نداءات “خرج ولم يعد” تتكرر كثيرًا.. أين يختفي أهالي درعا؟

  • 2017/01/01
  • 1:08 ص
حاجز للمعارضة في درعا (إنترنت)

درعا – محمد قطيفان

تفاقمت الفوضى التي تعيشها مدن وبلدات محافظة درعا على مختلف الأصعدة، فمع تردي الواقع الأمني وانتشار عمليات الاغتيال وزرع العبوات الناسفة للعناصر والقيادات العسكرية بشكل شبه يومي، برزت إلى الواجهة مؤخرًا ظاهرة أكثر تعقيدًا وغموضًا، فباتت درعا تنام وتستفيق على نداءات مساعدة يوجهها الأهالي، عنوانها “خرج لم ويعد” للمساعدة بالبحث والكشف عن مصير أبنائهم، الذين يغادرون منازلهم في ظروف عادية ويختفون فجأة.

لم تعد رقعة الفوضى وانعدام الأمن محصورة في بقعة جغرافية محددة من محافظة درعا، فعمليات الاغتيال وقطع الطرقات، أصبحت ممكنة الحدوث في أي منطقة وفي أي وقت، وعلى الرغم من عشرات النداءات التي وجهها الأهالي والفعاليات المدنية، للفصائل العسكرية بضرورة ضبط الأوضاع الأمنية، ونشر الحواجز في الطرقات، إلا أن هذه النداءات لم تقابلها مشاريع أمنية جادة، حتى اليوم، لتكتفي الفصائل بتكثيف حواجزها في مكان ما، لأيام معدودة، قبل أن تعود الأمور إلى سابق عهدها من جديد.

ومنذ توسع سيطرة المعارضة على مدن وبلدات محافظة درعا، عجزت الفصائل العسكرية، على الرغم من كثرتها، عن ضبط الأمن ومنع جرائم الخطف بشكل خاص، وهو ما كاد يجرّ المحافظة بأكملها نحو مواجهات عسكرية كبيرة في أكثر من مناسبة، لا سيما في الفترة التي تصاعدت فيها وتيرة الخطف والخطف المتبادل بين الأطراف المسلحة في محافظة درعا ونظيرتها في محافظة السويداء، والتي باتت معظم الحالات تتحول لعملية خطف من هذا الطرف يقابلها خطف في الطرف المقابل، وتنتهي بتبادل المخطوفين من كلا الطرفين، ما دفع وجهاء المحافظتين لبذل جهود للحد من هذه الحالات ومنع انجرار جميع الأطراف لما هو أكبر.

الجهود الكبيرة التي بُذلت للحد من عمليات الخطف بين درعا والسويداء، لم تقابلها ذات الجهود داخل درعا نفسها، لتستمر حوادث قطع الطرقات والسرقة والخطف بين الحين والآخر، دون قدرة على مكافحتها نهائيًا.

لكن ما ظهر مؤخرًا وزاد من “سوداوية” المشهد، حوادث الاختفاء المفاجئ، أو التغييب القسري، التي رصدت العشرات منها في فترات زمنية قصيرة.

لم تكن قصة اختفاء محمد السعدي، من بلدة الطيحة في ريف درعا، إلا واحدة منها، إذ التقت “عنب بلدي” بمنصور السعدي شقيق محمد، وأوضح أن شقيقه وعائلته يقيمان في ريف القنيطرة ويتنقل بشكل دائم بين ريفي درعا والقنيطرة، مضيفًا “شقيقي يعمل على سيارة لنقل الخضراوات أو الأثاث وغيرها ويتنقل في كثير من المناطق، ويعبر من خلال حواجز الجيش الحر دون أي مضايقات”.

ويُعتبر محمد، بحسب شقيقه، من الأهالي المدنيين، فهو لا يحمل سلاحًا، وغير منتسب لأي فصيل عسكري، “شخصيًا نصحته أكثر من مرة أن يحمل سلاحًا معه لحماية نفسه أثناء تنقله، فدائمًا نسمع عن حوادث الخطف والسرقة على الطرقات، لكنه دائمًا كان يرفض”.

مخاوف منصور وقعت “مع الأسف”، إذ خرج محمد، في أوائل تشرين الثاني الماضي إلى عمله كالمعتاد، لكنه لم يعد أبدًا، وأضاف منصور “في ذلك اليوم أبلغتني زوجة أخي مساءً، أن محمد على غير العادة، لم يعد من عمله”.

انتظر منصور حتى الصباح، قبل أن يبدأ رحلة البحث الصعبة عن شقيقه، ولخصها بقوله “بحثٌ دون فائدة، سألت المارة بالطرقات، محلات التصليح، المشافي، والجميع دون أي فائدة، حتى ذهبت إلى جميع الحواجز التي تربط المناطق المحررة بمناطق قوات الأسد، وأكدوا عدم مرور شخص بمواصفات أخي”.

توجه منصور نحو المخافر الثورية في المنطقة، وقدم بلاغًا بفقدان أخيه وزودهم بصورة له، “لا أعلم ماذا بإمكان المخافر الثورية أن تفعل، إن كنا لا نعلم هل اختطفه أحد، أم اعتقله فصيل ما، أم قُتل ودُفن”، وختم منصور حديثه بتحميل جزء من مسؤولية غياب شقيقه على فصائل المعارضة ، “لا أضع المسؤولية الكاملة على أحد، ولكن عدم تكثيف الحواجز على جميع الطرقات، والتفتيش الدقيق لكل المارين عليها، وعدم التنسيق بين الحواجز، يدفع نحو الفوضى وانتشار المجرمين، ليس في حادثة اختفاء شقيقي فقط، بل غيرها الكثير”.

ومنذ ذلك الوقت تنتظر عائلة محمد أي خبر عنه.

وعلمت عنب بلدي من مصدر إعلامي متابع لقضايا المختفين، أن عدد حالات الاختفاء والتغييب القسري، خلال شهري تشرين الأول وتشرين الثاني الماضيين، بلغ 27 حالة في محافظتي درعا والقنيطرة، وأن هذا العدد لا يتضمن المخطوفين ممن يتواصل الخاطفون مع ذويهم لطلب الفدية، ولا يتضمن العابرين لمناطق قوات الأسد ممن يرجح اعتقالهم من قبلها.

وأضاف المصدر أن العدد قد يكون أكبر نظرًا لعدم القدرة على إحصاء جميع الحالات، معقبًا أن حالات اختفاء قسري قديمة، كانت تنتهي بالعثور على جثة المختفي مدفونة في مكان ما، وهو ما يؤكد تعرضه للخطف والقتل.

ولم يستبعد أن تكون أجهزة أمنية تتبع لفصائل المعارضة المسلحة، متورطة في هذه العمليات، على الرغم من نفيها الدائم لها، مرجحًا أن يكون القتل بقصد السرقة، هو الدافع خلف معظم حالات الاختفاء.

لم تعد حوادث الاختفاء والتغييب القسري جديدة على المشهد السوري الأسود، فقد كانت الأفرع الأمنية التابعة لقوات الأسد السبّاقة في هذا المجال، ودفع تصاعد حوادث الخطف والاختفاء مع بداية الثورة، بعض الناشطين إلى تشكيل مجموعة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي حملت عنوان “مفقودون وشهداء مجهولو الهوية”، عملت في مختلف المحافظات السورية على توثيق هذه الحالات والعمل على نشرها والمساعدة في البحث عنها.

ولكن التصاعد الكبير في الأحداث والظروف المعقدة التي أحاطت بكثير من المناطق في سوريا، حد من عمل الناشطين المهتمين بهذا المجال بدرجة كبيرة، لتبقى حوادث الاختفاء لغزًا محيرًا، في درعا وغيرها من المحافظات، فأين يذهب هؤلاء؟ ومن يقف خلف تغييبهم؟ وهل ستبقى هذه القضية دون حل؟ ألم يحن الوقت ليتصدى أحدهم لهذا الثقب الأسود الذي بات يبتلع أهالي درعا؟

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع