إدلب – طارق أبو زياد
داخل أحد المقاهي في مدينة إدلب، وعلى أنغام قرقعة ماء “النرجيلة”، وصوت حجر النرد المتطاير على خشبة طاولة الزهر، أوقف “أبو عبدو”، الرجل الخمسيني لعبته بصعوبة كبيرة، متحدثًا عن سهراته شبه اليومية، التي يقضيها داخل المقهى.
“أصبحت في الخمسين من عمري، وغدت الحياة مملة، ما دفعني لارتياد المقهى بشكل متكرر للعب الطاولة مع أصدقائي”، قال أبو عبدو لعنب بلدي، بينما يرمي حجر النرد صارخًا “شيش بيش”.
تتنوع أحاديث رواد المقاهي في إدلب، فمنهم من يتحدث عن الأوضاع الاجتماعية والسياسية، وآخرون يجدون فيها ملاذًا “لإزالة الهم”، يتابع الرجل الخمسيني “فضفض قلبك وشراب شاي كلنا بدنا نموت، ليكنا ختيرنا وما عاد فينا نتحمل الشغل، خلص دورنا وإجا دور ولادنا”.
يعتبر أبو عبدو نموذجًا عن بعض كبار السن في مدينة إدلب، والذين يقضون أوقاتهم الطويلة في الجلوس والحديث مع من هم في عمرهم، والمقاهي “هي المكان الأمثل لكي تعيش هذه الأجواء”.
المقاهي غدت لكبار السن
عنب بلدي تحدثت إلى محمد السعيد، مالك أحد المقاهي النادرة حاليًا في مدينة إدلب، واعتبر أن المقهى “أساسي في أي منطقة مدنية”، مشيرًا إلى أن المقهى التقليدي الذي كان يعج بالشباب ورجال الحي والحكواتي، “لم يعد موجودًا لغياب مرتاديه الأصليين فمشاغل الحياة تغيرت، واقتصر اليوم على كبار السن، الذين يعتبرونه ذكرى من مرحلة الشباب”.
تنتشر المقاهي والصالات الترفيهية (الكافتيريا) في مدينة إدلب، وتعتبر الأخيرة الأكثر انتشارًا، إذ تضم نشاطات متعددة لتستقطب الشباب، كشاشة عرض المباريات الرياضية، وألعابٍ متنوعة أبرزها: “البلياردو” وطاولة “البينغ بونغ” ولعبة “الفيشة”.
“الكافتيريا” تستقطب الشباب
محسن بطيش، شاب من مدينة إدلب، يرتاد صالات التسلية باستمرار، وقال لعنب بلدي إن المقاهي “لم تعد مرغوبة، لأن الحياة تطورت”، فغدت صالات الترفيه وصالات الرياضة واللياقة البدنية بديلًا لها، مشيرًا “في حيّنا صالة يتجمع داخلها عشرات الشباب يوميًا للعب والتسلية”.
ووفق من استطلعت عنب بلدي آراءهم في المدينة، فإن لعبة “الفيشة” (كرة القدم المصغرة)، تعتبر الأكثر جذبًا للشباب، “لما فيها من متعة وتطوير للمهارات”، وفق بطيش، إذ تقام مباريات حقيقية بينهم، يطلق خلالها المشاركون أوصافًا على اللاعبين، كسريع البديهة والمخادع وغيرها.
أما الألعاب الأخرة كـ “البلياردو”، و”البينغ بونغ”، فتحتاج لدقة عالية وهدوء وفن، باعتبارها ألعابًا حركة وتتطلب جهدًا.
ويتخوّف عددٌ من الشباب من سطوة الهيئات الشرعية والفصائل الإسلامية، التي تعتبر هذا النوع من الألعاب مضيعةً للوقت، وهو ما دفع لغياب مظاهر “النرجيلة” من عددٍ كبيرٍ من المحلّات وانحسار بعض الألعاب في المنازل.
لعبة “الشَّدة” تقتصر على المنازل
لم تغب لعبة الورق “الشدة” عن مدينة إدلب، إلا أنها اقتصرت على اللعب داخل المنازل، وعزا الشاب كرم حوري، وهو نازحٌ من مدينة حمص، السبب “لما فيها من مشاكل كالصراخ والمراهنات، وقد يصل الحال إلى التلفظ بألفاظ الكفر”.
وأشار حوري لعنب بلدي، أن اللعبة، تعتبر من المحرمات، إلا أن الشباب يلعبونها ضمن الضوابط التي لا تسيء لأحد، خارج نطاق المقاهي والصالات الترفيهية تلافيًا للمشاكل.
ويعود تراجع نشاط المقاهي في الأماكن العامة، وفق رؤية أهالي إدلب، إلى الحال الذي تعيشه المدينة في ظل القصف، بعد أن كان نشاطها الكبير ليلًا.
واعتبر جواد الحموي، وهو نازحٌ من مدينة حماة ويقطن في إدلب، أن زوار المقاهي “حُصِروا بمن يعيش بالقرب منها”، بينما رأى آخرون أن زيارتها تستوجب المساءلة من قبل الجهات المسؤولة عن المدينة، متثملة بالهيئات التابعة لـ”جيش الفتح”.
رغم أن شباب سوريا اعتادوا ارتياد المقاهي قبل عام 2011، إلا أنها لم تعد مقصدًا مرغوبًا ضمن مناطق سيطرة المعارضة، وبينما شهدت السنوات الماضية افتتاح مقاهٍ ومطاعم جديدة في مناطق سيطرة النظام، اعتمد عليها قلّة في المناطق “المحررة”، كنوع من الاستثمار في مكان مزّقته الحرب.