عنب بلدي – الغوطة الشرقية
تعمل مديرية الدعوة والإصلاح الاجتماعي (الحسبة) في الغوطة الشرقية، منذ قرابة عامين، تحت مظلة القيادة الموحدة، والتي غدت اليوم متمثلة بفصيل “جيش الإسلام” وحده، بعد الاقتتال الأخير بين الفصائل. ويرى سكان الغوطة في عملها بعض الفجوات التي يجب إصلاحها والنظر إليها بعين الاعتبار، وتتجلى معظمها بتعامل الأفراد العاملين في المديرية مع الأهالي.
تصف المديرية نفسها بأنها مؤسسة علمية دعوية إصلاحية، تدعو إلى الأمر بالمعروف، ومنذ أن تأسست بجهود القيادة الموحدة وأهل العلم في الغوطة عام 2015، تتعاون مع القضاء والشرطة في موضوع تنفيذ الأحكام القضائية والإحضار للمخالفين أو المتخاصمين.
الحسبة هيئة دينية في الأنظمة الإسلامية الأولى، كان الحاكم يعينها ويوكل إلى أفرادها مهمة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.
وكانت تعتبر صيانة للمجتمع من الانحراف، وحماية للدين من الضياع، وتحقيقًا لمصالح الناس الدينية والدنيوية وفقًا لشرع الله تعالى، حسب تعريفها الديني. وماتزال بعض الدول التي تستمدّ قوانينها من الشريعة الإسلامية تحتفظ بهذا الجهاز، كالمملكة العربية السعودية، التي تشهد محاولات من الحكومة لكف يد الهيئة عن بعض القضايا. |
19 مكتبًا تهربوا من تسمية “الحسبة”
تتوزع مكاتب المديرية في أرجاء الغوطة الشرقية، ورغم أن بعض المكاتب توقفت خلال الفترة الماضية في ظل اقتتال الفصائل العسكرية، يحاول القائمون عليها اليوم إعادة تفعيلها، وفق المدير العام للمؤسسة، راتب ناجي.
ويقول ناجي لعنب بلدي إن 19 مكتبًا للمديرية ينتشرون في مناطق مختلفة من الغوطة، أبرزها في دوما، وعربين، وبيت سوى، بينما توقف العمل بشكل مؤسساتي في مكاتب سقبا، وحمورية، وعين ترما، وزملكا، واقتصر العمل بدون مكاتب في ظل الاقتتال.
ويرى مدير المؤسسة، أنها “سلطة عليا لإصلاح المجتمع وتحويل الناس من الخطأ إلى الصواب بالحكمة”، موضحًا “لم نرضَ في ظل هذا الواقع تسمية مؤسستنا بالحسبة، فالكثير يجهل معناها، كما أن التيارات المتطرفة أظهرت مفهومها بشكل خاطئ ما انعكس سلبًا على المجتمع”.
تضم المديرية مكتب رئيس مجلس الإدارة، المؤلف من تسعة أشخاص، بينما يستقبل مكتب الديوان العام شكاوى المراجعين ويوجههم، وينظم مكتب الذاتية شؤون العاملين في المديرية، بينما تنصح مكاتب النصيحة والإصلاح المخالفين والمتخالفين بالحكمة، وفق ناجي.
مكتب الجولات في المديرية، مهمته النزول إلى الأسواق ونصح المخالفين من الأفراد والمؤسسات، كما يضبط مكتب الرقابة والتفتيش دوام العاملين فيها، ويتولى مكتب التحقيق والبحث العلمي، أمور المنشورات الدعوية.
وللمديرية مكتب نسائي مفعّل في دوما فقط، مهمته تقديم النصح في الوسط النسائي، بحسب تعبير ناجي، ويضم 15 امرأة، معظمهن يحملن إجازات جامعية في الشريعة، ويقمن بجولات على المعاهد المتوسطة والجامعات والمؤسسات وصالات الأفراح وغيرها من الهيئات.
ويقول مدير المؤسسة إن المكتب المالي، يتابع أمور رواتب العاملين في المديرية، وقدّر راتب العامل الواحد بـ 30 دولارًا (ما يقارب 25 ألف ليرة سورية)، بينما يتواصل المكتب الإعلامي مع الهيئات الأخرى، وهناك مكتبٌ للمشاريع.
يعمل 125 موظفًا في كافة المكاتب السابقة، 30 منهم في دوما لوحدها.
دور “رقابي” وبتّ في الخصومات
تستقبل المديرية شكاوى الأذيات والخصام، ويشير ناجي إلى أنه كما الشكاوى الجنائية من اختصاص الشرطة، وشكاوى بيان الحقوق للأحوال الشخصية والمدنية من اختصاص القضاء، هناك شكاوى تصلنا كمديرية دعوية، موضحًا أن المديرية تُبلّغ المدعى عليه لثلاث مرات بفارق أسبوع بين التبليغ والآخر، وبعدها توجه كتابًا للشرطة في الغوطة لإحضاره موجودًا.
“أحيانًا نكون نحن المدعين فنحضر مثلًا شخصًا كفر أمام الناس لنصحه”، يتابع مدير المؤسسة، مؤكدًا “ليس لدينا سجن ونقدم النصيحة للمدعى عليه، وإن لم يستجب يُحال من قبلنا إلى القضاء”.
وعن آلية محاسبة المخالفين من العاملين في المديرية، يوضح ناجي أن صندوق شكاوى المواطنين قرب مقر المديرية في دوما “مفتوح أمام الجميع، وربما يصل الأمر إلى فصل العنصر إن ثبتت عليه التهمة”، مؤكدًا “فصلنا ثلاثة عاملين في وقت سابق”.
ومن مهام المديرية ضبط مقاهي الإنترنت وصالات الأفراح والمناسبات، وفرض الرقابة على أسواق الخضار والألبسة، “لمعالجة الظواهر السيئة من خلال النصح”، بحسب ناجي، ولفت إلى أن أي نشاط ضمن المعاهد والمؤسسات وحتى الأعراس، “لا يتم إلى بعد الحصول على تصريح من المديرية”.
تجّار يحاولون التفاهم مع المديرية
– تعيش الغوطة الشرقية حصارًا مستمرًا منذ أكثر من ثلاث سنوات.
|
وشُكّلت لجنة مؤلفة من عشرة أشخاص، من مالكي المحال التجارية في سوق مدينة دوما، بعد موافقة قائد القيادة الموحدة الحالي، عصام بويضاني.
تُخاطب هذه اللجنة مديرية الدعوة والإصلاح بأمور تنظيم عمل السوق والشكاوى ضمنه، وفق عضو اللجنة، حسام أنس.
ويقول أنس إن اللجنة تشكلت بعد سجال طويل ونقاشات مع المعنيين، مضيفًا أن اللجنة “ناقشت أمورًا ترضي الطرفين، وأهمها توظيف امرأة من الحسبة لتكون مسؤولة عن غرفة قياس واحدة لكافة المحال في السوق، وتحصل على راتبها من أصحاب المحال”.
مواطنون لا يعتبرونها من الأولويات
لا يُنكر أهالي الغوطة الشرقية دور المديرية “المهم”، بنظرهم، إلا أن عنب بلدي استطلعت آراء البعض منهم، والعاملين في مجالات مختلفة، وتحدثوا عن رؤيتهم لعمل المديرية.
يقول تيسير كروان، مالك إحدى صالات الأفراح، إن أي حفل زفاف يوجب الحصول على إذن من المديرية، “يتعهد فيه مالك الصالة بالضوابط الشرعية، درءًا لوقوع المخالفات كالاختلاط أو تشغيل الأغاني”، مردفًا “أعتقد أن معظم أهالي مدينة دوما يتقبلون الأمر إلى حد ما أكثر من غيرهم، تبعًا لعاداتهم وطبيعتهم المحافظة”.
أما محمد بركات، الذي يملك محل ألبسة في حمورية، فيرى أن عناصر المديرية “ليس لهم وجود أو نفوذ هنا، فقط سمعنا عن عملهم في مدينة دوما”، معتبرًا أنه من الضروري وجود “جهاز يأمر بالمعروف، ولكن الناس ليسوا مهيئين الآن، فهو ليس من الأولويات التي نحتاجها”.
ويؤكد سمير سعيد، مالك محلٍ للألبسة في دوما، أن “المشكلة ليست في تطبيق شرع الله والأمر بالمعروف، بل في الأفراد الذين يدعون لذلك، بمنكر أشد وأعظم، فالسمة العامة لهم الفظاظة والغلظة”، مستدركًا “لكنني لا أعمم على الجميع”.
ووفق سعيد فإن بعض العناصر غدوا يتدخلون في أعمال المجلس المحلي، كإزالة الإعلانات الطرقية وغيرها، مشيرًا “اجتمعنا في السوق عدة مرات مع مدير المؤسسة لتذليل ومناقشة تلك التصرفات، ورغم التجاوب منهم إلا أن المشكلات لم تحل بعد”.
يعتقد تميم الشيخ، أحد أهالي دوما أنه لا يمكن نسخ نظام “الحسبة” قبل 1400 سنة، وتطبيقه على المجتمع في هذه الأيام “هذا لا يعقل ولن ينجح أو يلقى قبولًا إلا بتحديثه بما يتماشى مع متغيرات العصر والمجتمع والبيئة، بعيدًا عن معارضة النصوص الشرعية”.
ويرى القائمون على مديرية الدعوة والإصلاح، أنهم ابتكروا إضافة جديدة لما يسمى “الحسبة”، وهي الإصلاح بين المتخاصمين، من خلال المكاتب الفاعلة على الأرض، معتبرين أنهم يحملون عبئًا عن القضاء في مجال الصلح، ومؤكدين أنهم يسعون ليكونوا تحت مظلةٍ تضم الجميع، “ولا نريد أن نكون تابعين لفصيل معين دون آخر”.