إدلب – طارق أبو زياد
يمسك الشاب الثلاثيني ماجد جبر، وعاءً بيده، يرش منه الماء على نبتات البقدوس والنعناع، وخضراوات متنوعة مصفوفة على عربة نقالة، في مدينة إدلب، تسر الناظرين وتشدهم للشراء، مرددًا بأعلى صوته أسعار الخضار المتوفرة لديه.
“خلي الناس تتنفس شوي”، يقول جبر لعنب بلدي، متحدثًا عن الهدنة التي بدأ تطبيقها ليل الجمعة 30 كانون الأول الماضي.
اكتفى جبر بما قاله وتابع عمله، لكن كلماته المختصرة أظهرت واقعًا يعيشه الأهالي في هذه المرحلة، فرغم رفض الهدنة كونها تعرضت لمئات الخروقات حتى اليوم، إلا أن هناك قبولًا ضمنيًا بين الناس.
وتوصلت فصائل المعارضة السورية إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار، أعلن عنه في 29 كانون الأول الماضي، برعاية روسية- تركية.
تشهد الأسواق في إدلب حركة متزايدة، مع استمرار أيام الهدنة المعلنة في سوريا، التي توصف بأنها “غير مكتملة”، وعادت الحركة في عموم المحافظة، وهذا ما نقله أهالي المدينة، الذين استطلعت عنب بلدي آراء بعضهم، ممن اعتادوا على السير بشكل يومي في الأسواق.
فرصة ملائمة لسرقة لحظات الحياة
منير عبيد، خريج كلية الهندسة المعمارية، يقطن في مدينة إدلب، اعتبر أن الهدنة في وضعها الحالي، “ليست نموذجًا مثاليًا يضمن الحياة الطبيعية، إلا أنها بالتأكيد فرصة أتاحت للناس، إدارة أعمالهم بشكل أقل خطرًا”.
لم يغب الطيران عن أجواء المدينة، إلا أنه غدا “أقل بكثير”، وفق عبيد، ويرى أن “الزيارات وارتياد الأسواق والتنزه ربما سيكون ملائمًا في وضعنا الحالي، فنحن نعيش الحرب منذ سنوات، واليوم أفضل بكثير مقارنة بما سبق”.
يتحدث المهندس بعيدًا عن السياسة والاتفاقات، “فأغلب الناس لا ينظرون للأمور من هذا المنظور، إذ لا يهمهم هل هي هدنة حقيقية أم فترة راحة للطيارين، الذين ربما يعودون بعد فترة للأجواء”، خاتمًا حديثه “نعيش حالة من الهدوء النسبي.. ببساطة عيش اليوم ولبكرا الله بيفرجها”.
ارتياح الناس لا يعني قبولهم الهدنة
الناشط الإعلامي خالد الحموي، أحد النازحين من مدينة حماة إلى إدلب، يرى أن الحركة المتزايدة التي تشهدها المحافظة ككل، “أمر طبيعي ولا يعني بالضرورة قبول الناس بالهدنة المزعومة”، معتبرًا أنه من المنطقي أن يتحرك الناس ويقضون أشغالهم عندما ينتشر الأمان بهدنة أو بغيرها”.
“لن يكترث أهالي المدينة في حال عادت الحرب”، وفق الحموي، الذي يتوقع عودة القصف في أي لحظة، “فهي ليست المرة الأولى التي تحدث فيها هدنة”.
ويتساءل الناشط “عن أي هدنة نتحدث ووادي بردى تحت البراميل، ومحاولات اجتياحه يومية، كما يقصف الطيران جسر الشغور وريف حلب”، واصفًا ما مر من أيام بأنها “فترة من الراحة يُعاد فيها ترتيب الأمور للعودة للقتل والدمار من جديد، فقد خبر الأهالي حقد الميليشيات الطائفية وشبيحة الأسد جيدًا”.
وتابعت قوات الأسد حملتها العسكرية تجاه وادي بردى بريف دمشق، متذرعةً بوجود مقاتلين من جبهة “فتح الشام”، رغم أن الاتفاق الذي وقّعته المعارضة لا يستثني أي فصيل أو منطقة سورية.
يرى محمد الزين، بائع المحروقات في مدينة أريحا في ريف إدلب الجنوبي، أن الهدنة ستتحقق في سوريا عاجلًا أم آجلًا، “فالجميع أخذ ما يريد منا ولم يعودوا بحاجة لشيء، وهذا ما يضمن سعيهم لتحقيقها”.
“لا شيء مهم فنحن بحاجة لفترة من الهدء والراحة”، يختم الزين حديثه، لافتًا “على أقل تقدير نحتاج عامًا كاملًا لنلملم جراحنا، ولكننا سنستمر بالثورة فالدم لا يُنسى، وهذه الهدنة ليست ما يسعى إليه الشعب السوري”.
وشهدت المحافظة مظاهرات متكررة في عددٍ من المدن الرئيسية، منذ وقف إطلاق النار، تطالب بتحقيق مبادئ الثورة الأولى بالحرية والعدالة، وإسقاط النظام السوري.
يُجمع الأهالي في إدلب على أنهم سيحاولون سرقة الأيام الهادئة، حتى تتضح الصورة بشكل كامل، ويتوقعون ما ستؤول إليه الهدنة، مؤكدين أن “الجميع هنا لن يتخلى عن مطالب السوريين الأساسية ومبادئ الثورة”.