المياه الجوفية في إدلب ثروة مهددة بالنضوب
عنب بلدي – العدد 82 – الأحد 15-9-2013
مالك أبو إسحق – إدلب
شهد ريف إدلب في الأشهر الستة الأخيرة ظاهرة تعرف بـ «البحث عن المياه الجوفية» كمصدر بديل لتأمين مياه الشرب، بعد أن قام النظام بقطع إمدادات المياه عن المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الحر، واستهداف خزانات المياه الرئيسية التي تغذي تلك المناطق. هذه العوامل وغيرها دفعت الأهالي للكشف عن مناطق وجود الماء وإنزال آلات الحفر في الأراضي الزراعية، والبدء بالحفر واستخراج المياه.
لكن هذه الآبار اتسمت بكثرتها وعشوائيتها، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى استنزاف المياه الجوفية في المنطقة، وينذر بنضوب المياه في المستقبل، وما ينتج عن ذلك من تصحر الأراضي وتراجع الثروة الزراعية.
ولدى استطلاع عنب بلدي لآراء الأهالي في الريف الشرقي لمعرة النعمان حول الظاهرة، قال أبو أحمد، وهو صاحب أحد الآبار التي يستخدمها في الزراعة: «قمت بحفر البئر بعد أن قام النظام بحرماننا من الماء، وكما ترى الآن استخدم المياه لسقاية الخضراوات التي أصبحت مصدر رزقي الوحيد هذه الأيام «.
أما فراس، الذي يعمل ببيع الماء بالصهاريج، فقد علل حفره لبئر المياه بانقطاع مياه الدولة، وحاجته لجعلها مصدر رزقه، فهو يقوم يوميًا بنقل صهاريج المياه إلى بيوت الأهالي مقابل 650 ليرة للصهريج . بينما يرى أحمد الأحمد أن حفره للبئر ما هو إلى نوع من أنواع التمرد على قوانين النظام الصارمة في السابق، يقول أحمد: «النظام كان يمنعنا في السابق من التنقيب عن المياه بل ويعاقب من يفعل ذلك، وأنا الآن أحس نفسي أمارس نوعًا من أنواع الحرية التي غابت عنا لسنين».
وعن مدى الخطورة التي تشكلها هذه العشوائية بحفر الآبار في هذه المنطقة من محافظة إدلب يقول المهندس الزراعي علاء أن «كثرة هذه الآبار وانتشارها الواسع أمر غير محمود لعواقبه السيئة على مخزون المياه الجوفية في المنطقة وعلى الثروة البيئية بالعموم». ومع أن علاء يقر بحق الأهالي في امتلاك مصادر المياه الخاصة، إلا أنه يرى أنه لا بد من وضع آليات تمنع الحفر العشوائي للآبار، وذلك «بمنح تراخيص للحفر، وملاحقة الأشخاص الذين لا يحملون هذه الرخصة». محمد، الذي يعمل مدرسًا للعلوم والجيولوجيا كان له رأي مكمل لرأي علاء في ضرورة الحد من هذه الظاهرة، ورأى أن التراخيص يجب أن يحصل عليها أيضًا أصحاب مهنة الحفر وأصحاب المعدات، وأن تصدر قوانين تلزمهم بعدم الحفر لمن لا يملك رخصة بئر.
مراسل عنب بلدي، حمل هذه الاقتراحات إلى السيد حسن، رئيس أحد المجالس المحلية في ريف إدلب، والذي أقر بدوره بأن المجالس المحلية لم تتعامل مع هذه الظاهرة رغم انتشارها، وأنها لم تقدم تراخيص لأحد ولم تقم بمساءلة أو محاسبة من يبحثون عن الماء. وعلل السيد أحمد ذلك بالمزاج الشعبي العام الذي يجبرهم على التغاضي عن هذه الظاهرة في ظل انقطاع مياه الدولة وغياب البديل عنها، واعتبر أن فكرة إصدار تراخيص لآبار المياه مستبعدة في الوقت الراهن، وأن «المجالس المحلية في المناطق المحررة لديها أولويات أكثر أهمية من ناحية تأمين الإغاثة والدواء ومتابعة النازحين» وأضاف: «نحن الآن بصدد إيجاد حلول بديلة عن المدارس».
وهنا لابد من الإشارة إلى التجربة التي قام بها أحد مجالس معرة النعمان، حيث قدم دراسة لمشروع حفر بئر مشترك على عمق يقارب 1000 متر وتركيب مضخات عليه لتزويد الأهالي بالماء ومد شبكات الري منه، وذلك من أجل الحد من ظاهرة العشوائية في سحب المياه الجوفية، وقد استطاع المجلس أن يحصل على تمويل لمشروعه من منظمة آرك البريطانية عبر رابطة محلية، وأوضح بأن هذه الطريقة ستنجح في تخفيف الطلب على حفر الآبار وستلزم الناس بالرجوع إلى السلطة المحلية المتمثلة بالمجلس نفسه. لكن يبقى العائق الأكبر في وجه تنفيذ هذه الأفكار في مناطق أخرى، ضعف التمويل المخصص للمشاريع التنموية في المناطق المحررة، وتوجيه معظم الدعم نحو العمل العسكري والإغاثي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :