إدلب – طارق أبو زياد
انتشرت المراكز التجارية في مدينة إدلب والمدن الرئيسية في المحافظة، بهدف تأمين الحاجات اليومية والمنزلية، وهي تستهدف المستهلك بعيدًا عن المراكز التجارية المخصصة للتجار.
يتجّه السوريون اليوم إلى إطلاق مشاريع اقتصادية خاصة قليلة التكلفة، لتجاوز التخريب الذي تعرضت له المشاريع الكبيرة والبنى التحتية بفعل الحرب.
مالك مركز تجاري في إدلب (طلب عدم نشر اسمه أو مكان وجود مركزه خوفًا من القصف)، قال لعنب بلدي إن إنشاء هذه المراكز يهدف إلى استثمار المال في الدرجة الأولى. ورغم أن الصعوبات والتحديات التي قد تواجه مثل هذه المشاريع قد تكون كبيرة، في ظل القصف المتواصل الذي يستهدف تجمّعات مدنيّة، ولكنّ “الله يسلّم”، بحسب مالك المركز، الذي يضيف “كل ما يحيط بنا يمشي بهذه الطريقة، هكذا كتب الله علينا”.
ويعتبر الدخول في مشاريع من هذا النوع “مخاطرةً” برأس المال، إذ لا تقل تكلفته عن 30 إلى 40 ألف دولار، بحسب ضخامته وكميّة البضاعة التي يحويها.
وتحوي المراكز أقسامًا للحوم والأجبان والألبان، والمنظفات، والأدوات المنزلية، والخضراوات.
وأضاف مالك المتجر أن التخفيف عن الناس والوقوف معهم بتوفير هذه المشاريع أمرٌ مهمٌ أيضًا، “بالتأكيد عندما يجد الناس مكانًا واحدًا يحتوي أغلب احتياجاتهم اليومية، بأسعار رخيصة نسبيًا، سيوفر عليهم وقتًا وجهدًا ومالًا وربما خطر التعرض للقصف إذا اضطروا للتنقل كثيرًا”.
منظمات مدنيّة تدخل على الخط
وشهدت المحافظة مؤخرًا إنشاء عددٍ من المراكز التجارية، تتبع لمنظمات مدنية غير ربحية، إغاثية أو تنموية.
وبحسب ما رصدت عنب بلدي، تدير بعض المنظمات المشاريع بنفسها، بينما تقدم أخرى دعمًا إلى القائمين على “المولات”، باعتبارها مشاريع تنموية.
وينظر إلى هذه المشاريع على أنها توفّر فرص عملٍ لبعض الشباب، وتلبي حاجات الناس، من جهة، ومن جهة أخرى يتخوّف الناس من أن تذهب أرباح هذه المشاريع إلى المسؤولين عن المنظمات، ولا تصبّ في دعم نشاطاتها.
كل ما تحتاجه في مكان واحد
محمود العمرين، نازحٌ من ريف دمشق إلى مدينة إدلب، اعتبر أهم ما توفره المراكز التجارية هو أن تجد كل ما تطلبه في مكان واحد، موفرًا على نفسك عناء البحث، وهذا الأمر الذي يعاني منه أغلب المهجرين والنازحين كونهم في مكان لا يعرفونه.
وأضاف العمرين “لا أعرف الأسواق هنا، لذا أذهب إلى المتجر رغم بعده عن مكان سكني، لأنني أكون مطمئنًا أنني سأعثر على ضالتي”.
ويعتمد بعض الزبائن على زيارات أسبوعية إلى المركز التجارية القريبة من مكان سكنهم، ويشترون ما يحتاجونه لأسبوع من مواد غذائية وخضراوات.
كمال جمول، أربعيني من مدينة إدلب، يشتري أغلب حاجاته من المتجر لتوفير المال، ويقول “المتاجر الكبيرة تبيع السلع للمستهلك بسعر الجملة، وكوني مسؤولًا عن أسرة كبيرة تحتاج الكثير من المال، يعينني ذلك على إكمال الشهر”.
ويضرب الرجل مثالًا، “عندما تشتري بعض أنواع الخضار من دكان عادي بتكلفة 2000 ليرة سورية (الدولار يقابل 500 ليرة سورية)، فإنك ستحصل على نفس الخضار ونفس الجودة بسعر 1900 ليرة”.
“ربما يعتبر هذا فرقًا لا يذكر”، يردف جمول، “لكن إن اشتريت كل يومين خضرة فإنني أوفر 1500 ليرة شهريًا، وإذا حسبنا الأمر ذاته بالنسبة للمواد التموينية والتنظيف وغيرها من الأمور فستجد أنك توفر قرابة 10 آلاف ليرة شهريًا، وهو مبلغ جيد”.
المراكز “خطرة” لكنها ضرورية
“لا أفضّل وجود هذه المراكز، وأدعو إلى إلغائها”، يقول منير الغالي، أحد النازحين من مدينة حلب مؤخرًا، إذ يعتبر أن أي مكان يجتمع فيه الناس سيتحوّل بالتأكيد إلى هدفٍ للطيران بأي وقت، وكذلك الأمر بالنسبة للأسواق والأماكن التي يكثر فيها الناس”.
ويضيف الغالي “لذلك أجد أن المتاجر الصغيرة والمتفرقة، هي أنسب وأكثر أمنًا”.
وتكرّرت حوادث استهداف الأسواق في المدن الرئيسية في إدلب، آخرها استهداف سوق الهال في معرة مصرين وأكبر أفرانها، السبت 14 كانون الأول، ما أدى إلى مقتل تسعة مدنيين، بحسب تنسيقيات المدينة.
المراكز التجارية ليست وليدة اليوم، لكنّ الحرب في سوريا أدت إلى تراجعها شيئًا فشيئًا، حتى دفعت حاجة الناس والصعوبات المادية التي يمر بها أغلب السوريين لعودتها إلى الواجهة من جديد، ويبقى التخوف من استهداف الطيران لها الهاجس الأكبر لمرتاديها.