عنب بلدي – العدد 83 – الأحد 22-9-2013
بيلسان عمر
كثيرًا ما اختلف الباحثون حول شكل البطاقة الشخصية للأفراد، وحجمها، وماهي المعلومات التي ستدوّن فيها، وقد استغرق ذلك وقتًا وجهدًا كبيرين، حتى تم الاتفاق الموحد على الشكل الذي نعهده الآن، والذي يخدم أهدافًا سياسية محددة، ولجهات معينة، فكانت بطاقة التعريف بك عبارة عن كونك أبيض البشرة أم حنطيًا، ولون عينيك بنيًا أم أزرقًا، والأجرأ من ذلك كونك تام المميزات أم أصم أو كفيفًا، نعم لقد خلقنا الله شعوبًا وقبائل، لنتعارف، لا لنستخدم هذا الاختلاف والتنوع في تحقيق رغبات ونزعات رجال السياسة والاقتصاد هنا وهناك.
وعلى الوجه الآخر مما ذكر، هل فكرنا في هويتنا الذاتية؟ وكيف يا ترى شكلها؟ وما هو حجمها؟ وإلى أين امتدادها؟ وماذا ستدون الملائكة الحفظة الكرام الكتبة فيها؟ هذه الهوية التي ولدت فينا منذ الصرخة الأولى لنا، والإطلالة الأولى على الدنيا القاصرة الراحلة، وحين سمعنا أول صوت تردد على مسامعنا يجلله التكبير والتهليل، إنه الإعلان الأول لحياة ينبغي أن يتوجها الإيمان والمعتقد الصادق، هذه الهوية التي تكتسب معالمها وسماتها من الخبرات التي نمر بها يومًا بعد يوم، انطلاقًا من البيت الذي ترعرعنا فيه، والجامع والمدرسة والحي ورفاق الدرب، كلها تساهم بكل ما فيها من حسنات وسيئات، في تكوين هويتنا الذاتية، ولاسيما عاداتنا التي تربينا عليها، ولن ننسى الفضائيات التي أصبحت البديل الأكثر إثارة وإغراءً، وبالتالي الأكثر تأثيرًا في نفوسنا، والأخطر في تشكيل ذواتنا وواقعنا.
أتذكر يوم أخبرني والدي أنه يتوجّب عليّ أن أأخذ الصور من أجل الحصول على البطاقة الشخصية، وبحجاب أسود، ليراودني شعور بالغضب والتردد والرفض، لأن الحجاب لا يليق بي كما أظهرت المرآة، هذا الموقف بسيط، وليس بذي قيمة، لم أدرك ذلك وقتها، كل ما كنت أفكر فيه أن أبدو في الصورة جميلة، والآن بعد أربعة عشر عامًا أتساءل في نفسي كيف يا ترى هي الحال في صورتي بالهوية الذاتية عند الله؟ أهي على قدر من الجمال الروحي القائم على الصدق والأمانة، وحفظ حدود الله عز جل، وهل سيكون وجهي من الوجوه التي ذكرها عز وجل، وحدّث عن نعيمها أم عن عقابها.
وإذا بصورتنا لذواتنا كما رسمها العالم بتطوره المتسارع ماديًا على نحو أن العربي رجل متخلف، مستهلك لما ينتجه الغرب، يقرأ ولا يعي ما قرأ، يمارس شعائر الدين، ويجهل حقيقة الإيمان، يائس من الدنيا، لا يجيد التوفيق بين ما يطلبه منه المعتقد الديني، وما تطلبه دنياه، متردد، عزيمة ضعيفة، وإرادة لا تكاد تظهر، شديد التقليد للآخرين والانغماس بمظاهر الدنيا، جلّ ما يلجأ إليه الهروب حين يتطلب الأمر المواجهة، والتعصب حين ينبغي أن تسيطر عليه لغة الحوار وتقبل الأمر المختلف، لا يتبصر الخطأ ولا يحاسب نفسه.
ليلحّ علينا سؤال.. تُرانا هل يكفينا أن نثور لتغيير نظام الحكم، في ظل الحاجة الماسّة لثورة على التخلف الذي نعيشه كل يوم، ثورة سلاحها التوعية والتثقيف، فكم وددنا أن نزين شوارعنا ومدينتنا بشعارات تكافلية، توجيهية تعزز ثقتنا بوجودنا، وترفع من همتنا بالتغيير على المستوى الاجتماعي، الذي لا يمكن أن يتحقق دون العودة إلى النفس والذات، فالإصلاح فردي لكن بتوجيه جمعي، وجل ما نتمناه أن نتساعد لإيجاد الطريقة وتحديد الوسائل اللازمة الفعالة لتحقيق المنشود في تغيير ذواتنا نحو الأفضل، وتشكيل نموذج لهوية حقيقة، هي الدافع للتطوير والتحديث الممنهج على أرض الواقع.