جودي سلام – عنب بلدي
شعر المرأة موطن جمالها وجاذبيتها، توليه اهتمامًا خاصًا لتتباهى به أمام الأخريات. وسعيدة الحظ هي من تملك شعرًا طويلًا وغزيرًا، هذا ما تعتقده السوريات اليوم، لا للتباهي والتفاخر ولا لكيد الغير، ولكن لتأمين لقمة العيش؛ إذ دفعت قساوة الظروف ببعضهن لبيع شعرهن، ليؤمنّ بثمنه قوتًا لأنفسهن ولأطفالهن.
أم سمير، أم لثلاثة أطفال أيتام، ليس لها من مورد يعينها على سد رمقهم، فتخلت عن شعرها الذي طالما تميزت بجماله وكثافته، وتوجهت إلى أحد صالونات الشعر، وباعته مقابل 50 ألف ليرة سورية. تقول أم سمير إن بإمكانها تدبر أمورها وأطفالها لثلاثة أشهر بهذا المبلغ، ولكنها لا تعرف ماذا تفعل بعد ذلك ريثما يعود شعرها طويلًا مرة أخرى لتبيعه.
انتاب أم سمير حزن شديد حين وقفت أمام المرآة بعد أن باعت شعرها الذي كانت تتباهى به، وآلمها أن امرأة أخرى ستضعه وتستمتع بجماله، ولكن لم يكن أمامها خيار آخر. كما تخشى أم سمير أن يكون هذا الأمر محرمًا شرعًا، لكن لشدة سوء وضعها المادي لم تبذل أي جهد لتسأل عن ذلك، وهي الآن تطلب المغفرة من الله، فما قامت به كان من أجل أطفالها.
أما راما فهي طالبة في التعليم المفتوح في جامعة دمشق، قررت الذهاب إلى صالون الشعر لا لتصفف شعرها كما هو المعتاد، بل لتبيعه وتكمل بثمنه دراستها الجامعية بعد أن عجز أهلها عن تأمين مال كاف لذلك. تقول راما إن الشعر الطويل والكثيف يباع اليوم بستين ألف ليرة سورية، وينخفض هذا السعر كلما قصر الشعر وخفت كثافته ليصل إلى 25 ألفًا.
وفي الوقت الذي تعاني فيه السوريات الأمرّين، تسعد لمصائبهن سيدات «راقيات» في دول أخرى، على رأسها دول الخليج؛ فإعلانات وصلات الشعر والباروكات من سوريا، الشعر المفضل لدى هؤلاء السيدات، تملأ صفحات الإنترنت: شعر طبيعي من سوريا بأسعار مغرية، يمكن صبغه باللون الذي يناسب ذوقك. تقول سيدة ثرية من الامارات بأنها تشتري اليوم وصلة الشعر من سوريا بسعر يتراوح بين 300 و 400 دولار، في حين كان يصل ثمنها إلى 1000 دولار من بيروت، وهي ممتنة لهذه الأزمة التي توفر عليها 600 دولار سنويًا.
أبدت سيدة أخرى أيضًا سعادتها بالأزمة التي وفرت لها منتجها المفضل، فالشعر السوري يمتاز بجماله عن غيره من الشعر الذي يأتي من مناطق أخرى، ولكنه لم يكن في السابق متوفرًا في الأسواق بشكل واسع كما هو الحال منذ سنة تقريبًا، ولم يكن بالإمكان الحصول عليه بسهولة إذ لم تُقبل السوريات على بيع شعورهن ونادرًا ما كان يعرف صالون يبيع الشعر في سوريا؛ أما الآن فقد تغيرت الأحوال واضطرت السوريات لبيع شعرهن الغالي في سبيل الأغلى، كرامتهن.