عنب بلدي – خلود حلمي
«تم اليوم الإفراج عن «فلان الفلاني» معتقل منذ «الله أعلم»، أسرعت إيمان (29 ربيعًا) للاستفسار تحت المنشور عن اسم زوجها المعتقل منذ عام ونصف. وبانتظار رد كاتب المنشور على صفحة المعتقلين، تعد إيمان الدقائق والثواني، تحاول أن تسأل وتستفسر أكثر، فتحصل على رقم هاتف وتتصل به، ويعود الحزن يخيم على قلبها بعد سماع الرد «والله يا أختي أنا ما شفتو بس سمعت باسمو وكان فلان معي وقال انو شافو» لتبدأ رحلة البحث عن فلان وعن أي رابط يصلها به.
إيمان واحدة من مئات آلاف السوريين الذين ينتظرون عودة أحبابهم من سجون النظام، فالسيدة التي أنهى زوجها عامًا ونصف العام خلف القضبان، لا تعلم عنه أي خبر منذ مدة طويلة، وبناتها الثلاثة كبرن بعيدًا عن حضن والدهن، وفرح الصغيرة تسأل كل يوم «ماما بابا يعني ما بيحبنا؟ ما بدو يرجع لعنا؟» وتضيع الأم في متاهات من الشوق والألم والدموع فكيف لها بجواب يقنع طفلتها ذات الأربعة أعوام، وهي لم تجد خلال عام ونصف أي جواب يبرد النار في قلبها.
هيام (26 عامًا) اعتقل زوجها منذ أسبوعين من أحد الحواجز دون أية تهمة تذكر، وهي أم لطفل في عامه الثاني وحامل في شهرها السادس، وتنتظر منذ أسبوعين عودة زوجها لأن الحاجز أبلغها أن القصة بسيطة «كم يوم وبيرجع» وها هي قد بدأت تعد الأيام وطفلها ذو العامين لم يدرك سبب غياب والده المفاجئ، وهو الذي لم يغب عن ناظره منذ أبصر النور، وسؤاله الدائم: «وينو بابا؟»
أم هشام (53 عامًا) تنتظر عودة ابنها هي الأخرى منذ عام وأربعة أشهر، لم تفقد الأمل، لكنها وعندما سمعت أن فلانًا قد خرج من السجن بعد عامين انهارت بالبكاء وهي تهمهم «معقول يطلع ابني بعد كل هالمدة؟» وهي التي تنتظر عودته مع كل إشراقة شمس وغيابها، واستحال انتظار خبر عن معتقلها أمرًا مستحيلًا بسبب النزوح وتشرد الأهالي وصعوبة الوصول إلى المفرج عنهم وانقطاع سبل الاتصال.
وداخل السجون، أكوام من المعتقلين مكدسة فوق بعضها البعض، وصنوف من العذاب يذوقونها صباح مساء، وكل يوم، شهيد تحت التعذيب، ما يجعل حياة أهالي المعتقلين جحيمًا داخل جحيم النزوح والفقد والتشرد، وعلى أمل خروج معتقل من خلف القضبان يبوح بسر من كانوا معه ويطمئن أهلهم أنهم بخير، يعيش أهالي المعتقلين نارًا وقودها شوق إلى من غيبوا خلف القضبان وخوف من مجهول قادم وأمل بأن الله كريم وبأنه «لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا»