إمبراطوريات الوهم

  • 2017/01/15
  • 1:29 ص
محمد رشدي شربجي

محمد رشدي شربجي

محمد رشدي شربجي

إن كان من شيء أثبتته الثورة السورية على مدى ست سنوات، فهو أن المشاريع الإقليمية والأيديولوجية التي دمرت المشرق العربي، ليست في حقيقتها أكثر من وهم وهوس أيديولوجي لم يستفد منه أحد حتى أصحاب مشاريع الوهم أنفسهم هؤلاء.

لا يمضي يوم دون أن يتحفنا قادة “محور المقاومة” في إيران بتصريحات نارية عن انتصارات المقاومين المتجددة، وكأن “هزيمة تركيا والغرب في حلب ” غير كافية بنظر أمير علي حاجي زاده، قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني، فأضاف “للمهزومين”، بشكل غريب الأردن، وهو البلد الذي لا علاقة له بما يجري في حلب سلبًا أو إيجابًا.

قبل ست سنوات من الآن، كانت إيران صاحبة الكلمة الوحيدة في العراق، وذات نفوذ لا يشق له غبار في سوريا، ولكن ماذا بقي من هذا اليوم؟ لقد عادت أمريكا للعراق مرة أخرى من بوابة تنظيم الدولة لتنشر عدة آلاف من الجنود الأمريكيين في قواعد عسكرية، وزادت قوة واستقلالية إقليم كردستان، وباتت إيران تحكم سيطرتها على جزء من العراق وليس كله.

أما في سوريا فليس الحال بأفضل مما عليه في العراق مهما بدا خلاف ذلك، فالبلد الذي استهلك أكثر من 175 مليار دولار من الموارد الإيرانية عدا عن آلاف القتلى، تمتلك فيه روسيا وليس إيران النفوذ الأبرز، وليس خفيًا أنه ليس لإيران وروسيا ذات الأجندة والأهداف.

تسيطر اليوم الولايات المتحدة، من خلال قوات سوريا الديمقراطية والجبهة الجنوبية التي تتحكم بدعمها من خلال غرفة الموك في الأردن، ومعارك جيش سوريا الجديد ضد تنظيم الدولة في البادية، على ما يقرب من خمس البلاد، والأهم من ذلك والأخطر -من وجهة نظر إيرانية- هو دونالد ترامب وإدارته الجديدة، التي تكنّ العداء لإيران ودورها في المنطقة، والتي لن تكون متساهلة، ولا معجبة بثقافة وتاريخ إيران، كما كان أوباما.

كما تتحكم تركيا من خلال درع الفرات شمال حلب والفصائل المحسوبة عليها في إدلب وأرياف حماه وحلب على مساحة لا تقل عن 15% من مساحة البلاد، عدا عن قواعد عسكرية فرنسية بريطانية مستحدثة في شمال سوريا وجنوبها، ومعارك يتم التجهيز لها ضد معاقل تنظيم الدولة في الرقة ودير الزور، لن يكون مستغربًا أن يتم استبعاد إيران منها.

يؤكد ذلك معدلات البطالة المرتفعة في إيران، والتراجع الحاد في الاقتصاد الإيراني ما جعله يحتل المرتبة الرابعة في المنطقة (بعد تركيا والسعودية والإمارات) بعد أن كان في المرتبة الثالثة قبل عشر سنوات، عندما أطلق المرشد ما سمي وثيقة “إيران في أفق 2025”.

على المقلب الآخر، تعاني تركيا من تعثر مشاريعها على كافة الجهات بالرغم من  الانعطافات الحادة التي أجرتها في سياستها الخارجية، الدولة التي ملأت الدنيا ضجيجًا عن قوتها الإمبراطورية و”عثمانيتها” وقفت عاجزة وهي ترى حدودها تتساقط مع سوريا والعراق بأيادٍ “عدوة”، حتى استطاعت أن تأخذ “الإذن” من روسيا وهي دولة ليس لها حدود مع تركيا فضلًا عن سوريا.

لا يختلف القول عن السعودية وسياستها الفاشلة في كل مكان وكل زمان، وحيثما أرادت أن تكون قوة إقليمية، الدولة التي أنفقت أكثر من أربعين مليار دولار على رئيس ليس له فائدة مرجوة في مصر، أدخلت نفسها في حرب سخيفة في اليمن التي لطالما اعتبرت حديقة خلفية لها، عدا عن غياب تأثيرها التام في الملف السوري على ما يبدو.

يذكّر سلوك الدول الإقليمية بمثال “معضلة السجينين” المطروح بكثرة في العلاقات الدولية، فخيار التعاون هو الوحيد الذي يكفل للسجينين النجاة بحد أدنى من الأضرار، ولكن التعاون يحتاج إلى الثقة بداية، ولأنه ليس هناك مجال للثقة في عالم تحكمه الفوضى كما يجادل مفكرو المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية، فإن الجميع يختار أن يبقى بالسجن مخافة من غدر الآخر، وهو ما حدث مع إمبراطوريات الوهم هذه التي دمرت بلادنا ثم أدخلت نفسها السجن.

مقالات متعلقة

رأي

المزيد من رأي