فلننتظر الأسوأ
محمد رشدي شربجي
لم تدخل المعارضة السورية في الهدنة المعلنة إلا وهي في أسوأ حالاتها، فبعد داريا ومجمل الغوطة الغربية لم يبق لها في محيط العاصمة إلا بؤر معزولة محاطة من كل الجوانب وتنتظر مصيرًا قد لا يختلف بالضرورة عن مصير سابقتها، وفي الشمال فقدت المعارضة مواقفها في حلب عاصمة الشمال، وباتت محصورة مع النصرة في جيب كبير نسبيًا ( ضعف مساحة لبنان تقريبًا) هو محافظة إدلب وأرياف حلب وحماه واللاذقية القريبة.
وحال المعارضة من حال حلفائها (أو قد يكون العكس هو الصحيح)، فتركيا تعاني من تهديد وجودي ليس أقله حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة الإسلامية وجماعة غولن، عدا عن نزاع وشقاق يزداد حدةً على هوية هذا البلد الحائر أظهرته محاولة الانقلاب الفاشل، وقد أظهرت تركيا خلال العالم المنصرم أنها تعاني من خلل أمني كبير جعلها سهلة الاختراق، وهو ما أجبرها في النهاية على الدخول منذ منتصف العام المنصرم بمراجعات (تسارعت بعد محاولة الانقلاب الفاشلة) لسياستها الخارجية المتعثرة، فرسخت المصالحة مع روسيا وإسرائيل، وتخلت عن مطلب إسقاط النظام لصالح إيقاف المشروع الكردي في شمال سوريا.
السعودية على الطرف المقابل ليست بأفضل حالًا، فحرب اليمن التي صنعتها بيديها لا تنتهي، ولا تبدو في الأفق قدرة سعودية على إطاحة الحوثيين من السلطة، كما أظهر انخفاض أسعار النفط الأزمات البنيوية التي تعاني منها دول الخليج قاطبة. هذه الدول التي لم تنجح إلى حد بعيد (عدا الإمارات وقطر بدرجة أقل) من تنويع مصادر دخلها، ولم تستطع بناء منظومة دفاعية تستطيع فيها أن تعتمد على نفسها في حماية أمنها، والأهم من ذلك كله وهو الأخطر، توجه عالمي تبلور في اتفاق إيران النووي مفاده أن العقيدة الوهابية التي تقوم عليها السعودية هي الملهم لحركات “الإرهاب” في العالم، وهذه الحركات هي سنية في الغالب يجب محاربتها “أيديولوجيًا” وعسكريًا كما يقول العالم اليوم، وعليه فقد انشغلت الصحافة العالمية بحالة حقوق الإنسان في السعودية، وحرمان المرأة من قيادة السيارة، والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في حرب السعودية على اليمن، وغيرها كثير مما يجده المتابع يوميًا في الصحافة الغربية.
يضاف لما سبق صعود عالمي في أوروبا وأمريكا لليمين المتطرف الذي يرى أن وجهة العالم يجب أن تكون الحرب على الإرهاب، ولذلك فليس غريبًا أن يتغزل قادة العالم المتطرفون الجدد بشجاعة بوتين، وعلمانية نظام الأسد، ورجعية نظام آل سعود.
أمام هذه الأوضاع المعقدة، رضيت المعارضة وبضغط من تركيا وهزيمة حلب بهدنة منقوصة -لا تستثني النصرة- لا تستطيع رفضها أساسًا، كما فرض على المعارضة كذلك التوجه نحو أستانة فيما يبدو أن توجه روسي- تركي لاستبعاد الغرب من الحل في سوريا.
لا يجب أن يتوقع المرء أن تحدث المعارضة خرقًا سياسيًا كبيرًا في أستانة، فمن تراجع في ميدان المعركة لن يتقدم في ميدان السياسة، ولكنها تستطيع أن تحسن شروط تفاوضها بحالة واحدة فقط، وهي توحدها ضمن مشروع سياسي عسكري موحد، وهو ما لا يبدو أنه قابل للحدوث حتى اليوم، حتى ضمن الفصائل العسكرية التي تعرف نفسها بدلالة الجيش السوري الحر.
أسباب كثيرة، منها تشرذم الثوار، أوصلت حال الثورة إلى ما هي عليه الآن، وما لم تتوحد الفصائل خلف مشروع الثورة، فلا يحق لنا أن ننتظر إلا الأسوأ.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :