من يُترجم أنّات المرض للسوريين في تركيا؟
عنب بلدي – حنين النقري
تتضاءل الهموم جميعها مع الصحة، وتتضاءل نعم الحياة كلها مع المرض، فكيف إذا اجتمع المرض مع اللجوء، وأضيف إليهما الجهل باللغة؟
الوضع الصحيّ والعلاج زاوية مهمّة ومؤلمة من واقع السوريين في بلاد اللجوء، تزداد هذه التجربة صعوبة في بلاد مثل تركيا، لا يتقن معظم سكانها لغة أخرى سوى لغتهم الأم.
تزامنت التجربة الأولى للسيدة أم وليد، سورية مقيمة في ولاية اسكندرون، مع المشافي التركية مع بداية إقامتها بتركيا، أثناء المرض الأخير لوالدتها، تقول “حوّل المركز الطبي والدتي المسنّة لمشفى تركيّ، فقد كانت بحاجة عاجلة لعملية عاجلة في قلبها، لم يكن في المشفى مترجم ولا أحد من عائلتنا يتقن التركية، لعلها أصعب اللحظات في حياتي، أبكي وأرغب بالاطمئنان على والدتي دون جدوى، كان تواصلنا مع الأطباء أو الممرضات بلغة الإشارة والإيماءات”.
بعد تفاقم الحالة الصحيّة للوالدة، تلقت العائلة خبر وفاتها بطريقة لا تتناسب مع صعوبة الموقف “تخيلي.. لقد أبلغونا وفاة والدتي بالإشارة أيضًا”. وهنا لم تتمالك أم وليد مشاعر الفقد مصحوبة بالغربة، فصرخت بالأطباء باللغة العربية وهي تبكي “وفّروا لنا مترجمًا أو علمونا لغتكم”.
لم تدفع هذه التجربة السيدة أم وليد أو أحدًا من أفراد عائلتها لتعلم التركية، بل وجهتهم بشكل مباشر للمراكز الصحية السورية المتوافرة في مكان إقامتها، “أعلم أن المشافي التركية تقدم عناية أكبر، ومجانية للسوريين، لكنني كلما دخلتها أذكر عجزي ووفاة والدتي، لهذا أتوجه للمراكز التي توفر أطباء سوريين، في النهاية لا يمكن أن يشرح المريض مشكلته بالإشارة”.
أمان المعرفة
رغم أن مشكلة أم وليد مشتركة مع الكثير من السوريين في تركيا، إلا أن بعض السوريين يعيشون تجارب مختلفة أيضًا تشير إلى زوايا أخرى في طبابتهم بالمشافي التركية، ومنها قصة السيدة ريم (29 عامًا)، سورية مقيمة في قونيا، تقول “يعمل زوجي في مطعم تركي، وهو الأمر الذي اضطرنا لتعلم اللغة، ورغم استصعابي للغة بداية، إلا أنني لم أتخيل المواقف التي سأحتاج لها فيها، ومنها عندما اكتشفنا فجأة وجود كتلة في صدري”. وتوضح “بعد لطف الله بي، كانت اللغة مسعفي الحقيقي بسبب حاجتي للتواصل مع الأطباء ومراجعتهم باستمرار، ومن ثم استئصال الكتلة بعدها بأشهر”.
رغم خوف ريم ومشاعرها المضطربة بسبب الورم في صدرها، تقول إن فهمها تطمينات الأطباء وشروحاتهم لها كانا مصدر أمان حقيقيّ، وتضيف “فهمي لكلمات طبيبتي وتطمينها لي بعد تصوير صدري كان مصدر أمانٍ، جهل سبب مرضك أو ماهيته يسبب ألمًا أكبر من الألم العضوي، المعرفة مدتني بالراحة”.
خبرة طبية
خضعت ريم لعمل جراحي لاستئصال الورم، وعايشت أثناء إقامتها في المشفى معاملة الأتراك للسوريين في المشافي بشكل شخصي، حسب وصفها، “أقمت في مشفى حكومي غاية بالنظافة، على مستوى عالٍ من الخدمات الطبية، معاملة الأطباء والممرضات كانت إنسانية جدًا، استغربتُ عندما علمت أن طبيبة الجراحة أستاذة في كلية الطب أيضًا، وهو ما طمأنني لخبرتها على عكس ما يُشاع بعدم وجود خبرات في المشافي الحكومية واستلام العيادات من قبل طلاب الطب المتدربين”.
تشير ريم إلى نقطة تراها مهمة في قصد المشافي الحكومية التركية، وهي التوجه للمشفى في بداية الحالة المرضية، إذ تقول “معظمنا لا نلجأ للمشفى إلا عند الضرورة القصوى، لكن هذا لا يمكن مع المشفى الحكومي، لا تتوقع أن تسير أمورك بيسر عندما تتوجه للمشفى وأنت في أمس الحاجة للعملية الجراحية مثلًا، لأنك ستضطر للانتظار ريثما تنهي الإجراءات الروتينية وتحصل على موعد وقد لا تسمح حالتك الصحية بذلك”.
“مشافيهم ومشافينا“
تقول ريم إنها لم تتوقف طيلة فترة إقامتها في المستشفى عن مقارنة الخدمات المقدمة في المشافي الحكومية التركية بتلك التي تقدمها المشافي الحكومية السورية، “لم نكن نجرؤ على قصد المشافي الحكومية في سوريا بسبب سوء مستواها الطبي بشكل كبير، وسيطرة الفساد والواسطات، من يقصدها يكون مضطرًا لأبعد حد، أو غير آبه بصحته، وهو ما فوجئت بعكسه في المشفى الحكومي التركي، كنتُ أتوقع أن أحوّل بعد العملية إلى مهجع مشترك مع مريضات أخريات، لكنني دُهشت بتخصيص غرفة لي والسماح بإقامة زوجي معي، كما توقعت أن أدفع جانبًا من التكاليف، لكن كل شيء كان مجانيًا، حتى الوجبات والأدوية والتحاليل”.
تستدرك ريم أن إمكانية تعميم تجربتها غير ممكنة، وتضيف “سمعتُ الكثير من التجارب الصعبة التي واجهت السوريين مع الطبابة، بالطبع لا يمكن قياس حالتي على سواها، لكنني أعزو حسن المعاملة التي قابلتها بشكل أساسي لإتقاني اللغة التركية”.
تأمين صحيّ.. شكليّ!
كشرط أساسي لاستصدار الإقامة السياحية يلجأ السوريون للحصول على تأمين صحيّ، ورغم أهميته والحسومات التي يوفّرها عند استخدامه للغرض الأساسي منه، إلا أن معظم السوريين لا يولون التأمين أهمية تذكر، دونما بحثٍ عن أفضل شركات التأمين، أو الفارق بين خدماتها، فالأمر “شكليّ ولن أستفيد منه، هكذا أخبروني في مكتب استصدار الإقامة السياحية”، حسب رامي، مهندس يقيم في مرسين، ويتابع “لا أستطيع الجزم بكون التأمين الصحيّ شكليًا أو فعليًا، إذ لم أقصد أيّ مشفى تركيّ خاص ولم أتحقق من ذلك، مثلي مثل معظم السوريين أتوجه عند مرضي للمراكز الطبية السورية المنتشرة في مرسين لتقليل سوء التفاهم الناتج عن جهلي باللغة”.
الضريبة
لذات السبب الذي لجأ لأجله رامي إلى المراكز الطبية السورية، تجنّب الحاج أبو محمد المشافي التركية، وقصد مركزًا طبيًا خيريًا في الريحانية جنوب تركيا لمعالجة عينيه من تضاعفات السكريّ، يقول “المعاملة كانت جيدة وتأمين الدواء مجانيّ، لكنّ الإبر التي أحتاجها لعينيّ لا تتوافر في المركز دومًا لغلائها، تلقيتُ إبرًا في إحدى عينيّ، إلا أن العلاج نفد بعدها من المركز، لذا توقّفت رغم حاجتي عيني الماسة للدواء”.
استمرّت مراجعة الحاج أبو محمد للمركز ثلاثة أشهر، وطال انتظاره للعلاج دون جدوى، يتابع “أخبرتني الممرضة أنها ستتواصل معي فور تأمين الإبر، راجعتهم خلال ثلاثة أشهر بشكل أسبوعي، لكن العلاج لم يتوفّر، وكانت الضريبة في ذلك تراجع بصري بحدّة في عيني اليُسرى”.
بعد ثلاثة أشهر من الانتظار، واجه أبو محمد مخاوفه، وقرر الانتقال لمشفى تركيّ لمتابعة علاجه، يقول “طلبتُ من المركز تقريرًا طبيًا بتفاصيل حال عينيّ، وانتقلتُ على أساسه لمشفى تركيّ لإتمام العلاج، لن أنتظر حتى أفقد بصري”.
أرقام:
-
أشار نائب رئيس الوزراء التركي، لطفي ألوان، إلى أن ما يزيد عن 150 ألف طفل سوري ولدوا في تركيا خلال ست سنوات.
-
أجريت 200 ألف عملية جراحية للسوريين في تركيا في مشاف حكومية تركية خلال السنوات الأربع الأولى من اللجوء.
-
أكثر من 500 ألف سوري تلقوا العلاج في مشافٍ حكومية تركية خلال السنوات الأربع الأولى من اللجوء.
-
تتيح بعض المشافي الحكومية التركية موظفين بمهنة مترجم لتسهيل تواصل المريض مع الطبيب، كما خُصصت وحدة ترجمة من وزارة الصحة التركية عبر الاتصال على رقم هاتفي متاح خلال 24 ساعة للترجمة الطبية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :