عنب بلدي – الغوطة الشرقية
تنتشر “دكاكين” وصيدليات مخالفة لبيع الأدوية في الغوطة الشرقية بحالة عشوائية، دون رقيب أو نظام للتسعير، ويدير معظمها أشخاصٌ غير مختصين ولا يملكون مؤهلاتٍ للعمل.
وتحاول رابطة الصيادلة والجمعيات الخيرية، تنظيم بيع الأدوية وعمل الصيدليات، لتكون تحت إشراف أصحاب الكفاءات والخبرات.
وتنتشر في الغوطة قرابة 120 صيدلية، بما فيها صيدليات المستشفيات والمراكز الصحية، ويدير معظمها أشخاص غير مؤهلين.
وللوقوف على واقع مهنة الصيدلة ومزاولي هذه المهنة، تحدثت عنب بلدي إلى رابطة الصيادلة، وتواصلت مع مالكي صيدليات تعمل دون ترخيص، وعرضوا وجهات نظرهم.
الرابطة تحاول لكنها لا تملك سلطة ملزمة
لا آلية لمنع من لا يملك تصريحًا أو إذن عمل من الدخول في مجال بيع الأدوية، أو العمل في الصيدليات، ذلك ما أكده عضو المكتب التنفيذي في رابطة الصيادلة، الصيدلاني سامي الشامي، قائلًا إن الرابطة ادعت للقضاء في حالات مختلفة، إلا أنها لم تلق ردًا حتى الآن، عازيًا السبب إلى “شراكات تجري بين أصحاب السلطة والمتنفذين ومديري الصيدليات العاملة في الغوطة”.
الشامي وصف الصيدلة بأنها “مهنة علمية ذات غايات إنسانية واقتصادية واجتماعية، لتأمين سلامة المجتمع الصحية”، موضحًا أن الرابطة وجّهت كتابًا رسميًا للقضاء الموحد، “بما أنه الحل الأسهل بعيدًا عن مديرية المنطقة في الغوطة، والتي كانت تستقبل كتبًا لإغلاق الصيدليات المخالفة”، ودعته إلى إغلاق ثماني صيدليات باعتبارها “الأكثر فسادًا”، وذلك بعد تشكيل الرابطة بشهرين، إلا أنه لم يتخذ أي خطوات حتى اليوم.
يبيع أصحاب الصيدليات الدواء نفسه بأسعار متفاوتة، وطرح الشامي مثالًا “إبرة الالتهاب روز فليكس، بيعت بسعر يتراوح بين 400 و700 ليرة سورية، بينما سعرها الفعلي لا يتجاوز 200 ليرة”.
وضبطت الرابطة أسعار بعض مستودعات الأدوية، التي أبدت التزامًا، وتعمل حاليًا مع أربعة مستودعات أخرى.
وتحدث الشامي عن فروقات واسعة في أسعار الأدوية، واحتكار للدواء النوعي أو نادر الوجود، ما دعا الرابطة إلى إصدار تعميم مؤخرًا، حددت فيه خمس شرائح للربح حسب سعر الدواء، ورغم ذلك لم تلتزم جميع الصيدليات به.
“تواصلنا مع معابر الغوطة التي تدخل الأدوية من خلالها، ولم نحصل على نتيجة، ولم نستطع محاسبة أي صيدلية مخالفة”، قال الشامي، مؤكدًا أن الرابطة “رصدت بعض الأخطاء الطبية، وتجلت بحالات التسمم من جرعات عالية أو تبديل أدوية بأخرى على أنها تعمل بنفس التأثير، وفق ما يقول أصحاب الصيدليات لزبائنهم”.
لكن الأهالي والمؤسسات لا يتعاونون مع الرابطة، وفق الشامي، ما اعتبره من الصعوبات التي تقف في وجه عملها، “فالأهالي يعرفون الصيدليات غير المرخصة، ولكنهم يشترون منها الأدوية دون أي تقدير لخطورة الأمر”.
النتيجة “غير المرضية”، جاءت عقب اجتماعات بين الرابطة، وبعض المجالس المحلية في الغوطة، ومع مجلس أهالي دوما والقضاء والقيادة العسكرية، وخلص المجتمعون إلى إلزام من يريد فتح صيدلية، بالحصول على إذن أو تصريح من الرابطة.
وبدأت الرابطة دورة تأهيلية على مدار ثلاثة أشهر في مدينة دوما، تستهدف من يملك خبرة خمس سنوات في العمل ضمن الصيدليات، بغض النظر عن شهادته، على أن يستمر في العمل تحت إشرافها، لمنع افتتاح أي صيدلية جديدة.
صيدلياتٌ تديرها جمعياتٌ خيرية
تملك الجمعيات الخيرية بدورها صيدليات، ومنها صيدلية “عدالة”، التي تتبع لمؤسسة إغاثية، و”مجمع الحكمة”، ويضم إلى جانب الصيدلية عيادات مختصة في أكثر من مجال.
الدكتور باسل الترك، المدير العلمي لمجمع الحكمة الطبي، قال إن الصيدلية تؤمّن كافة أصناف الدواء، “فالصيدلاني لا يملك رأس مالٍ ليجلب كافة الأصناف الدوائية، وهذا ما نعمل عليه لطرحها بأسعار مقبولة نوعًا ما، ولوضع حدٍ للتجار الذين يبيعونها داخل دكاكين، ويتحكمون بأسعارها”.
وفق الترك، فإن التجار يرفعون سعر الدواء بنسبة 100%، موضحًا “يُباع دواء سيستون، وهو حبوب لعلاج الرمل، داخل صيدلية المجمع بمبلغ ألفي ليرة سورية، بينما يصل سعره خارجها إلى 4500 ليرة، كما يُباع شراب تيمبرا للأطفال بـ 325، ويصل سعره في بعض الصيدليات إلى 425 ليرة”.
وحول ترخيص صيدلية المجمع، أوضح المدير الطبي أن المنظمة استشارت صيادلة ومن أعضاء رابطة الصيادلة عند افتتاحها، مؤكدًا “هناك امتعاض كبير من بعض التجار لأننا وغيرنا نكسر بأسعار الدواء”.
من أين يدخل الدواء إلى الغوطة؟
تتنوع مصادر الدواء الداخل إلى المنطقة، إذ يشتري أصحاب المستودعات من خارج الغوطة وتصل عبر حواجز النظام، ويطلق لقب “شقّيع” على من يشتري الدواء من برزة، ويدخله عن طريق الأنفاق بعد دفع التكاليف، ويوزعه على الصيدليات.
ووفق المعطيات الحالية تبدو أمور تسيير الصيدليات غير منظمة وبعيدة عن الاستقرار، في ظل اختلاف الأسعار باختلاف البائع، إضافة إلى تباين هوامش الربح بين الصيدليات، وسط غياب آليات ناظمة.
يمان الآغا، يملك صيدلية في مدينة دوما، قال إنه يملك خبرة في الأدوية، ويعتبر أن عدد الصيادلة في الغوطة حاليًا، لا يكفي لتخديم المنطقة بكاملها، “والذي اقتبس المهنة ويملك خبرة جيدة فيها لا يمكن أن يغش الناس”.
صيدلية الآغا غير مرخصة لدى الرابطة، كعشرات الصيدليات الأخرى، ووفق رؤيته فإن ذلك يعود لأنه “ليس هناك دولة تعطي الصلاحيات ولا حتى نقابة صيادلة، مشيرًا إلى أن الرابطة لم تستطع إغلاق أي صيدلية، رغم صدور قرار من القضاء بهذا الخصوص.
لم يشارك الآغا في دورة الرابطة التأهيلية، “لأنها فرضت رسم 300 دولار للحضور”، وأبدى استعدادًا لإغلاق صيدليته “في حال ثبت أني غير مؤهل”. رغم أن الأغلبية ممن استطلعت عنب بلدي آراءهم من الأهالي، أكدوا أن “عشرات من أصحاب الصيدليات يخافون من أن تقيّمهم الرابطة ويخسروا باب رزقهم، ما منعهم من حضور الدورة”.
اعترف صاحب الصيدلية أن أسعار الأدوية المتوفرة في الصيدليات المرخصة من قبل الرابطة “أرخص من غيرها”، كما أنه لم ينكر “وجود عشرات الصيدليات التي يديرها تجار لا يملكون أدنى خبرة”.
لا يبدو أن حلًا قريبًا لواقع الصيدليات وبيع الأدوية يلوح في أفق الغوطة، ويُجمع الأهالي أن غياب السلطة التنفيذية، واتخاذ الأمر على أنه تجارة، يزيد من المعوقات أمام إيجاد حلٍ ناجع.