عنب بلدي – مراد عبد الجليل
يلاعب حسن محمّد ماعزًا شاميةً في الغوطة الشرقية، التي شهدت قصفًا على مدار الأعوام الخمسة الماضية، ويطلب منها القفز على أريكة في أرضه وهو يطعمها، ويقول لعنب بلدي إنها أليفة، ولو أنها “مرتاحة” لكانت في حال أفضل من ذلك.
أدت الحرب في سوريا إلى تدهور الثروة الحيوانية، التي تتميز بوجود عروق أصيلة كالماعز الشامي والخيول والأغنام.
وكغيره من القطاعات، شهد قطاع الثروة الحيوانية خسارة كبيرة نتيجة ارتفاع تكاليف التربية وأسعار الأعلاف والانتشار الواسع للتهريب إلى دول الجوار، إضافة إلى المعارك والقصف المستمر. أسهم ذلك في تراجع الثروة التي اشتهرت بها سوريا لعقود، والتي كانت دخلًا مهمًا لكثير من السوريين.
إلا أن أكبر الخسارات هي ما أصاب العروق الأصيلة النادرة، وخاصة سلالة الماعز الشامي التي اشتهرت بها سوريا، إذ أصبحت مهددة بالانقراض بحسب ما أفاد مربّون لعنب بلدي.
ما الذي يميّز الماعز الشامي؟
الماعز الشامي يعتبر من أفضل خمسة عروق ماعز عالمية منتجة للحليب والتوائم، وكان ينتشر قبل الثورة السورية بشكل كبير في الغوطة الشرقية بالقرب من دمشق.
ويتميز هذا العرق عن غيره بصفات خاصة، بحسب دراسات كثيرة، كسعة العينين وبياضهما، إلى جانب الحجم وتناسق الأعضاء، إضافة إلى اختلاف ألوانه، فالغالب هو اللون الدبسي (البني الغامق جدًا المقارب للسواد)، الذي يشكل 98% من لون الماعز.
وإذا اختلف اللون تتغير الأسماء، فهناك العجمية، والماوردية، والاسطنبولية، والشهباء، والصبحة أو النجمة.
كما يتميز الماعز الشامي بإنتاج الحليب وقدرته على الولادة في العام مرتين (كل خمسة أشهر)، في حال كانت البيئة الحاضنة له ملائمة، بحسب ما قاله مربّي الماعز حسن محمد لعنب بلدي في الغوطة الشرقية، والذي أكد أن الماعز بحاجة إلى بيئة هادئة ونظيفة، وتوافر الأعلاف وخاصة الشعير، الذي وصل سعر الكيلو منه إلى 500 ليرة سورية، كما تحتاج إلى طقس دافئ نوعًا ما.
وفي حال توافرت هذه البيئة وكانت الماعز “مرتاحة”، بحسب توصيف محمد، تنجب مرتين في العام وربما تنجب أحيانًا توأمًا.
خمسة آلاف دولار للرأس
هذه الصفات المميزة للماعز الشامي ولونها، جعلها محط أنظار الكثيرين من المهتمين بتربيتها وخاصة من دول الخليج العربي.
فالمهتمون بتربية السلالات النادرة، إن كانت للماعز أو الخيول، من دول الخليج، كانوا يزورون الغوطة بشكل مستمر قبل الثورة لشراء الماعز.
وأكد محمد أن سعر الرأس من الماعز الشامي العادي لا يقل عن 150 ألف ليرة، وسط تمسّك أصحابها بها، ورفض بيعها إلا للضرورة، بينما يرتفع ثمن العروق النادرة إلى أرقام أكبر.
وأشار المربي إلى أنه قبل الثورة بيعت أمامه ماعز بـ 250 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل خمسة آلاف دولار أمريكي آنذاك، ويقابل بحسب سعر صرف اليوم مليونين ونصف ليرة ( 517 ليرة للدولار الواحد).
وبسبب عروقها النادرة أقيمت مزادات علنية ومهرجانات لأجمل ماعز شامي، كما تظهر تسجيلات على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي جعلها هدفًا للتهريب إلى الدول المجاورة بشكل كبير قبل الثورة.
الماعز الشامي مهدد بالانقراض
السلالة النادرة مهددة بالانقراض، فنسبة كبيرة منها قضت في قصف النظام على الغوطة الشرقية، إضافة إلى موت العديد منها بسبب قلة التغذية وعدم وجود بيئة ملائمة لتربيتها.
وأوضح محمد أنه كان يملك قبل الثورة أكثر من 100 رأس، لكن اليوم لم يتبق لديه سوى خمسة فقط، وهذا حال الكثيرين في المنطقة، التي انخفض فيها عدد الماعز الشامي من حوالي عشرة آلاف قبل الثورة إلى ألفي رأس اليوم، ما يعني أن 80% من ثروة الماعز في الغوطة فقدت.
وحاولت عنب بلدي التأكد من النسبة من جهات ومهندسين زراعيين في أكثر الأماكن تربيةً للماعز (الغوطة ودرعا جنوبًا)، لكنهم تحدثوا عن غياب الإحصائيات خلال السنوات الأخيرة.
وأكد المزارع “أبو عبد الله حشيش” من درعا أن الماعز الشامي أصبح قليلًا إلى درجة كبيرة، وخاصة العروق النادرة منه، مشيرًا إلى أنه ينتشر كثيرًا في الوديان، وخاصة وادي اليرموك الخاضع لسيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، وحاولت عنب بلدي التواصل مع أحد المزراعين هناك دون جدوى.
المزارع “أبو عبد الله” طالب بإيجاد حلول سريعة للحفاظ على هذه السلالة، والاتفاق مع جهات معيّنة لحمايتها، عن طريق جمعها في منطقة تكون بعيدة عن الصراع وتتوفر فيها الأجواء المناسبة للحفاظ عليها واستمرار بقائها.
الأرقام الرسمية: انخفاض بنحو 50%
تعداد الماعز الشامي شهد انخفاضًا كبيرًا خلال العقدين الماضيين، بحسب أرقام حكومة النظام السوري، فقد ذكرت صحيفة “الثورة” الرسمية، في تحقيق نشرته في 2012، أن تعداد الماعز بلغ في 2009 بحدود 40 ألف رأس بعد أن كان تعداده في 1987 حوالي 77 ألف رأس.
وأكدت الصحيفة أن الانخفاض كان بمعدل 49%، وأرجعت السبب إلى انحسار المراعي وغلاء أسعار الأعلاف في السنوات الأخيرة وحصر تربيته بغرض التجارة والربح الوفير.
الانخفاض دفع حكومة النظام إلى إنشاء محطات بحثية بهدف تحسين السلالات وتأصيلها وزيادة إنتاجها، كما عملت على مكافحة تهريبها إلى دول الخليج وخاصة السعودية.