محجة في أيام الانتظار

معركة اللجاة تراوح مكانها.. والأسد يلوّح بورقة الحصار

أرشيفية- ساحة بلدة محجة (فيس بوك)

camera iconأرشيفية- ساحة بلدة محجة (فيس بوك)

tag icon ع ع ع

درعا – عنب بلدي

ثلاثة أسابيع من الحصار على بلدة محجة في ريف درعا الشمالي، على خلفية رفض فصائل البلدة شروط المصالحة وتسليم البلدة وسلاحها للنظام السوري، دفعت قوات الأسد لضم البلدة إلى قائمتها السوداء، للمدن والبلدات المحاصرة في سوريا، لتبدأ فيها معركةالجوع أو الخضوع، في محاولة لإخضاع البلدة، المطلة على الأوتوستراد الدولي أهم طرق إمداد النظام إلى الجنوب السوري، لسيطرتها.

 تقع اللجاة عند الخاصرة الشمالية الشرقية لمحافظة درعا، وهي عبارة عن هضبة بركانية تغلب عليها الطبيعة الصخرية.توصف المنطقة بـ “حصن درعا” وحافظت قوات المعارضة على سيطرتها عليها منذ عام 2011.

تقدر مساحتها بأكثر من ألف كيلومتر مربع، وتضم حوالي 55 قرية ومزرعة.

يقدر عدد سكانها بحوالي 60 ألف نسمة، وفقًا لإحصاءات محلية، يتوزع 50 ألفًا منهم داخل قرى المنطقة، في حين يوجد عشرة آلاف آخرون في مخيمات اللجوء والدول المجاورة.

يمتهن أهل المنطقة الزراعة وتربية المواشي والتجارة، إضافة إلى بعض صناعات كالحدادة.

ثبتت قوات الأسد نقاطها قرب اللجاة خلال الأشهر الماضية، وسيطرت على بعض المناطق شمال درعا، كما سيطرت على بلدة الفقيع، وتل العيون، الواقعة بين مجّة ومنطقة الدلي، نهاية تشرين الثاني 2016.

وتقع بلدة محجة شرق بلدة الفقيع، وهي صغيرة لا تملك حاليًا طرق إمدادٍ إلى مناطق المعارضة.

أيام عصيبة عاشتها محجة في اختبار حرب الجوع، قبل أن تشهد خلال الأيام القليلة الماضية يسرًا، وتفك قوات الأسد حصارها، الخميس 12 كانون الثاني، ممهلةً لجنة المفاوضات التي تمثل فعاليات البلدة خمسة أيام للعودة للمفاوضات من جديد.

محجة تجرّب حرب الحصار

حرمت الحواجز العسكرية لقوات الأسد البلدة من المواد الغذائية والدوائية، وأغلقت الحواجز المحيطة بها ومنعت المدنيين من دخولها أو مغادرتها، ضمن خطوات سعت من خلالها لإخضاع البلدة، والتي ظهرت نتائجها على الأسواق، ففقدت البلدة معظم موادها الأساسية، وعجزت النقطة الطبية الوحيدة فيها عن تقديم الكثير من الخدمات للمرضى.

عنب بلدي تواصلت خلال الحصار مع “أبو محمد سمارة”، وهو أحد مواطني البلدة، وقد أبدى الكثير من الخوف على مستقبل الأهالي، “ملامح الحصار بدأت بالظهور، لا طحين ولا سكر ولا رز في الأسواق، ومختلف المواد انتهت بالكامل، ونتخوف مما هو قادم”.

البلدة يقطنها أكثر من 25 ألف نسمة، بينهم آلاف الأطفال والنساء، عاشوا فترة الحصار الذي امتد لثلاثة أسابيع تقريبًا، سمحت خلالها قوات الأسد لمرة واحدة فقط لعدد من المرضى مغادرتها مع الأسبوع الأول للحصار، دون السماح بعودتهم.

وعايش أهالي محجة تجربة “مريرة”، بحسب سمارة، الذي أضاف “واجه الأهالي شبح الجوع حقيقة، فغالبيتهم من الفقراء، بطبيعة الحال، وكادت حرب الجوع تهدد الجميع”.

يترقب سمارة، كما هي حال أهالي البلدة، المفاوضات الجارية الآن وسط مشاعر الخوف من أن يعود الحصار مجددًا، “هنالك إصرار من النظام على إخلاء ثوّار البلدة، وفي المقابل هناك بيانات من الفصائل تهدد النظام لمنعه من التصعيد”.

النظام يستبق تحركًا لمقاتلي اللجاة

على بعد أمتار قليلة إلى الشرق من بلدة محجة، تقع منطقة اللجاة، والتي تعتبر أهم مناطق نفوذ فصائل المعارضة في درعا، حيث منحت جغرافية المنطقة الوعرة الفصائل القدرة على تحصين المنطقة وتحويلها إلى واحدة من أهم مواقعها في الجنوب، وهو ما لم يغب عن قوات الأسد عندما قررت رسم خططها لفرض الحصار على بلدة محجة، لتعمد إلى التقدم والسيطرة على قرية “الوردات” التي تبعد مئة متر عن الأوتوستراد الدولي، لتتمركز فيها لمنع أي محاولة من فصائل المعارضة التقدم انطلاقًا من منطقة اللجاة وفك الحصار عن بلدة محجة.

بدورها حشدت فصائل المعارضة في درعا عمومًا وفي منطقة اللجاة بشكل خاص، قواتها في محاولة لإيقاف تقدم قوات الأسد، والضغط عليها لفك الحصار عن بلدة محجة، فكان محيط قرية “الوردات” مسرحًا لأول مواجهات عنيفة بين الطرفين بعد هدوء للجبهة الجنوبية استمر لأشهر.

محمد حسان، مدير مركز صدى اللجاة الإخباري، المعني بتغطية الأحداث الميدانية في منطقة اللجاة، اعتبر في حديثٍ إلى عنب بلدي أن قوات الأسد جرّت، بخرقها المتكرر لوقف إطلاق النار، فصائل المعارضة للرد عليها، موضحًا أن “هذه المعركة دفاعية بالدرجة الأولى، واندلعت بعد تقدم قوات الأسد في قرية الوردات وفرضها للحصار على بلدة محجة”.

وأشار محمد حسان إلى أن فصائل المعارضة تمكنت من إحراز تقدم في هذه المعركة واقتحمت قرية “الوردات” مرتين، بعد تمكنها من تدمير تحصينات قوات الأسد وقتل العشرات من جنوده، لكن “القرية مدمرة بالكامل وقوات الأسد عمدت إلى التغطية النارية الكثيفة جدًا، ما منع فصائل المعارضة من التحصن ضمن منطقة مكشوفة، وأجبرها على الانسحاب”.

قرية الوردات تقلب الموازين

إن تمكنت فصائل المعارضة من استعادة السيطرة على قرية “الوردات” والتقدم لثكنات النظام المحيطة، فإنها ستفك الحصار عن بلدة محجة أولًا، وتقطع أهم طرق إمداد النظام نحو ثكناته جنوبًا، يوضح محمد حسان، مضيفًا أن هذا الأمر سيقلب موازين المعركة في جميع أنحاء محافظة درعا، فهو يمثل قطع شريان حياة قوات الأسد جنوبًا، “قوات الأسد ستتحول من كونها المحاصِرة إلى أن تصبح هي المحاصَرة بداية من جسر خبب شمالًا إلى مركز مدينة درعا جنوبًا”.

لكن هذا التحول يحتاج إلى معركة “مصيرية” تشترك فيها جميع فصائل المعارضة، لا سيما أن قوات الأسد تستميت في الدفاع عن “شريان حياتها”، بحسب حسان، الذي أضاف “جميع جبهات درعا تشهد تخاذلًا بحق المعركة الحالية، ولا يوجد أي تخفيف للضغط عن منطقة اللجاة، وهو ما سيجعل هذه المعركة تراوح مكانها وتعيش حالة من الشد والجذب بين الطرفين، دون القدرة على حسمها”.

واختتم مدير المكتب الإعلامي حديثه، مطالبًا فصائل المعارضة في درعا، بمد يد العون لأهالي بلدة محجة و منطقة اللجاة “الصامدين”، معتبرًا أي ضغوطات خارجية قد تتعرض لها هذه الفصائل، هدفها الحفاظ على تمركز قوات الأسد في الجنوب، ومنع تحرير المحافظة بشكل كامل، “الطائرات والمدافع التي تقصف منطقة اللجاة اليوم، ستنال من الجميع غدًا إن استمروا صامتين متفرجين”.

في الوقت الذي عادت فيه المفاوضات بين قوات الأسد وبلدة محجة من جديد، صمتت فوهات البنادق والمدافع في اللجاة، بانتظار نتائج المفاوضات، التي قد تعيد اندلاع المواجهات مجددًا.

وبين حالة الترقب للمفاوضات ومخاوف شد الأحزمة في بلدة محجة، إلى شد المعارك وجذبها في منطقة اللجاة، تعيش بلدة محجة هذه الأيام ساعاتها ببطء، في انتظار نتائج المفاوضات بين البلدة وقوات الأسد، وسط إصراره على ضم البلدة إلى قائمة إنجازات “الباصات الخضراء”، وعجز الفصائل عن تغيير مشهد قد لا يتوقف عند محجة، لتبقى البلدة في حالة ترقب أمام سيناريوهات عديدة: هل تدخلها باصات الأسد، أم دبابات الفصائل، أم  تعود محجة إلى نفق الحصار من جديد؟





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة