{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.. من مذكرات معتقل

  • 2013/09/17
  • 1:44 م

عنب بلدي – العدد 82 – الأحد 15-9-2013
بيلسان عمر – داريا
14
نسمع كثيرًا كلمة «الدعاء» دون أن نعي أحيانًا كل ما تخبئه هذه الكلمة في داخلها من نور يضيء درب كل من يلمسه. فالدعاء صلة وارتباط شبه لحظي بالله، وأكاد أجزم بأنه المتنفس شبه الوحيد الذي نلجأ إليه في عتمة زنزاناتنا، نصل به إلى حالة روحانية يصبح فيها الله أخًا وصديقًا وأبًا وصاحب أسرار وخليلًا نبوح له بما لا نبوح به لأحد غيره، نخاطبه كيفما نشاء بمفرداتنا البسيطة وعباراتنا غير المنمقة كي تعجبه، فهو لا ينظر إلى الأشكال.
كنا كلما راودنا طيف اليأس في زنزاناتنا عدنا إلى الدعاء، وذكّر أحدنا الآخر بقول الباري {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} غافر60، وقوله تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} البقرة186، وكلنا يقين وثقة بأن {فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي} هما مفتاحا الدعاء وكلمتا مروره، فهذا لا يعني أننا لا نخطئ، أو أننا مثاليين في كل شيء، ولكن الاستجابة لله بأن نكون أوّابين إليه دائمًا رغم ما يعترضنا من مواقف في حياتنا، ثم {وَلْيُؤْمِنُواْ بِي} وبقدرتي وإمكانيتي على قول «كن فيكون» ولتتغلغل جذور الإيمان بأنه تعالى القادر على سحق أطغى الطغاة وعلى فك قيودنا وحل كل ما يعترضنا من مشكلات، حينها اطلب ما شئت تُعطى.
نداوي جراحنا بهذه الكلمات، ونتعلم أن نطلب منه كل ما نريد، بل وأكثر أن نكون لحوحين في الدعاء، فكذلك يحبنا الله، لم نكن نخجل من سؤاله مرة ولا ألف مرة، كنا ندعوه بكل موقف، ونستحضر كلماته بكل لحظة، عند الصلاة والسجود، قبل النوم وعندما نستيقظ، وكلما مررنا بموقف شعرنا فيه بالتخبط كنا نلتجئ له وحده بالدعاء، ونعطي لأنفسنا لحظات من الهدوء وندعوه، ودون أن نشعر بأننا نثقل عليه، فهو ليس مثلنا وإنما نحن نطمح أن نصبح مثله.
حدثني صديقي سالم، معتقل مثلي منذ سنتين، ومكث في المنفردة وحيدًا ما يقارب شهرين متواصلين، أنه شعر بيد الله تمسك بيده وهو في «المنفردة»، لكم أشعرني حديثه بالرهبة والرغبة بأن أكون كذلك، بعد أن كنت وبكل صراحة أتحسر على نفسي وأقول «يا ليتني كنت ترابًا»…و «ليتني كنت نسيًا منسيًا»…آلمني شعوري بالتقصير اتجاه خالق يمدّ يده ليمسك بأيدينا، ثم تابع لي سالم يومها «الدعاء ليس كمصباح علاء الدين السحري، لأنه قائم على اتخاذ الأسباب، وليس من الخوارق، فأي إنسان مهما كان يمكنه فعل الأسباب، وسيحظى بما لا يستطيع المارد ولا مصباحه منحه إياه.
تعلمت من صديقي ألا أملّ من الدعاء في كل المواقف، وألا أسمح لليأس يتسلل إلي إن تأخرت الإجابة، وأن أعود إلى «السببية»، بعيدًا عن «التواكل»، فكما يحبنا الملك الباري أن نلتجئ إليه بالدعاء، فكذلك يحب أن يرى ردة فعلنا حيال تأخر الرد، بل ويريدنا أن نستجلي الحكمة من كل موقف، حتى ولو تأخرت الإجابة ليوم تشخص فيه الأبصار، ولنا في آيات القرآن عبرة، حيث نجد في بعض الآيات المتعلقة بالدعاء بأن الإجابة قد تتأخر، وتكون للذين يصبرون ويثبتون-وربما تأتي على آخر نفَس كما في مفهومنا- {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ} هنا جاءت الإجابة و{جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } يوسف110.
ثم أخبرت صديقي –سالم-، ومع ذلك هناك مواقف لا نجب فيها إلى ما ندعو، ولا ندرك السبب، وبكل الأحوال فلا زلت أتعلم، فادع لي…

مقالات متعلقة

فكر وأدب

المزيد من فكر وأدب