منصور العمري
يقول الكاتب الفكاهي الأمريكي فينلي دان إنّ “مهمة الصحف مواساة المنكوبين ونكب المرتاحين”. ربما تندرج الراحة التي تنعم بها الأمم المتحدة في سوريا بلا تغطية إعلامية نافذة لعملها هناك، ضمن تعريف فينلي.
ابتداءً بكنس رصيف في كلية الآداب بحماة، وليس انتهاءً بكثير من المشاريع في مختلف المجالات، بما فيها البنى التحتية والمشاريع الفردية، ينفذ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أعماله في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، وطبعًا بشروط نظام الأسد. يأتي تمويل هذه المشاريع وأعمال الأمم المتحدة في سوريا من تبرعات دول الغرب ودول الخليج وغيرها. لكن الأمم المتحدة لا تعمل إلا بموافقة الأسد وفي مناطقه.
تتلقى الأمم المتحدة أيضًا تبرعات سنوية ضخمة من خلال مؤتمر المانحين الدولي لدعم الوضع الإنساني في سوريا، وتوجهها لدعم أعمالها في سوريا والدول المجاورة. ولكن عن أي سوريا نتحدث هنا؟ هي سوريا الأسد، التوصيف الذي يحلو لمؤيديه، وهذه الأموال تشكل معونة لهذا النظام الذي لم يترك جريمة حرب إلا واقترفها بحق من يدّعي تمثيلهم في الأمم المتحدة. بل وصل الأمر إلى استغلال نظام الأسد لقاحات الأطفال كسلاح ضد المدنيين في مناطق المعارضة، من خلال حرمانهم من هذا اللقاح، إن لم يستجدوه في مناطقه، وغيره من استخدام نظام الأسد لمقدرات الأمم المتحدة في دعم آلته العسكرية لارتكاب جرائم حرب. فهل نستطيع القول (اختصارًا للوقت وللكلمات) إن الأمم المتحدة موّلت جرائم حرب في سوريا؟ بدعمها لمؤسسات عسكرية سورية، وانتهاء معونتها الغذائية وغيرها على موائد مرتكبيها.
توفر صفحة فيسبوك لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي كمًا هائلًا من المعلومات حول هذه المشاريع:
https://www.facebook.com/UNDP.Syria/
ويوفر هذا الرابط مثلًا عرضًا مفصلًا للتبرعات الأمريكية إلى مختلف مكاتب الأمم المتحدة عام 2015:
https://www.state.gov/r/pa/prs/ps/2015/09/247115.htm
قد يرى البعض، مفارقة في طرح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لفكرة توعية طلاب كلية الآداب بحماة بأهمية النظافة! أليس من المفترض أن تُوجه هذه التوعية إلى فئات مجتمعية أخرى غير طلاب الجامعات! قد يرى آخرون أن البرنامج الإنمائي بدأ يستقي أفكار مشاريعه من خبراء نظام الأسد المعهودين الذين أداروا البلاد لعشرات السنين وأوصلوها إلى ماهي عليه اليوم. تنفذ طبعًا بقية وكالات الأمم المتحدة برنامج ومشاريع أخرى في مناطق نظام الأسد حصرًا.
لا خلاف على ضرورة العمل الإنساني ومساعدة المدنيين في أي مكان على الأرض السورية، في ظل انهيار الاقتصاد وظروف الحرب، ولكن ماذا عن المدنيين في مناطق غير خاضعة لنظام جرائم الحرب في سوريا؟ لماذا تصرّ الأمم المتحدة على كل هذا الدعم لنظام الأسد، ولا تقدم شيئًا للمنكوبين في مناطق المعارضة، وتتذرع بخوفها من تعطيل نظام الأسد لعملها في مناطقه.
تقبع سوريا في المتربة 154 من 168 في تصنيف منظمة الشفافية الدولية للفساد لعام 2015، ويعلم كثير مدى فساد نظام الأسد ومؤسساته وتلاعبه بالقوانين. فهل هناك شفافية في تنفيذ هذه المشاريع الأممية بالتعاون مع الحكومة السورية وبشروطها؟ ما هو حجم الفساد في هذه التعاون؟ وكم منه يصب في صالح آلة الأسد العسكرية؟ وهل هناك من يتقصى قانونية المناقصات التي تطرحها برامج الأمم المتحدة؟ وغير ذلك.
لا تنتهي فضائح الأمم المتحدة في سوريا، وتُنشر في كبريات الصحف الدولية، ويكون رد الأمم المتحدة هزيلًا بقدر شفافية عملها في سوريا، في تجاهل مؤسف لمبادئها الإنسانية المفترضة.
لماذا لا تشترط الدول الداعمة توجيه أموالها بما يشمل جميع السوريين دون تمييز على أساس الرأي أو الموقف السياسي. ألا يمكن للولايات المتحدة أو الكويت مثلًا، أن تطلب من الأمم المتحدة توضيحًا مفصلًا وشفافًا لمناطق عملها وكيف تبرر هذا التناقض الكبير بين عملها مع نظام الأسد ومبادئها الإنسانية في عدم التمييز بتقديم المساعدة، أو الانحياز لطرف دون آخر؟ ألا تستطيع الدول المانحة متابعة مصير أموالها في أيدي الأمم المتحدة، بفرض رقابة من نوع ما؟ هل فعلت الأمم المتحدة شيئًا لمعالجة هذه الفضائح الأخلاقية؟ هل عملت الأمم المتحدة على مقترحات لحلول بديلة مثلًا؟
لا يبدو أن مجمل عمل الأمم المتحدة يخضع لقوانينها الإنسانية المفترضة أو أخلاقيات العمل الإنساني. لذا لا بد من تسليط أكبر قدر ممكن من الضوء على نشاطات الأمم المتحدة بسوريا، على أقل تقدير.
تكتمل أركان الجريمة فقط، إن لم يسمع أحد بها
لا مبرر لتقصير الإعلام السوري في تغطية أعمال الأمم المتحدة في سوريا. ربما تحمل المؤسسات الإعلامية الدولية والعربية اتجاهات واهتمامات خاصة بها أو بمموليها، ولكن ما هي اتجاهات ووظائف الإعلام السوري؟ أليست متابعة الشأن السوري تحديدًا وتغطيته بالدرجة الأولى؟
يفترض ألا تكون تغطية أعمال الأمم المتحدة في سوريا على قدر كبير من الصعوبة. إذ أنه يمكن التواصل مع مكاتب الأمم المتحدة الصحفية، والاستفسار عن مشاريعها بشكل مستمر، وطلب معلومات واحصائيات وصور وفيديوهات…إلخ. كما يمكن تطبيق المبادئ الصحفية في المراسلة مع الهيئات الرسمية بمختلف مراحلها.