عنب بلدي – ر. ك.
يعتبر الحديث عن مسألة اللاجئين في ألمانيا من أبرز الموضوعات التي تداولها السوريون منذ أربعة أعوامٍ، وكلمة “كامب“، غير المعروفة سابقًا، أصبحت الآن ضمن قاموس اللجوء إلى بلاد “ماما ميركل”. إلا أن جانبًا مجتمعيًا واقتصاديًا خفيًا يتراجع طرحه وراء حجم مأساة اللجوء، إذ حاول السوريون نقل جزءٍ من تقاليدهم وثقافتهم إلى المجتمع الجديد رغم الاختلاف مع الغرب، ونشروا أفكارًا كانت سائدة فيما بينهم، بعضها إيجابية وأخرى سلبية.
ورغم محاولة المنظمات الألمانية والدولية ضبط مسألة الاندماج مع المجتمع وقوننته أمنيًا وماليًا، تجاوز سوريون القانون الألماني، مستغلين الثغرات الموجودة فيه.
وانتشرت خلال السنوات الماضية عروض لسماسرة تأمين بيوتٍ في ألمانيا، عبر المجموعات النشطة في مواقع التواصل الاجتماعي، والمعنية بشؤون اللاجئين، الأمر الذي لم يكن منتشرًا بهذه الصورة من قبل.
لا بديل عن السماسرة والعلاقات مع الألمان “رأس مال“
نظرًا للضغط السكني الذي تشهده المدن الرئيسية في ألمانيا، مثل برلين وميونخ، بسبب إقبال اللاجئين عليها بعد حصولهم على الإقامات، انتشرت ظاهرة “السمسرة” فيما بينهم، مستغلين قلة توفر البيوت، وحاجة اللاجئين لها.
عنب بلدي تحدثت إلى عمر شهاب، وهو طالبٌ سوري لجأ إلى ألمانيا، وأكد الصعوبة التي يواجهها السوريون في إيجاد بيوت للإيجار بالطرق النظامية، ما يدفعهم للجوء إلى “السماسرة”.
وخصصت الحكومة الألمانية شركات تابعة لها، يسجل اللاجئ من خلالها مجانًا على بيت في المقاطعة التي يرغب بالسكن فيها، ولكن قد تستغرق مدة إيجاده من شهرين إلى سنتين.
كما أوجدت الحكومة شركات خاصة، تأخذ مبلغًا “زهيدًا” أقصاه 25 يورو، لقاء إيجاد بيت بالمواصفات التي يطلبها اللاجئ، شرط مرور سنة على إقامته في المدينة.
بحسب شهاب، وجد بعض السوريين، من أصحاب الحاجة وغير الحاجة، فرصة لكسب المال، مستغلين إتقانهم للغة الألمانية وعلاقاتهم “القوية” مع المواطنين الألمان.
وذكر قصة سمسار سوري جنسيته ألمانية، يُدعى “أبو سليمان”، لديه صديق ألماني يملك 18 بناءً فيها 360 منزلًا، وعندما يفرغ منزل يسعى أبو سليمان إلى إيجاد عائلة سورية لتستأجر.
في البداية كان أبو سليمان يتقاضى 500 يورو عن كلّ منزل، ثم رفع العمولة إلى ألف، أما الآن ونتيجة الطلب على البيوت، أصبح يتقاضى 1500 يورو.
وتطرق عمر شهاب إلى وجود علاقات للسوريين مع موظفي شركات السكن، الذين يخبرونهم عند وجود بيت فارغ لتنفيعهم.
لكن اللاجئين، الذين تحدثت عنب بلدي إليهم، لا يخفون في المقابل محاولات عددٍ من السوريين المتقنين للغة الألمانية، لمساعدة القادمين الجدد، وتأمين بيوتٍ لهم، دون مقابل.
طرق ابتكرها “السماسرة” لمن لا يملك المال
عند سؤالنا عن السوريين الذين لا يملكون المال للدفع للسمسار، خاصةً في ظروف رحلة مكلفة إلى ألمانيا ألجأت بعضهم إلى الاستدانة، أجاب عمر أن السماسرة ابتكروا عدة طرق “للتسهيل” على المستأجر.
يعرض السمسار على المستأجر شراء هاتفين محمولين بالتقسيط من أي محل، ثم يبيعهم نقدًا بسعر أرخص ويدفع للسمسار.
وتابع عمر “هذه الطريقة أصبحت علنية، حتى إن بعض السماسرة نشرها كإعلان على موقع (فيس بوك)”.
وهناك أشخاص يلجأون إلى “ماستر كارد”، وهي بطاقة لاحقة الدفع، تمكّن صاحبها من شراء ما يحتاج، وهي مفتوحة حتى 20 ألف يورو بشرط أن يدفع مالكها عند استهلاكه لكل 300 يورو.
أما بعض اللاجئين، فقد يضطرون للجوء إلى السكن المشترك، وهو عبارة عن مجموعة غرف وحمام ومطبخ مشتركين، وفيه شباب من جميع الجنسيات.
لماذا يشترط صاحب المنزل وجود “عقد عمل“؟
حسن، لاجئ سوري يعيش في مقاطعة بايرن الألمانية، نفى لعنب بلدي ندرة البيوت في ألمانيا.
وقال “في الواقع يوجد الكثير من البيوت في ألمانيا، ولكن صاحب البيت غالبًا لا يرغب بتأجير الغريب، ويشترط وجود عقد عمل لديه”. وبهذه الحالة يضمن صاحب المنزل قدرة المستأجر على دفع الإيجار، ويضمن خروجه من المنزل طوال النهار ما يخفف من “إزعاجه” للجيران.
وتابع “إن الألمان ينفرون من اللاجئين الذين يعيشون على المساعدات، دون عمل”.
وأشار إلى أن هذه الشروط تجبر من لا يملكون عمل على اللجوء إلى السماسرة والتوسط عند صاحب المنزل، ويضطرون إلى دفع مبالغ تفوق ألف يورو.
أربعة سماسرة لبيت واحد
ذكر حسن قصة حدثت معه عندما كان يبحث عن بيت للإيجار، “أعجبني بيت وتواصلت مع شخص سوري من أجله، ولكن المفاجأة أن ثلاثة سوريين غيره اتصلوا بي من أجل البيت”.
وتابع “كل شخص طلب عمولة عن البيت، تراوحت بين 200 و500 يورو، لأجد نفسي مضطرًا لدفع 1200 يورو، لقاء حصولي على البيت”.
وأشار حسن إلى أن “قلة قليلة من السوريين، شوهت سمعة الكثيرين”، إذ لا يكترث بعضهم إلى تخريب البيوت المستأجرة، ما يدفع المواطنين الألمان إلى تجنب تأجيرهم.
حتى إن التأمين الذي يدفعه المستأجر، قد لا يغطي في بعض الأحيان التصليحات اللازمة للمنزل، بحسب حسن.
مستأجرون يطلبون “كمسيون” قبل مغادرتهم
باتجاه آخر لجأ بعض السوريين إلى طرق أخرى لكسب المال، وبعضهم لا يخرج من المنزل قبل أن يأخذ “الكمسيون” الذي دفعه للسمسار قبل أن يستأجر.
وبغض النظر عن تأييد بعض اللاجئين لهذه الفكرة، معتبرين أن من حق المستأجر استرداد ما دفعه، أخبرنا الطالب عمر شهاب أن بعض اللاجئين يأخذون أضعاف ما دفعوا.
ففي عام 2012 كان المستأجر يدفع 200 يورو “كمسيون”، وعندما يخرج من البيت في 2016، يطلب 1500 يورو، مستغلًا حاجة الناس للبيت، بحسب عمر، الذي أكد أن هذه الظاهرة موجودة فقط بين السوريين، ولا يتبعها المغتربون في ألمانيا كالأتراك والروس وغيرهم.
القانون الألماني.. تساهل أم تقصير؟
بالرغم من تساهل القانون الألماني مع اللاجئين، إلا أنه يمنع ما يُعرف بـ “الكمسيون”، ويعتبره “عملًا بالأسود”.
ولذا يضطر “السماسرة” دائمًا إلى تغيير أرقامهم وأسمائهم خوفًا من المساءلة القانونية.
وإذا أثبت المستأجر أن شخصًا يأخذ منه مبلغًا لقاء إيجاده لمنزل، فإن القانون يدينه بشدة، خصوصًا أن المبالغ تكون كبيرة جدًا، حتى على الألمان أنفسهم.
وبحسب عمر “السوريون لا يلجؤون إلى القانون في هذه الحالة، رغم معرفتهم بعدم شرعيتها”، مضيفًا أن هناك عائلات تجلس في الصالات الرياضية بانتظار منزل فارغ، ولا يمكنها انتظار الدولة حتى تؤمّن لها منزل.
وتتعالى الأصوات المطالبة بترحيل اللاجئين في ألمانيا، وسط انتقادات حادة لسياسة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، والتي أبدت تعاطفًا مع اللاجئين ومكّنت ما يقارب مليون لاجئ، معظمهم سوريون وأفغانيون وعراقيون، من دخول أراضيها منذ عام 2015.
إلا أنه وبعد الاتفاقية التي أبرمها الاتحاد الأوروبي مع تركيا، لضبط تدفق اللاجئين عبر بحرها، مطلع عام 2016، انخفض عدد طالبي اللجوء إلى الثلث مقارنةً بعام 2015.