عنب بلدي – العدد 83 – الأحد 22-9-2013
ردينة – مشاركة
نسمع في المؤتمرات وعبر القنوات التلفزيونية كلمات وألقاب -ابتدعها المثقفون- من قَبيل زعيم العرب، وسمو الأمير، وصاحب الجلالة والفخامة، وقائد الأمة، ومعقل آمالها، موجهة لولي أمر البلاد، لنصنع بذلك طواغيتنا، ولنقدّسهم ونمجّدهم بزخرف الكلمات أولًا، ثم رويدًا رويدًا لينتقل التقديس إلى حد العبادة، فلسانه لا ينطق عن الهوى، وإن لم يكن هو الإله، فإن الله ابتعثه ليكون صاحب القول الفصل بشؤون البلاد والعباد، وله وحده تُقدّم القرابين، لحد أن تُسفك دماء شعبه تحت قدميه، مبتسمًا قليلًا في رغبة جامحة منه لمزيد من الرضا من أولئك العبدة، فهو الذي يحييهم ويميتهم، وبيده فلاحهم وحياتهم، بل حتى يخيّل لهم أن بيده نشورهم وبعثهم.
وننسى أن الإنسان يطغى، بمجرّد أن يظنّ نفسه قادرًا مستغنيًا، ينفّذ الناس أمره دون شرط أو قيد، يقفون طوابير ينتظرون دورهم في تلقي العصي والهراوات دون أن ينبسوا ببنت شفة، ويهمسون بصمت بينهم، بل ويتحاورون بلغة العيون التي أسدلوا أجفانها قبل حوارهم، وينصتون لبعضهم بعد أن يصبّوا الخردل في آذانهم، ليقوى مفعول المخدّر الذي جرعهم إياه الطاغية، وليستمر هو في غيّه.
وإذا رفضنا أن نكون دمى بيده يحرّكها كيفما شاء، فهذا كفيل بأن نخطو أولى خطواتنا للتحرر من جوره، ومن يجتمع منا على البر والتقوى لا يمكن له أن يجتمع مع الطاغية على الظلم والعدوان.
وكلما سمع هذا الشعب عبارة –رنانة- تطرب أذنه ويقول «قرّبت تخلص» فكم فرح بالنداءات الموجّهة لينضم الجيش إلى صف الشعب، وبدعوات الإضراب، وبتشكيل هيئات ولجان التنسيق المحلية، ووو.. وصولًا إلى الحكومة المؤقتة، فهل كلها وجوه لعملة واحدة، بات الشعب قلقًا أن يمحّص بها قليلًا كي لا يكتشف زيفها، ومع كل جديد يخرج الشعب مسرعًا ليقول أن كل هيئة تطالب بحقوقه تمثّله، وبعدها يستدرك أبناء الشعب المقهور القول المأثور (متى يستقيم الظل والعود أعوج)، فلم يعد ينقصنا إلا وطن يضم الحكومات والهيئات التي تشكلت بالآونة الأخيرة!..
وها نحن الآن نتقلب بين أيادي الطغاة… من صنم لآخر، فمرة باسم المجلس الوطني، ومرة الجيش الحر، وأخرى الائتلاف الوطني، وهيئات ومجالس ولجان وأسماء كثيرة ربما ستعجز اللغة العربية عن ابتكار وصف لها، والكل يعانق السماء في شعاراته، (ورح يبلطوا البحر كرمال عيون الشعب)، والشعب المسكين يكاد يتمسك بقاتل أبيه، ويقبّل كفيه وقدميه راجيًا إياه أن يوقف نزيف الدماء في سوريا، ليظهر –مع الأسف- ضمن صفوف المعارضة أشخاص ذوي نفوس مريضة وأفكار استبدادية، انضموا إلى تلك الصفوف، وقد وضعوا خارطة في أذهانهم يرسمونها على جثث أبناء الشعب، وكل يسعى لتحقيق منصب، أو كسب امتياز، أو ربح صفقة سياسية، ولا يخفى على أحد أن وجود مثل هذه الفئات سواء في صفوف النظام أو المعارضة، تستنزف جهود أفراد الشعب، وتفقدهم الثقة بكلا الطرفين، وتزيد من مخاوف خروجهم من تحت دلف المستبد الأول إلى مزراب مستبد آخر، بوجه مختلف، واسم جديد، محرضة تلك الأفراد للدعوة إلى التدخل الخارجي بكل تبعياته وسلبياته، بغية إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرواح والممتلكات التي بقيت.
وهنا التعويل كبير على دور الشعب أن يكونوا حذرين، وألا تأخذهم في كلمة الحق لومة لائم، فربما كان هذا اللائم هو الآخر مستبد جديد بقناع مختلف، وأن يتنبهوا فلا يكونوا ذاك الطُّعم الذي يُغرس في السنارة لتصطاد كل فئة به مصالحها، وأن يبقى هدفهم دائمًا (يسقط الاستبداد والنظام الدكتاتوري، وتحيا دولة القانون).
فالتحرّر من الطغاة شمس يجب أن تشرق في كل نفس، فمن عاش محرومًا منها عاش في ظلمة حالكة يتصّل أولها بظلمة الرحم وآخرها بظلمة القبر، وهذه المرة سيقرّر الشعب مصيره ولوحده، وربما بدمه، بعيدًا عن الطواغيت التي باتت -موضة- عصرنا الحالي.