درعا – عنب بلدي
باشرت قوات الأسد خلال الأيام الماضية، حملة واسعة لتجنيد المطلوبين للاحتياط في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، إلا أن الحملة اختلفت عن سابقاتها، فشملت أعدادًا أكبر، ووصلت إلى تجنيد من تقترب أعمارهم من الخمسين.
وتزامنت الحملة مع إعلان قوات الأسد تشكيلها “الفيلق الخامس- اقتحام”، الذي يهدف إلى تجنيد الآلاف من المدنيين للقتال، في محاولة لتعويض حالة الاستنزاف التي أصابت قواته والميليشيات الأجنبية المتحالفة معه.
مطلوبون للاحتياط بين 30 و50 عامًا
عوامل عديدة أفرغت المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الأسد في درعا من شبابها، ودفعت الكثير منهم إلى مغادرتها قسرًا، نحو المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، لتغيب شريحة الشباب عن شوارع هذه المناطق، وتتحول المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة النظام، إلى مجتمعات يغلب عليها النساء والأطفال وكبار السن، وفئة قليلة ممن تجاوزت أعمارهم الثلاثين عامًا، معظمهم من موظفي الدوائر الحكومية، وأصحاب المحال التجارية.
تلك الفئة، رغم قلتها، باغتها إعلان تشكيل “الفيلق الخامس”، إذ توجهت قوات الأسد نحو تجنيد كل من أنهى خدمته الإلزامية في وقت سابق، وأدرجت اسمه ضمن قوائم الاحتياط، ووفق المعلومات التي حصلت عليها عنب بلدي، فإن أعمار المدرجين تتراوح بين الثلاثين والخمسين عامًا.
عشرات الشباب نزحوا إلى مناطق المعارضة
وصل عشرات الشباب إلى مناطق سيطرة المعارضة في درعا خلال الشهر الماضي، قادمين من مناطق سيطرة النظام، منهم “أبو عبد الرحمن”، الذي كان يقطن في حي السبيل بدرعا المحطة، وانتقل إلى بلدة طفس في ريف درعا الغربي.
وأوضح الشاب في حديثٍ إلى عنب بلدي، أنه استبق اعتقاله وتجنيده للاحتياط بالخروج، بعد انتشار أخبار حول عمليات التجنيد، “استطعت معرفة أن اسمي ضمن القوائم، فخرجت مباشرة قبل تعميم اسمي على الحواجز”.
لم يكن أمام “أبو عبد الرحمن” الكثير من الوقت للتفكير أو التخطيط، كما قال، “كان الخروج بسرعة هو الأهم، وبعد وصولي إلى المناطق المحررة، بدأت التفكير بما علي فعله ووضع عائلتي هناك”، وأشار الشاب إلى أنه “تفاجأ” لدى وصوله إلى مناطق المعارضة بأنه ليس الوحيد، “أكثر موقف مضحك كان التقائي صدفة بأحد جيراني، وعندما سألته ماذا تفعل هنا، أجاب كما تفعل أنت”.
تخوّف من المستقبل
ترك “أبو عبد الرحمن” خلفه في درعا المحطة، قصصًا وذكريات. تتغير حياة عائلة كاملة فجأة، فيغادر ربّ الأسرة ويفقد عمله، وتتولى الأم شؤون المنزل في ظروف حرب استثنائية، وتتشتت العائلة بين البقاء في المنزل أو اللحاق به، أمور تخوّف منها الشاب، الذي أضاف “ظروف الحياة في المناطق المحررة غير مستقرة حتى اليوم، وأنا بالكاد أستطيع تأمين نفسي، لذلك أفضل أن تبقى عائلتي في الوقت الراهن مكانها”.
ووصف الشاب حال المدينة قبل مغادرته “أستطيع أن أعد عشرات المنازل التي لا تضم إلا رجلًا كهلًا وزوجته، بينما تشتت أبناؤهم أو قتلوا وربما اعتقلوا”.
وتحدث شاب آخر (رفض كشف اسمه)، عن مشاهد طغت على درعا المحطة، فبرز إلى العلن عمل النساء في المحال التجارية لتعويض غياب الشباب، معتبرًا “هذه ظاهرة جديدة على مجتمع محافظ كدرعا، لكن الظروف المادية الصعبة لكثير من العائلات، دفع بالنساء لذلك”.
تأسف “أبو عبد الرحمن” في ختام حديثه على مغادرة مدينته، “رفضت مغادرة منزلي وحارتي طوال السنوات الماضية، ولم أهاجر رغم أن الأمر كان متاحًا”، مؤكدًا “أرفض التهجير والتغيير، لكن عندما أواجه فكرة تجنيدي للقتال ضد أهلي، فمن الطبيعي أن أغادر فورًا”.
ليست درعا المحطة قصة منفردة، إذ ينطبق الحال على معظم المناطق السورية التي يحكمها النظام السوري، وهذا ما وثقته عنب بلدي، وعشرات وسائل الإعلام المحلية والعالمية، متحدثة عن قصص مشابهة في دمشق وحمص وغيرها من المدن، بينما يصف شباب درعا المحطة، مدينتهم اليوم بأنها “أصبحت شبه مهجورة”، متخوفين من مصير مشابه لمدينة داريا التي هُجّر سكانها بشكل كامل.