل فوري لاستئجار المفتشين والخبراء التقنيين من أجل تدمير ما يقدر بنحو ألف طن من المواد الكيميائية السامة. لكن المنظمة لم تكشف عن تفاصيل التقرير الذي قدمه الأسد إلى المنظمة بترسانته الكيماوية.
وكان فريق الأمم المتحدة المكلّف بالتحقيق باستخدام الكيماوي وصلت إلى سوريا يوم الأربعاء 25 أيلول الجاري للتحقق في 7 مواقع تعرضت لهجوم بأسلحة كيماوية، ليغادر يوم السبت محل إقامته في دمشق دون البوح حول وجهته داخل الأراضي السورية.
القرار يؤيد تسوية سياسية للأزمة في سوريا
واكتفى القرار بالخروج من الأزمة السورية بالحلول السياسية عبر مؤتمر جنيف-2، ودعا إلى القيام -في أبكر وقت ممكن- بعقد مؤتمر دولي «من أجل تنفيذ بيان جنيف، ويهيب بجميع الأطراف السورية إلى المشاركة بجدية وعلى نحو بناء في مؤتمر جنيف بشأن سوريا، ويشدد على ضرورة أن تمثل هذه الأطراف شعب سوريا تمثيلًا كاملًا وأن تلتزم بتنفيذ بيان جنيف وبتحقيق الاستقرار والمصالحة»، وهذا ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي توقع أن يعقد المؤتمر في تشرين الثاني القادم.
من جهته أبدى رئيس الائتلاف الوطني السوري أحمد الجربا في رسالة إلى مجلس الأمن استعداد الائتلاف المشاركة في مؤتمر جنيف في المستقبل، لكنه شددّ على أن كل الأطراف عليها «الموافقة على أن هدف المؤتمر سيكون تأسيس حكومة انتقالية بسلطات تنفيذية كاملة كما هو منصوص عليه في اتفاق القوى الدولية العام الماضي»، وقال الجربا أنه «ملتزم بمبادئ الثورة ولكنه لا يعارض التوصل لحل سياسي يتفق مع ما قامت من أجله الانتفاضة». لكن سمير نشار عضو الائتلاف الوطني في مقابلة مع قناة العربية اعتبر الاتفاق يخدم مصالح نظام الأسد والدول الكبرى وإسرائيل بينما لا يخدم الثوار على الأرض، مؤكدًا على المبادئ التي اعتمدها الائتلاف بعدم التفاوض مع قتلة الشعب السوري، ورحيل الأسد شرطًا أساسيًا لحضور جنيف -2.
الولايات المتحدة: القرار نتيجة تهديداتنا، والجعفري القرار يغطي مخاوفنا
ورأى الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن قرار مجلس الأمن جاء نتيجة التحرك التهديد بتوجيه ضربة عسكرية للأسد «لنكن واقعيين، أعتقد بأننا ما كنا لنصل إلى ما وصلنا إليه من دون تهديد جدي بالقوة»، فيما أكد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن مجلس الامن «يستحق أخيرًا اسمه»، معتبرًا أن «الحزم أجدى نفعًا» في إشارة الى التهديدات التي أطلقتها فرنسا تحالفًا مع أمريكا.
بينما قال بشار الجعفري سفير سوريا لدى الأمم المتحدة أن القرار «يغطي معظم مخاوف الحكومة السورية»، كما يتعين على الدول التي تساعد مقاتلي المعارضة أن تلتزم بقرار مجلس الأمن، وأضاف أن الحكومة السورية «ملتزمة بشكل كامل» بحضور مؤتمر مقترح للسلام في جنيف في تشرين الثاني.
القرار لا ينصف مئات الأطفال
بدورها انتقدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» القرار على لسان ممثل المنظمة الخاص لدى الأمم المتحدة فيليب بولوبيون الذي قال «هذا القرار لم ينجح في إنصاف مئات الأطفال الذين قضوا بالغاز والعديد من الجرائم الخطيرة الأخرى». وطالب المنظمة بـ «إحالة الوضع السوري على المحكمة الجنائية الدولية وتبني عقوبات محددة الهدف ضد المسؤولين عن عمليات الإبادة الواسعة النطاق»، واعتبر بولوبيون أن «الجهود لتدمير الترسانة الكيماوية السورية أساسية، لكنها لا تعالج مشكلة الأسلحة التقليدية التي تسببت بمقتل الغالبية الكبرى من نحو مئة ألف شخص قتلوا في النزاع».
وكانت فرنسا وبريطانيا طالبتا بدورهما بأن يتضمن القرار الذي صدر الجمعة إحالة الهجوم الكيماوي الذي أوقع مئات القتلى قرب دمشق في 21 آب/اغسطس على المحكمة الجنائية الدولية. ولكن موسكو حليفة النظام السوري رفضت هذا الطلب.
ويأتي القرار في الوقت الذي تجاوز فيه عدد ضحايا الثورة السورية 100 ألف وفق تقديرات الأمم المتحدة، بعد سنتين ونصف من القمع المتواصل من قبل قوات الأسد للثورة السورية، وبينما يرى مناصرو الأسد أن القرار يضمن له البقاء في سدة الحكم حتى نهاية ولايته في 2014، بينما ينظر السوريون للقرار بأنه سيطيل مسلسل القتل اليومي الذي يعيشونه.