صانع الفرح شهيد الشهيد أيهم السلوم
عنب بلدي – العدد 82 – الأحد 15-9-2013
لارا المحمد
لم يكن يعلم ماذا ينتظره حينما حزم حقائبه، وأدار مفتاح السفر في ثقب روحه ليدير القفل على قدرٍ لم يكن يترقّبه أبدًا. جمع أماني الفرح وأحلام الطفولة في قلبه، وحمل مع رفاقه كيسًا ملؤوه بسكاكر الفرح الملونة، وبالونات البهجة الغضّة كأعمار هؤلاء الأطفال الذين كانوا ينتظرونهم على أعتاب خيام النزوح.
غادر أيهم السلوم ورفاقه مدينتهم الحرّة كفرنبل وهم مفعمون بأمل الوصول إلى مخيم باب السلامة ليشاركوا رفاق الدرب هناك ممن يعملون في منظمات الدعم والإغاثة عملهم، خلال أيامًا مليئة بالأنشطة والمرح الطفولي التي أرادوا لها أن تكون نافذةً مورقة يطلّون من خلالها على ألق الذاكرة في ماضيهم القريب، وليشاركوا أطفالنا السوريين هناك طفولتهم المسروقة، فتكون تلك الأيام التي رسموا عليها بشائر غدٍ ملوّن، وملامح أمسٍ ممطرٍ، وهواجس حاضرٍ مقهور، ليشاركوهم فسحةَ أملٍ بدّدوا شحوبها بإراداتهم القوية، وطفولتهم الواعدة.
انضموا هناك إلى السوريين النازحين الذين تماهت آلامهم وتوحّد صبرهم، والذين يحاولون رغم كلّ معاناتهم ووجعهم أن يخلقوا لأنفسهم عالمًا حيًّا مليئًا بالصمود والتحدّي لكلّ القهر والضيق الذي يلاحقهم هنا. هاهم يحوّلون قلق اللحظات وهمّها إلى فرحٍ لن يستطيعوا اغتياله بقصفهم ودمارهم.
تجوّل أيهم بين الخيام يوزّع للأطفال ألعابًا وسكاكر ملونة بابتسامةٍ صادقة بيضاء لا تفارق وجهه. نفخ معهم بالونات الأمل كما كان يكتب عليها ويسميها، وعلقّوها سويًا على أبوابِ خيامهم العابقة بطفولتهم. ثمّ تجمّعوا في ساحة المخيّم على أصوات المرح الطفولي ليصنعوا معًا احتفالهم وعلى مدى أيام ثلاثة.
أيهم الملقّب بصانع الفرح قرر أن يمنح روحه وضحكته وقلبه للأطفال السوريين بعد أن سرق الموت إخوته الصغار في قصفٍ همجيّ أسود. أحرقته دموع والدته، ووجعها واضطرابها. وأهلكت روحه صرخاتها كل ليلةٍ وقد استيقظت من كوابيس الذاكرة والذكريات مع أطفالها. حمل أيهم دموع أمه وألمها وصيةً أبدية على كاهله، وقرر أن تكون حياته كلها مرهونة لسعادة الأطفال الذين حوّلت الحرب طفولتهم إلى صحارى. لكنّ أيهم الذي كان ينتقل من مكان إلى آخر حاملاً معه سلّة الفرح والأحلام، كان يحوّل تلك الصحارى إلى واحات رهيفة. كانت الأماكن التي يزورها تفوح بالأمل والحياة. كانت تمتلئ بوجوه الأطفال الفرحة والمبتهجة لتترك ذاكرة مليئة بلحظات مشرقة بديلة للذاكرة المهترئة التي تركتها قذائف الهاون وصواريخ السكود. لكنّ صانع الفرح هذه المرة لم يتمكن من أن يحمل سلته ليذهب بها إلى بقعة جريحة أخرى لأنّ الموت داهمه وهو في طريق عودته إلى قريته المحررة. رصاصةُ قناص غادرة اخترقت قلبه النابض بأحلام الطفولة فأردته صريعًا في دمائه المشبوبة بوجه كل طفلٍ رسم على وجهه ضحكة أو فرحة يانعة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :