د. أكرم خولاني
تختلف سلوكيات الأطفال في المراحل الأولى من العمر، فنرى الطفل كثير الحركة، والطفل العنيد، والطفل المشاكس، والطفل الفوضوي، والطفل الخجول، والطفل قليل الانتباه، وغير ذلك، وتنتج هذه السلوكيات عن تعامل الآخرين من حول الطفل معه، مثل الدلال الزائد، والحماية المفرطة، أو قلة الحنان، والقسوة، أو الإهمال.
ويصعب التفريق بين الطبيعي وغير الطبيعي من تلك السلوكيات، فقد يكون سلوك الطفل من منظور الوالدين طبيعيًا، بينما يراه الآخرون سلوكًا غير طبيعي وغير مقبول من المجتمع، لكن في بعض الحالات قد يخرج الطفل بشكل واضح عن حدود المعدل الطبيعي في حركته وسلوكياته، ومن هذه الحالات ما هو مؤقت، ومنها ما هو دائم و مرضي، ومن تلك الحالات المرضية اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD).
ما هو اضطراب فرط الحركة وقلة الانتباه
اضطراب فرط الحركة وقلة الانتباه، أو كما يسميه البعض فرط النشاط وتشتت الانتباه، هو حالة نفسية تبدأ في مرحلة الطفولة المبكرة قبل سن السابعة، وتسبب نموذجًا من تصرفات تجعل الطفل غير قادر على السيطرة على تصرفاته، فنجده معارضًا، ومندفعًا، وعدوانيًا، لا ينصاع للأوامر، ولا يلبي رغبة الوالدين ولا حتى المعلمات في المدرسة، يجد صعوبة بالغة في الانتباه للقوانين، وهو في حالة إلهاء دائم بالأشياء الصغيرة.
ويواجه المصاب بهذه الحالة صعوبة في الاندماج بالبيئة المحيطة سواء في المدرسة والبيت، كما يعاني عدم القدرة على التركيز في أمر ما سوى لدقائق معدودة، وهذا يؤدي إلى تدهور تحصيله الدراسي، إذ إنه يمل من الدقائق الأولى للحصة المدرسية فيبحث عن شيء آخر ليشغله عنها وينصرف إلى المشاغبة.
هذه الحالة تعتبر أكثر الحالات النفسية شيوعًا في العالم، إذ إنها تصيب حوالي 5% من مجموع شعوب العالم، وتشاهد عند الذكور أربعة أضعافها عند الإناث، ولا علاقة لزيادة الذكاء أو نقصه بها، والغريب أن نسبة الإصابة تزيد في الدول المتطورة، على عكس الدول النامية التي تقل لديهم هذه المشكلة.
ما أسباب حدوث الاضطراب؟
السبب الأساسي غير معروف، ولكن هناك اتفاق أن الحالة تحدث نتيجة لأسباب عضوية نمائية للجهاز العصبي لم يتم التوصل لها وتحديدها، فاختلاف كيماويات المخ تؤدي إلى تأثيرات على المزاج والسلوك، وقد بينت مسوحات الدماغ حدوث تغييرات مهمة في بنية الدماغ وأدائه لدى الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب، ولوحظ وجود نشاط متدنّ في المناطق الدماغية المسؤولة عن النشاط والانتباه.
وهناك بعض العوامل يمكن أن يكون لها تأثير على هذا الاضطراب:
- الوراثة: حتى الآن لم يتم اكتشاف المورثة المؤدية للإصابة، ولكن أثبتت الدراسات حدوث الحالة لدى التوائم بنسبة تصل إلى 80%، كما دلت الأبحاث على أن واحدًا من كل أربعين طفلًا يعانون من الاضطراب لديه قريب عائلي واحد، على الأقل، يعاني من الاضطراب ذاته.
- تدخين الأم خلال الحمل، أو استعمال مواد تسبب الإدمان، أو التعرض للمواد السامة: تدخين المرأة الحامل أو تناول المشروبات الروحية وتعاطي المواد التي تسبب الإدمان أو استخدام أدوية معينة أثناء فترة الحمل من شأنه أن يسبب هبوطًا في نشاط الخلايا العصبية التي تنتج الناقلات الكيميائية بين الأعصاب، كما أن النساء الحوامل اللواتي يتعرضن لملوثات بيئية سامة كالرصاص، أكثر عرضة لولادة أطفال مع أعراض اضطراب نقص التركيز والانتباه.
- إصابة الجهاز العصبي للطفل خلال الولادة: وتسببه الولادات المبكرة، نقص الأوكسجين أثناء الولادة.
- إصابة الجهاز العصبي بعد الولادة وخلال فترة نمو الجهاز العصبي: بسبب تعرض الطفل لبعض السموم مثل الرصاص، والتهابات المخ، وتعرض الطفل للإصابات المؤثرة على الدماغ.
- العوامل الاجتماعية: يمكن أن ينجم هذا الاضطراب عن خلل وظيفي أُسري أو قصور في النظام التعليمي، كما يحدث أحيانًا عند وفاة أحد الأبوين، أو حدوث طلاق وتشتت بين أفراد العائلة، أو عند معاملة الطفل بالعنف كالضرب أو التعذيب أو الإيذاء اللفظي، خصوصًا أمام إخوته أو أصدقائه وزملائه في المدرسة.
ما أعراض الإصابة؟
السمات الرئيسة لهذا الاضطراب هي: نقص الانتباه، والنشاط المفرط، والاندفاعية.
نقص الانتباه:
يكون انتباه الطفل مشتتًا ومضطربًا وضعيفًا، فالطفل يستقبل كل المثيرات الحسية بنفس الحساسية، ولهذا يلفت نظره كل شيء ولا يستطيع تركيز انتباهه، أو التفريق والتمييز بين المهم وغير المهم، فمثلًا إذا كان جالسًا في الفصل يحاول التركيز على حديث المعلم ومر أحد المعلمين أمام باب الصف أو تحرك أحد الطلاب مثلًا فإنه لا يستطيع مواصلة الانتباه بل يحدث لديه تشتت ويتحول إلى الانتباه لما يحدث، كذلك تكون درجة التركيز والانتباه قصيرة جدًا، مع عدم القدرة على التذكر والتنظيم، فهم لا ينفذون الأوامر المطلوبة منهم، ويفقدون أغراضهم، وينسون أين وضعوا حاجياتهم.
فرط النشاط:
لا يستطيع الطفل الاستقرار لفترة طويلة في سكون، بل يتحرّك حتى وهو واقف، فنراه يتلوى ويتململ، لا يستطيع البقاء في مكانه أو مقعده، نراه يجري ويتسلق كل شيء، كثير الحركة لا يهدأ، يتكلم كثيرًا، وكل ذلك بلا هدف محدد، ويحدث ذلك في المنزل والشارع والسوق والمدرسة.
الاندفاعية:
يستقبل هؤلاء الأطفال ما يدور حولهم ثم يتصرفون مباشرة قبل أن يفكروا في الفعل أو رد الفعل، يجيبون على السؤال قبل الانتهاء منه، لا ينتظرون دورهم في الحديث أو اللعب، كثيرًا ما يقاطعون الآخرين، وهو ما يؤدي إلى عدم قدرتهم على بناء علاقات مستمرة مع الآخرين.
وكما ذكرنا فإن الإصابة قد تكون حدثت خلال الحمل وقبل الولادة، ولكن الأعراض تظهر في مرحلة الطفولة، خاصة عند دخول الطفل للمدرسة، فهناك العديد من العوامل التي تساعد على ظهور الأعراض مثل البيئة المدرسية واختلافها عن المنزل، والضغوط التي يواجهها الطفل في المدرسة، كما أن الأعراض التي يتم تجاهلها في المنزل كأعراض طبيعية يمكن إبرازها في المدرسة، وتستمر الحالة طوال العمر بدرجات متفاوتة، وقد لا تكون واضحة لدى البالغين لقدرتهم على التكيف والتصرف.
أخيرًا.. نشير إلى أن التشخيص يتم من خلال الفحص الطبي لاستبعاد الحالات المرضية الأخرى، إذ إن أعراض الحالة تختلط مع حالات سلوكية أخرى، وقد تحدث تلك الحالات مع حالة الـ ADHD نفسها، كما أنه ليس هناك علاج شاف لهذا الاضطراب، إنما هناك بعض الطرق العلاجية التي يمكن من خلالها التحكم بالأعراض.. وهذا ما سنتناوله في عددنا المقبل.