عنب بلدي – العدد 82 – الأحد 15-9-2013
أمل الشام
عليك أن تدرب نفسك على تجاهل جثثٍ ملقاة على قارعة الطريق في وضح النهار، أن تتعلم كيف بإمكانك أن تشيح بنظرك عن جثة رجل مكبل اليدين مثلًا، أو مصاب برصاص قناص في الرأس، أن تتناسى أنه كان لهذه الجثة فيما مضى حياة وتاريخ وذكريات وأحبة وأطفال وضحكات وغصات…
تجاهل إنسانيتك بالكامل فأنت تمر على اوتستراد الأربعين أو (شارع الموت) كما يحلو لسكان ريف دمشق الغربي تسميته، أنتَ الآن لست أكثر من جثة على قيد الحياة، تمر عبر مربع الموت، جثةِ قد تلقى على الأرض لأيامٍ، بينما تمرُ حولها جثث أخرى لم تأت لحظتها بعد.
المارة خائفون من مجرد النظر لها، لأن الشجعان ليسوا هنا، لقد اختاروا أن يكونوا في الأراضي الحرة، هناك ليس ببعيدٍ عنا، هناك من يغامر لسحب شهيد غير عابئ برصاص القناص، يخاطر بحياته لإخراج جثة من تحت الأنقاض، فلا يفكر بقذيفة غالبًا ما تتبع الأولى بعد زمن قصير، لتحصد ما تبقى الأرواح.
إن كنت ممن اختار البقاء هنا، سلّم بطاقتك الشخصية لوحوش الفرقة الرابعة -كما يسمون أنفسهم- انتظر مصيرك، إن كنت من أبناء داريا أو معضمية الشام أو غيرها من المناطق الثائرة، ستكون فرصتك أكبر في الاعتقال أو حتى التصفية، ابتسم لعدوك لا خيار أمامك سوى الابتسام..!
وأنت تنتظر مصيرك، بإمكانك الاستماع إلى أصوات القذائف بوضوح، وهي تدك ما تبقى من البلدات الثائرة من الغوطة الغربية، قد تقاطعك رصاصة قناص، لا تعبأ لصوت أزيزها فوق رأس أحدهم، لأنك قد تكون التالي، أو لن يتسنى لك أن تسمع الأزيز فتصيب منك مقتلًا، لا تحذر فالحذر ليس مجديًا في هذه المواقف، ولا تنكمش على نفسك، لتأخذ حيزًا أضيق من المكان، بل استرخي مسلمًا نفسك لواحد من المصيرين، الموت أحلاهما حتمًا، افرح قد تنجو، ويعطيك الموت متسعًا من الوقت، أو قد يعطيك السجان فرصة قد لا تتكرر لاحقًا لشبه حياة خارج القطبان.
ولمن لا يعرف أوتستراد الأربعين، هو الطريق الرئيسي الواصل بين دمشق وريفها الغربي وصولًا إلى القنيطرة، ولو أن حجارة هذا الطريق تنطق.. لتحدثت كم من مسافرٍ من أبناء ريف دمشق الغربي، قصد منزله فكان الموت أقرب.
الحرب، تطحن برحاها من تطحن دونما أدنى اعتبار لأي منهما.