عنب بلدي – العدد 82 – الأحد 15-9-2013
يبدو أن الاعلام السوري بات اليد اليمنى للنظام مؤخرًا، وانتقل من مرحلة رد الفعل والتخبط في التغطية، إلى مرحلة المبادرة ومسك زمام الأمور، مستفيدًا من أخطائه الجسيمة ومن الانتقادات اللاذعة التي طالما انهالت عليه من كل حدب وصوب خلال الأشهر الماضية. فاليوم، يحاول الإعلام السوري تدارك الفجوة بين الخطاب الذي يقدمه والصورة التي يحاول رسمها لنفسه وللنظام الذي يمثله وبين الواقع.
حملة «على أجسادنا» التي انطلقت يوم الجمعة الماضي، الثلاثين من آب (أغسطس) على الفيسبوك، واحدة من الأساليب التي يعمد إليها النظام لجذب الرأي العالمي والتأثير على ردود الفعل، الشعبية على الأقل، تجاه «الضربة الامريكية». فالحملة التي يشير شعارها إلى رفض «العدوان الامريكي على الأراضي السورية» تدعو المواطنين للتوجه إلى سفوح قاسيون والتخييم هناك ليكونوا دروعًا بشرية تحمي القواعد العسكرية والمنشآت الإعلامية التي تشكل أهدافًا محتملة للضربة الأمريكية المتوقعة. ويدير الحملة، التي يروج لها على أنها مبادرة فردية، الاعلامية اللبنانية أوغاريت دندش التي كانت قد تركت العمل من قناة الجديد بسبب اختلاف المواقف السياسية بينهم، والتي رافقت الجيش السوري في تغطيات إعلامية عدة، وكذلك الفنانة لورا أبو أسعد التي عرفت بمواقفها السياسية المؤيدة لنظام الأسد، والإعلامي رامي منصور والسباح بسام معلا ولاعب كرة السلة عمر حسينو.
ويستفيد القائمون على الحملة من مجموع خبراتهم وعلاقاتهم الإعلامية في الترويج لها. وتحظى الحملة اليوم بتغطيات إعلامية خاصة وبمتابعة واسعة من الجماهير، وقد قامت بعض الصحف الغربية بتغطيتها أو بالإشارة إليها، كما انضم منذ أيام الأمريكي فرانكلين لامب، الباحث المهتم بشؤون الشرق الأوسط، إلى المعتصمين في قاسيون. وحسب ما نقلته صحيفة الديلي تلغراف فإن مئات من الناشطين السلميين والمواطنين من جنسيات مختلفة، بينهم بريطانيون وأمريكيون وفرنسيون، ينتظرون التصريح للدخول إلى سوريا لتعزيز هذا الدرع البشري.
وتستمر هذه الحملة رغم الأخبار التي تناقلتها شبكات إخبارية مؤيدة للنظام السوري عن تجاوزات وممارسات غير أخلاقية تم ضبطها خلال الحملة، فيما نفت الصفحة الرسمية للحملة هذه الأخبار واعتبرتها «محاولات لإفشال الحملة بعد النجاح الذي حققته»، وتؤكد الحملة عبر صفحتها الرسمية أنها «مستمرة حتى تحقيق الأهداف»، دون أن توضح تلك الأهداف. ولا يخفى على المتابع أن استمرارية الحملة يعزى إلى التسهيلات الممنوحة للقائمين عليها، وإلى الزخم الإعلامي في تغطية فعالياتها من تغطيات مباشرة وتقارير خاصة ولقاءات ومؤتمرات صحفية تعكس صورة لامعة عن الحملة؛ فخلال المؤتمر الصحفي الأخير الذي عقده القائمون عليها نقلوا صورة عن التنظيم وحس المسؤولية بين المشاركين، و أكدوا أن الحملة غير مدعومة من أي جهة، كما أنها لا تقبل سوى التبرعات العينية التي تضمن استمرارية الاعتصام. في حين لم يأت أي منهم على ذكر الصواريخ التي أطلقتها وتطلقها القواعد العسكرية في قاسيون على أنحاء مختلفة من دمشق وغوطتيها. وكانت دعوات البابا فرنسيس «لجميع الرجال والنساء من ذوي الارادة الصالحة» للصيام والصلاة من أجل سوريا السبت الماضي، والتي باركها المفتي حسون ودعا السوريين للمشاركة بها، قد جاءت في توقيت مناسب لتستغل الحملة الخطاب الديني ذي الأثر المترسخ في مجتمعنا.
وتتزامن الحملة مع أخرى تحمل شعار «لا للحرب» تدعو مستخدمي الفيسبوك إلى توجيه رسائل لأعضاء الكونغرس الأمريكي عبر صفحاتهم على الموقع تحثهم على التصويت ضد الضربة. وتلقى هذه الحملة أيضًا صدى بين الأمريكيين أنفسهم، والمتخوفين أساسًا من عراق آخر يستنزف المزيد من الأرواح.
وتأتي هذه الحملة وغيرها ضمن سياق تصعيد إعلامي يتبعه النظام السوري في الآونة الأخيرة؛ إذ يبدو أن توجيهات الأسد جاءت بالتركيز على حربه في «الفضاء» مدركًا أهميتها، رغم ثقته بأن «الاعلام لا يتفوق على الواقع» في النهاية. وتحمل هذه الحملات في شكلها وأسلوبها شبهًا كبيرًا بحملات كانت قد أطلقتها جهات معارضة سابقًا، كان آخرها «ارفع صوتك من أجل سوريا». ويبقى الاختلاف الجوهري الذي دفع المعارضة لرفض هذه الحملات هو تناقضها في تهليلها للطغاة ورفضها الغزاة. كما يستغرب متابعون للحملة استمرارها بعد إعلان النظام قبوله التسوية بوضع أسلحته الكيماوية تحت رقابة دولية، إذ ينتظر أحد المتابعين لها أن تتحول لحملة «على أجسادنا لن تأخذوا الكيماوي».