إبراهيم العلوش
كلما جاء خبر عاجل عن عمل إرهابي ننكمش على أنفسنا، ونخشى أن تكون أداة التنفيذ سوريّة. تهتز وسائط التواصل الاجتماعي من فيسبوك، وواتس أب، ومختلف أنواع المسنجرات بين أيدي السوريين، ونتمنى ألا يكون المنفذ أحد السوريين.
بعد نجاح داعش والنظام، بإخلاء الكثير من المدن وتهجير أهلها، لصالح المخطط الاستيطاني الإيراني القادم، صارت داعش تطارد السوريين في منافيهم البعيدة لإجبارهم على التنصل من كونهم سوريين، بسبب المضايقات الكبيرة التي يواجهها السوريون إثر كل عملية إرهابية تقوم بها داعش.
لقد حلّ أمراء داعش في البيوت التي هجرها السوريون، واغتصبوا بنات الشهداء والنساء الفقيرات باسم الزواج الشرعي، واختطفوا الأطفال وغسلوا أدمغتهم وساقوهم إلى الموت بحجج شرعية واهية.
وكذلك فعلت الميليشيات الإيرانية وقوات جيش التعفيش التي نهب بيوت السوريين وأجبر أبناءهم على التجنيد أو الذهاب إلى المعتقلات التي لا رجعة منها إلا إلى القبر. فملالي إيران يهيئون أرضية الإرهاب، ومهووسو داعش يردّون بالتفاخر بأعمالهم الوحشية التي تدمر السوريين، وهي بكل تأكيد ستدمرهم لاحقًا.
منذ اليوم الأول لاحتلال الرقة من قبل داعش كان شعارهم إما أن تنتمي إلى دولة الإسلام الفاشي الذي يمثلونه، أو ترحل عن بلادهم التي صارت منذ الصباح ملكًا لهم، وصار سكانها مجرد كفرة ومرتدين وأهل ذمة.. ولم تفطن داعش لخطورة الموضوع على نفسها إلا لاحقًا، عندما هرب السكان منها بكثافة، ولم تعد هناك دروع بشرية تحميهم، فأوقفوا الهجرة وأغروا النازحين في بلدات ومدن أخرى بالذهاب إليهم، ولتنطلي عليهم خدعة الإسلام الذي حشوه بالسمّ والبارود، وأجبروهم على تزويج بناتهم لمقاتليهم ولأمرائهم وتطويع أطفالهم في معسكرات الموت والإرهاب.
إرهاب داعش يطارد السوريين وتقع شروره عليهم، وكأنما التهجير لم يشف غليل رجال التنظيم وشرعييه، الذين يتلاعبون بالأحاديث وبالآيات القرآنية بشكل شيطاني ووحشي، ولا يمكن الاعتراض عليهم طالما الشرعي محاط بكوكبة من حملة البنادق والسكاكين مثل عصابة أشرار هبطت من كوكب آخر، بل بدأوا بمطاردة السوريين في منافيهم، فكل سوري صار متهمًا ليس فقط بسبب إعلام النظام ووثائقه المزورة ضد السوريين المعارضين له، بل أيضًا بسبب إرهاب داعش الذي تسقط شروره على المنتشرين بالملايين في البلدان التي يستهدفها.
كلما وقعت عملية إرهابية داعشية فإن قوانين ومضايقات جديدة تنزل على رؤوس السوريين، وعلى إنسانيتهم التي يستخف بها الآخرون بسبب خوفهم من الإرهاب الداعشي، الذي رعاه وصدّره النظام ليعاقب السوريين، وليعاقب العالم الذي توعده بأن تصل عقوباته إلى كل مكان فيه، وربما تصل الى المريخ (مصدر المؤامرة الكونية).
ولم تقع عمليات التنظيم في إيران ولا ضد شبيحة النظام، بل في البلدان التي تضم أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري، ففي باريس هجم الدواعش على الجمهور في الملاعب، وفي نيس هجم الداعشي بسيارة شحن على الجمهور، وفي برلين هجم الداعشي على المارة المحتفلين بأعيادهم الدينية، وتركيا، الأكثر استقبالًا للسوريين، كان نصيبها كبيرًا ومتواصلًا من العمليات الإرهابية، ففي اسطنبول التي تشهد عمليات إرهابية متعددة، أطلق الداعشي النار على المدنيين المحتفلين برأس السنة الجديدة، وكان معظم الضحايا من العرب ومن المسلمين.
تدمير سوريا والعراق على أيدي الإيرانيين والأمريكيين تسبب بكل هذا الخراب الوحشي، وتسبب بموجة التسونامي الداعشية هذه، بالإضافة الى تراكم الاستبداد خلال نصف قرن، والذي أرهق البنى الاجتماعية، وخرب القيم الأخلاقية، ومهدّ الطريق ليكون الخراب أعمق وأكبر، ولتكون مساحة التدمير بهذا الاتساع المريع، والذي لم تعرف الإنسانية مثله منذ الحرب العالمية الثانية على الأقل.
إنّ تورّط السوريين بمثل هذه الأعمال هو في حده الأدنى رغم عظم مأساتهم ويأسهم، وقد اضطرت داعش للاعتماد على مجرميها من أبناء الدول الأخرى، وهذا يفرض علينا كسوريين أن ننتبه إلى عدم تورط شبابنا، فالأمم التي تعرضت للقهر ولليأس عبّرت عن غضبها بوسائل بنّاءة. اليابانيون ردّوا على تدمير بلادهم بالقنابل الذرية الأمريكية، بأن صاروا شعبًا لا يكلّ من العمل، وأبدعوا في كل مجالات الصناعة والتكنولوجيا الحديثة، وكذلك الألمان الذين حرثت الحرب العالمية الثانية مدنهم وخربتها، ومات نصف رجالهم في مغامرات هتلر المهووسة، لم يردّوا بضرب العالم بالمتفجرات، ولا بالذبح، ولا باليأس التكفيري المميت، بل ردّوا بالعمل والدأب ومعاودة الأمل، وبنوا أعظم اقتصاد في أوروبا وصاروا ينافسون أمريكا والصين واليابان.
ولعل الشباب السوري قد بدأ خطوات الجد والإبداع رغم ظروفه الصعبة، فكل يوم نقرأ عن شابة أو شاب سوري أبدع، أو اخترع، أو تألق في التعلم، ويتم تناقل أخبار نجاحاتهم عبر وكالات الأنباء العالمية، ويستقبلهم قادة العالم في مراسم احتفاء مشرفة، فثورة السوريين ثورة راقية رغم كل ما أصابها من إرهاب، ومن براميل، ومن تعذيب وتهجير، وقد قام الشعب السوري ضد الاستبداد وهو يطالب بعدم تعذيب أطفال درعا، وبوقف القتل في المعتقلات الجهنمية، ولم يكن السوريون إرهابيين، ولن يكونوا كذلك أبدًا مهما حاول النظام، وإيران، وروسيا وداعش لصق قيم الخيانة والإرهاب بهم، ومهما حاولت الميديا ترويج الاتهامات والشكوك بوجه السوريين الذين ملأوا بلدان العالم.
ولذلك علينا أن نتماسكك ونحافظ على قيم الحرية التي طالبنا بها، من أجل أن نبني بلدًا جديدًا لا يجترّ نفسه بالشعارات الفارغة، ولا بعبادة المستبدين ولا بالرضوخ لقيم العبودية والذل.
فهذه المحنة ستقلب صفحتها حتمًا، ورغم قسوتها فلن نسمح لها بتلويث قلوبنا بالحقد ولا بالإرهاب ولا باليأس القاتل، بل ستزيد عزيمتنا على النظر عاليًا إلى مواقع الأمم الراقية التي تجّل العمل، وتجعل الإنجاز والابتكار أهم أهدافها، ولا تتلهى بالأكاذيب ولا بالأوهام الصفراء أو غير الصفراء!