أزمة الخبز في دمشق وريفها معاناة حقيقية، وإنكار حكومي

  • 2013/09/26
  • 2:05 م

عنب بلدي – العدد 83 – الأحد 22-9-2013

تشهد العاصمة وريفها تهافتًا كبيرًا على الخبز منذ إعلان الضربة الأمريكية المحتملة على مواقع النظام في سوريا، إذ ينطلق المواطن مع بزوغ الفجر متنقلًا من فرن إلى آخر ليشتري ما تسمح به إدارة الفرن، بعد انتظار يطول ساعات في طوابير تمتد أمتارًا حول الفرن.
وبذلك تحول الحصول على ربطة الخبز بالنسبة للمواطن إلى معاناة يومية أقلها ساعة انتظار، وقد تنتهي بلا جدوى إن نفذت مخصصات الفرن قبل أن يصل دوره، فينتقل إلى فرن آخر بحثًا عن بضعة أرغفة يعود بها إلى عائلته.
وللوقوف على أسباب أزمة الخبز، ولتسليط الضوء على معاناة المواطنين قام مراسل «عنب بلدي» بجولة على بعض الأفران في العاصمة وريفها.
طوابير الانتظار
أبو محمد رجل في الستينيات، ينتظر دوره في الطابور على فرن المزة الآلي، يحدثنا عن معاناته: «لم يكن يومًا تأمين الخبز همًا، اليوم أحلم كيف أؤمن ربطة الخبز لأولادي»، فهو يقف قرابة الساعتين ليصل إلى الكوة ويشتري ثلاث ربطات، الحد الأقصى الذي حددته إدارة الفرن.
أما أم حسن فهي أم لأربعة أطفال استشهد زوجها منذ بداية الأحداث، تقول: «مع الإشاعات باقتراب الضربة، بدأ المواطنون بالتهافت على الأفران لتخزين الخبز خوفًا من انقطاعه»، وتضيف متحدثة عن الازدحام «أحيانًا أنتظر دوري أربع ساعات لأشتري ربطة خبز لأولادي بسعر 15 ليرة، لأنني لا أستطيع دفع أكثر من ذلك … أولادي بحاجة لكل قرش».
ويتحدث مجد بحرقة ويعزو السبب للأمن والشبيحة الذين «لا يلتزمون بالطابور، كما أنهم يشترون بـ500، والناس تتفرج، بينما النساء والأطفال يقفون ساعات ليشتروا ربطة واحدة فقط». ويضيف أن هذه الدوريات تأتي حوالي 5 مرات يوميًا، ناهيك عن العساكر الذين يحق لهم أن يشتروا بـ100 ليرة وبزمن انتظار أقل عبر طابور مخصص للعسكرين.
التجمعات ومخاوف من القصف
إثر الاستهداف المتكرر للأفران في الريف الدمشقي، قامت بعض التنظيمات، التي يتبع معظمها للبلديات، في بعض المناطق بإنشاء مراكز توزيع بعيدة عن الأفران، تسلم المواطن ربطة الخبز اليومية المخصصة له وبسعر15 ليرة، وذلك بعد أن يكون قد قام مسبقًا بتسجيل اسمه لديها.
ويقول مصعب، وهو أحد المسؤولين عن توزيع الخبز في منطقة الكسوة، أنه بسبب الضغط الشديد على الأفران وخوفًا من قيام النظام باستهدافها، «استحدثنا نظامًا يوزع المواطنين على مراكز، بحيث يرسل الفرن إنتاجه لتلك المراكز، ويسلم المركز بدوره الخبز إلى المسجلين لديه مباشرة»، دون التسبب بطوابير وتجمعات. ويضيف: «قبل الإعلان عن الضربة كان باستطاعة الشخص أن يأخذ ربطتين أو ثلاثة، ولكن مع احتمال اقتراب الضربة تقلص العدد لربطة واحدة لكل دفتر عائلي مسجل لدينا»، ويوضح سبب تقليل الكمية بـ «قيام الحكومة بتقليص مخصصات الأفران من الطحين، ما دفعنا لتقليل الكمية لنغطي جميع العائلات المسجلة لدينا». ويختتم كلامه «معظم العائلات لا تكفيها ربطة واحدة باليوم لذلك يشترون من العاصمة ربطة أو ربطتين فقط ويحاولون تهريبهم من أعين رجال الأمن، فحواجز النظام لا تسمح بتمرير الخبز من العاصمة للريف».
مصادرة الخبز على الحواجز
يعد الخبز مكونًا أساسيًا على المائدة السورية، بل والمادة الأساسية للعائلات التي تقع تحت وطأة العوز المادي مع القليل من مادة غذائية أخرى. ولإدراك النظام أهمية الخبز هذه، بات يستخدمه وسيلة عقاب جماعي، فبدأ بافتعال الأزمة عليه، واستهداف مخازن الطحين، وقصف التجمعات على الأفران، وأخيرًا منعه عنهم عن طريق مصادرته على الحواجز، وليغدو إدخاله جريمة توازي إدخال الدواء والسلاح. وهو ما قاله عدد من النشطاء والمعارضين.
إذ انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة مصادرة ربطات الخبز من ركاب الحافلات والسيارات على الحواجز الأمنية عند مداخل العاصمة، بذريعة أن أفران العاصمة بالكاد تكفي سكانها وحدهم.
ويحدثنا أبو عمر، شاب في الأربعين من عمره، عما شاهده خلال احتجازه على أحد تلك الحواجز لمدة يومين قائلًا «كان رجال الأمن يقومون بتفتيش السيارات وأخذ كل شيء يجدونه من مواد غذائية وخبز، وكانوا يصرون على مصادرة الخبز، فكانوا يصادرون في اليوم الواحد ما يقارب 200 ربطة ثم يلقونها على قارعة الطريق دون أن يستهلكها أحد». ويروي أبو عمر قصة شهدها وأثرت فيه جدًا، عن «عجوز حاولت أن تخفي ربطتين من الخبز في ثيابها، وعندما لاحظ أحد العناصر ما تخبئه قام بشتمها ومصادرتهم منها، ولم تنفع توسلاتها له باستعادتهم».
مهنة جديدة من وحي الأزمة
مع تفاقم أزمة الخبز، أنشأ العاطلون عن العمل في ظل الأزمة الأكبر مهنة تعتاش على بيع الخبز، وصار يطلق عليهم «الشئيعة» أي باعة الخبز، وهم أطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و17 سنة، ينتظرون ساعات في طوابير الخبز ليشتروه بـ15 ليرة، فيبيعوه على بعد أمتار بأسعار تتراوح بين 75 و150 ليرة، حسب حاجة المشتري واستعجاله.
عامر شاب في الخامسة عشر من العمر، يبيع الخبز بالقرب من مخبز المزة الاحتياطي بسعر 100 ليرة للربطة الواحدة. ويبرر عامر هذا السعر المرتفع بأنه ينتظر قرابة 4 ساعات للحصول على 3 ربطات، «هذه أصبحت مهنتي وعلي أن أربح لأساعد أهلي في المصروف، ومن لا يريد الشراء بهذا الثمن فليقف 4 ساعات ويشتريها بـ 15 ليرة».
تصريحات المسؤولين
من جانبه قال المهندس عثمان حامد المدير العام للشركة العامة للمخابز في وقت سابق لموقع الاقتصادي الموالي للنظام: «إنَّ ما أثير حول نقص مادة الخبز غير مبرر وسببه الشائعات وخلق المخاوف لدى المواطن من فقدان رغيف الخبز»، مؤكدًا أنَّ جميع المخابز على جاهزية تامة وتعمل بكامل طاقتها، وتمت زيادة عدد خطوط الإنتاج لاحتواء الطلب الزائد على الخبز.
وأضاف حامد أنه تمَّ إلغاء العطلة الأسبوعية لكلِّ المخابز وفتحت منافذ للبيع بالمخابز الآلية على مدار الساعة، وبيع ثلاث ربطات لكل مواطن، مشيرًا إلى أن البعض لجأ إلى تخزين المادة نتيجة الشائعات، فأدى لزيادة الطلب بحوالي 10%، بينما استغل بعض ضعاف النفوس ذلك بالمتاجرة بالخبز.

ولا تزال رائحة الخبز الساخن إلى اليوم، رغم المعاناة التي يتكبدها المواطن لتأمينه، باعثًا على الابتسام والرضا في نفسه؛ ولم تزد معاناة توفير الرغيف ربَّ الأسرة إلا فخرًا بتأمين الطعام لأطفاله وإدخال السرور على قلوبهم.

مقالات متعلقة

اقتصاد

المزيد من اقتصاد