اسطنبول – زكي الدروبي
ناقش ممثلو عدد من منظمات المجتمع المدني السورية، الخميس الماضي في اسطنبول، عدة ملفات، لتخفيض المعاناة الناجمة عن “الأزمة السورية”، وكيفية التعامل مع التحديات المستقبلية التي تواجه العمل المدني في سوريا، ومع السوريين في المهجر، خلال مجموعة ورشات عمل، عقدت ضمن فعاليات مؤتمر “منظومة وطن” الخامس، برعاية الهلال الأحمر التركي، ووزارة الخارجية الهولندية، ووزارة الخارجية النيروجية عبر النوروك.
وقد حاز موضوع دمج اللاجئين السوريين في سوق العمل التركية حيزًا من النقاش، بهدف الوصول إلى توصيات ورؤى حول هذا الموضوع.
تشير الأرقام التي عرضها مدير برنامج التمكين الاقتصادي في منظومة وطن، والمستقاة من أرقام منظمة الصحة العالمية، إلى وجود 416 ألف سوري في مدينة اسطنبول من أصل 20 مليون شخص موجود فيها، و 400 ألف سوري في ولاية أورفا، و 377 ألف سوري في ولاية هاتاي، ونسبة 46.8% من المجموع الكلي لعدد السوريين من الإناث، و 43% أطفال دون 15 سنة، “أي أن هناك حوالي 750 ألف شخص جاهزون للمشاركة في سوق العمل والإنتاج“. مؤكدًا أن السوريين حصلوا على 13200 تصريح عمل، حسب المتحدث باسم الحكومة التركية نعمان كوتولموش، لغاية النصف الأول من 2016، وهذا يعني أن الكثير من السوريين لا يعملون، أو أنهم يعملون بشكل بدون رخص عمل، ورغم وجود حوالي 4000 شركة سورية تعمل في تركيا، يبلغ رأسمالها حوالي 600 مليون دولار، إلا أنه لا زالت هناك بطالة بين السوريين، وما زال معظم إنتاجها “موجه للزبائن السوريين في السوق التركي أو للتصدير“.
وأوضح تمام البارودي، من المنتدى الاقتصادي السوري، أن أصحاب الشركات الذين انتقلوا من سوريا إلى تركيا، “نقلوا معهم كوادرهم وعمالهم“، كما “نقلوا زبائنهم“، ولم يستطيعوا اختراق السوق التركية، وتأمين زبائن لمنتجاتهم، فمثلًا تضاعفت قيمة صادرات غازي عينتاب لأربعة أضعاف، مرتفعة من 96 مليون دولار 2011 إلى 405 مليون دولار عام 2015، حيث تعتبر المدينة مركز تصدير باتجاه سوريا، مؤكدًا أن ما يشاع من تأثر السوق التركي، أو الاقتصاد التركي، سلبًا بزيادة عدد اللاجئين السوريين غير صحيح، “زيادة عدد السوريين يعني زيادة في الاستهلاك تنعكس بزيادة في فرص العمل“، وأرقام وزارة العمل التركية، وفق البارودي، توضح أن البطالة انخفضت العام الماضي بنسبة 1%، فمثلًا توجد 1642 شركة سورية مسجلة في اسطنبول حتى تاريخ 1 تشرين الثاني 2016، وهي توظف بالحد الأدنى موظفًا تركيًا واحدًا (المحاسب القانوني)، أي أن الشركات السورية أمنت فرص عمل لأتراك، بالإضافة إلى المدفوعات الأخرى، من إيجار مكان الشركة، وغيرها من المصروفات.
محمد معتز، وهو طالب دكتوراه تركي، شرح من خلال بحث اقتصادي أجراه على عينة من الشركات السورية في اسطنبول، أن عدد الشركات الكبير، والرأسمال الضخم الموظف، لا يعني أنها ستوظف أعدادًا كبيرة من العاملين السوريين، بل إن كمية فرص العمل ترتبط بنوع العمل الممارس، فبعض المهن كالمطاعم، تستوعب عمالة كبيرة، تصل لأكثر من عشرة عمال في المطعم الواحد، ورأسمالها لا يتعدى عشرات الآلاف من الدولارات، بينما تجد مكتبًا تجاريًا يعمل في الاستيراد والتصدير، ورأسماله يتعدى مئات الآلاف من الدولارات، ولا يتيح أكثر من فرصة عمل واحدة (المستخدم)، كما يوضح أن العمالة السورية تعاني في دخولها للسوق التركي من مشكلة اللغة، فنسبة كبيرة جدًا من السوريين لا تجيد التكلم باللغة التركية، وهي تشكل عائقًا أساسيًا أمام دخول العمالة السورية للسوق التركي.
وأوضح البارودي أن العمالة السورية، إما فنية مدربة وماهرة، وهذه تجد عملًا وبسرعة وبراتب وظروف عمل جيدة، أو أنها عمالة غير مدربة، وهذه هي الشريحة الكبرى، وهي تعاني من عدم وجود فرص عمل، وإن وجدت فبرواتب قليلة، وظروف عمل سيئة.
أشار الحاضرون إلى أن هناك قصورًا بالتشريعات، وعدم وضوح فيها، بسبب التهرب من تسمية السوريين كلاجئين، فتارة هم مهاجرين والأتراك أنصار، وتارة أخرى هم ضيوف، كي لا تقع تركيا تحت التزامات قانونية تفرض عليها بموجب الاتفاقيات الدولية، فلا أحد يعرف كيف يحصل على بطاقة التعريف “الكيملك” أو شروطها. وفي هذا الصدد أشار البارودي إلى أن معرفة كيفية تعبئة استمارة تقديم طلب إذن عمل، احتاج سؤال 12 محاسب قانوني وعجزوا عن الإجابة، حتى الموظف في غازي عنتاب عجز أيضًا، مما اضطرهم للاستعانة بالعاصمة أنقرة.
وأكد المشاركون في ورشة العمل أن البيروقراطية، وتعقد الإجراءات، وعدم وضوح المرجعية الإدارية، أسهم في الشعور بعدم الاستقرار، وهذا يفسر موجة الهجرة الكبرى التي شهدتها تركيا باتجاه أوروبا، فمن هاجر لأوروبا ودفع آلاف الدولارات لمافيا التهريب لا ينقصه مال، إنما يبحث عن استقرار لم يجده في تركيا، فلا أوراق لديه ولا جواز سفر، ولا يستطيع تثبيت زواجه أو تسجيل أطفاله.. الخ، وهذا من أهم ما يعيق استثمار الاموال السورية في السوق التركية. وأشار البارودي إلى وجود 500 مليون دولار كوديعة، في فرع واحد فقط من فروع البنك التركي الكويتي المنتشرة في عنتاب.
الحاضرون في ورشة عمل أشاروا إلى وجود بوادر حلحلة في موضوع صعوبة دخول المنتجات السورية إلى لسوق التركي، فقد افتتحت سلسلة “بيم ماركت” خطًا لإنتاج الخبز السوري، مما يعني أن المنتج بدأ يلقى القبول لدى الأتراك، وكذلك ملاحظة تردد الأتراك على محلات البقالة والمطاعم السورية، والمحلات التي تقدم الخدمات، وهذا يتطلب إجراء دراسات مستفيضة حول السوق التركي وشكل التعامل معه، فمثلًا يبيع المنتج التركي بالآجل لمدة طويلة، بينما لا يتحمل المنتج السوري هذا الشكل من التعامل، كما أن تميز المنتج وسعره المنخفض، يشجع الزبون التركي على شراء وتجريب المنتج السوري.
وأوضح البارودي أن تكاملية العمل ضمن شبكة منظومة (تعاون عدة منظمات في مشروع واحد) يمكن أن يؤتي نتيجة، فمنظمة تدرب مهنيًا حسب حاجة السوق من المهن المختلفة، والمعتمدة على أرقام مكتب العمل التركي، ومنظمة تقوم بتأمين فرص التوظيف لدى الشركات المختلفة، مع تأمين مبلغ مالي يدفع للشركة كرواتب للعمال لمدة ثلاثة أشهر، وهذا يشجع الشركات على توظيفهم ويعطيهم فرصة للاستمرار فيما بعد في نفس الشركة، أو يمكنهم على الأقل كسب خبرة تسمح لهم بالعمل لدى شركات أخرى. كما يمكن أن تقوم منظمات أخرى بمساعدة المتدرب على بدء مشروعه الصغير، عبر دعم مصروفات الترخيص، وتأمين جهات مانحة تساعده برأسمال مشروعه الصغير.
في نهاية يوم طويل من ورشة العمل أكد أ. عصام دلي، مدير برنامج التمكين الاقتصادي في منظومة وطن، على ضرورة تعاون جميع المنظمات، لإنجاح العمل المدني الإنساني، “أصبح هناك ضرورة أن نترك لعبة كرة الطاولة، ومحاولة كلا منا تسجيل أهداف على الآخر، لنلعب كرة القدم كفريق واحد، نسعى لتسجيل أهداف على فريق الخصم”.