أيامُ ارتباكٍ قد تلد حلًّا سياسيًا
معتز مراد
بعد أن بات معظم المراقبين والسياسيين مقتنعين تمامًا أنّ ضربةً عسكرية سيتم توجيهها للنظام السوري خلال أيام، وكانت التحضيرات في دول الجوار والدول المشاركة بالحملة تتم على قدمٍ وساق، يخرج علينا الروس بمبادرة سياسية تطلب الكشف عن المخزون الكيماوي لدى النظام وتدميره، ليتلقف هذه المبادرة الجانب الأمريكي بحذر ولكن باهتمام كبير، ولتبدأ خلال الأيام اللاحقة اجتماعات مطولة في جنيف بين الوزيرين لافروف وكيري مع مجموعة خبراء من كلا الجانبين إضافة إلى المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي، في محاولة لعقد اتفاق الفرصة الأخيرة.
وفعلًا أعلن الجانبان الروسي والأمريكي بعد انتهاء الأيام الثلاثة في جنيف عن التوصل لاتفاق حول طريقة كشف وتدمير السلاح الكيماوي السوري تحت إشراف الأمم المتحدة، وتم الحديث عن السعي لتحديد موعد عقد مؤتمر السلام خلال الشهر الجاري أو في الشهر المقبل.
المبادرة الأخيرة شكلت انتصارًا للدبلوماسية الروسية، في مقابل تردد وتخبط واضح في الإدارة الأمريكية، وعدم قناعة الأخيرة عمليًا بالخطوة التي حشدت لها بعد سكوت وتجاهل طويل للمأساة السورية. إذ كان السياسيون الأمريكيون يروّجون للحملة العسكرية على أنها رسالة قوية لإيران وحزب الله والدول المارقة في العالم كي ترتدع عن استخدام مثل تلك الأسلحة أو العمل على تطوير سلاح دمار شامل، وليس فقط كخطوة عقابية لبشار الأسد ونظامه. ولكن أصبح الانتصار الدولي على الكيماوي، أي إمكانية السيطرة على تلك الأسلحة وتدميرها تحت إشراف الأمم المتحدة وبضمانة روسية، كافٍ لتراجع النية عن القيام بعمل عسكري، واعطاء الفرصة للدبلوماسية لحل المشكلة السورية. بالمقابل شهدنا بالتوازي مع هذه المبادرة انبطاحًا كاملًا للنظام السوري وخوفًا باديًا في كل تصريحاته ومقابلات مسؤوليه ومحلليه السياسيين.
ولكن ما يطرحه الغرب وأمريكا هذه الأيام من خلال ما يَرشَح من أخبار وتصريحات لمسؤوليهم يقول أن هناك خطة سياسية كاملة، تتضمن وضع حد للمأساة السورية والانتقال السياسي وفق بيان جنيف. وليس الاتفاق حول الكيماوي إلاّ عنوانًا عريضًا لبداية حل الأزمة بشكل كامل. رغم أنّ الأسابيع تبدو لا قيمة لها عند الساسة الدوليين، فتأخير الاجتماعات والاتفاقات لشهر أو شهرين لا يعني لهم شيئًا مع استمرار نزيف الدم السوري كل يوم أمام مرأى ومشهد من العالم وبكل أنواع الأسلحة.
ورغم كل الارتباك في المشهد الدولي الحالي، وترقب مدى جدّية النظامين في سوريا وروسيا في تنفيذ ما تعهدوا به تحت تهديد ووعيد أمريكي بالعودة للخيار العسكري فيما لو لم يلتزم نظام الأسد بإعلانه، إلا أنّ الحل السياسي بدأ يلوح في الأفق، والضغط على النظام السوري من المرجح أنه سيستمر في الأيام القادمة، حيث ستصدر نتائج تقرير المفتشين الدوليين في بحر الأسبوع الجاري، والغالب أنه سيوجه الاتهام باستعمال السلاح الكيماوي لرأس الهرم «بشار الأسد» مما سيشكل ضغطًا كبيرًا ولمصلحة الثورة السورية، وربما تكون بداية تحويل الملف إلى محكمة الجنايات الدولية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :