عنب بلدي – مراد عبد الجليل
لم تتمكن الإجراءات المشددة من قبل تركيا على حدودها مع سوريا وشروعها في بناء جدار فاصل، من حدّ تدفق مئات السوريين إلى أراضيها بشكل غير شرعي، من خلال عمليات تهريب نشطت في الأشهر الماضية عبر ريف إدلب شمال سوريا.
وزادت عمليات “تهريب البشر” في الآونة الأخيرة، عقب وصول آلاف المقاتلين السوريين مع عائلاتهم نتيجة الاتفاقات مؤخرًا مع النظام السوري، بدءًا من مدينة الزبداني وداريا بريف دمشق وانتهاء بالأحياء الشرقية في حلب، الأسبوع الماضي.
ومما دفع السوريين إلى الدخول بطرق غير شرعية ودفع تكاليف تصل إلى مئات الدولارات، هو فرض الحكومة التركية “فيزا” على السوريين بداية العام الجاري، إضافة إلى حصر الدخول عبر المعابر البرية لطلبات معينة مثل لم الشمل والحالات الإنسانية و”الترانزيت”.م
خوفٌ من معركة إدلب وبحث عن الأمان
أسباب متعددة دفعت الكثيرين للمخاطرة والوصول إلى الأراضي التركية، على الرغم من التشديد الأمني المكثف للجندرمة التركية على طول الحدود، التي يبلغ طولها حوالي 800 كيلو متر، والذي أدى إلى قتل العديد من السوريين، كان آخرهم سبعة أشخاص مطلع كانون الأول الجاري.
ولعل أهم تلك الأسباب ما شاع مؤخرًا عن قرب شن النظام السوري وحلفائه عملية عسكرية كبيرة على إدلب وريفها والتحذيرات الدولية من ذلك، خاصة بعد سيطرته على شرق حلب.
نضال عبد الله، الذي وصل حديثًا إلى تركيا مع عائلته من إدلب عقب المصالحة في مدينة التل بريف دمشق، أوضح لعنب بلدي أن ظروف المعيشة الصعبة، والبحث عن الأمان ومستقبل أفضل لأولاده دفعاه للمخاطرة من أجل الوصول إلى تركيا.
من أين الدخول؟
الدخول إلى تركيا في العامين الماضيين كان من ريف اللاذقية، وريف إدلب، إلا أن طريق اللاذقية عبر اليمضية، الذي كان مقصدًا لمئات العائلات النازحة، بات صعبًا بسبب تقدم قوات الأسد إلى المنطقة خلال الأشهر الماضية وقصفها بشكل متكرر ورصد الطرق ناريًا.
ولم يبق أمام النازحين سوى الدخول من ريف إدلب ويقصده المئات يوميًا، بحسب الناشط الإعلامي، أحمد حاج بكري، الذي يقطن قرب طرق التهريب ويطّلع على الحركة فيها، إذ أكد أن ما يقارب 600 شخص يوميًا يحاولون العبور إلى تركيا، معظمهم من حلب وريفها وحماة، إضافة إلى النازحين الذين وصلو مؤخرًا من ريف دمشق.
الأسعار قد تتجاوز 1500 دولار
وتتفاوت الأسعار بين 250 و800 دولار للشخص الواحد، (الأطفال يدفع عن كل طفلين أو ثلاثة قيمة شخص واحد)، حسب المهربين الذين يتحكم بعضهم بالنازح الذي لا يعرف تكلفة العبور، في حين تستغرق المسافة بين ثلاث إلى ست ساعات مشيًا على الأقدام.
أما عمليات البحث عن مهرب فأصبحت أسهل من أي وقت مضى، بحسب عبد الله، الذي أكد أنه فور وصوله إلى إدلب، بدأت العروض تنهال عليه من عشرات المهربين الذين ينشطون بشكل كبير في أحياء المدينة وريفها.
ومن العروض التي تلقاها عبد الله، إيصاله مع أفراد عائلته الأربعة إلى داخل تركيا بـ 250 دولارًا للشخص، عبر طريق مختصر يستغرق ساعة ونصف مشيًا على الأقدام، دون اعتراض من الجندرمة التركية، إلا أن مسافة الطريق استغرقت سبع ساعات، وألقي القبض عليه في نهاية الطريق وأعيد إلى داخل الأراضي السورية، لتبدأ مرحلة استرداد المال من المهرب دون فائدة.
وبسبب إصراره على الدخول حاول مع مهرب آخر لكن بدفع مبلغ 450 دولارًا للشخص الواحد، بعد مشقة استمرت سبع ساعات مشيًا على الأقدام إلى مدينة أنطاكيا في داخل تركيا، قبل قدومه إلى اسطنبول، مؤكدًا أن كلفة وصوله بلغت 2850 دولارًا، شاملة كلفة المهرب و600 دولار أجرة الحافلة الخاصة التي أقلته من أنطاكية إلى اسطبنول، لتجنب المرور على الحواجز التركية خوفًا من إلقاء القبض عليه وإرجاعه مع عائلته أو أخذهم إلى المخيمات.
في حين أكدت منال أحمد لعنب بلدي، أنها حاولات وعائلتها الدخول عبر معبر باب الهوى بشكل غير رسمي بواسطة مهرب تكفل بإدخالهم مقابل مبلغ 3700 دولار لكنه لم يستطيع، لتدخل بعد ذلك عبر الحدود بواسطة مهرب آخر وكلفة مرتفعة وصلت إلى 900 دولار للشخص الواحد حتى للطفل.
وإلى جانب الأسعار المرتفعة تأتي مشقة الطرق الوعرة، وخاصة في الوقت الحالي نتيجة الأمطار، إضافة إلى عائق الجدار الفاصل الذي تبنيه تركيا على طول الحدود، لكن المهربين بدأوا بوضع “سلّم” للصعود، أو وضع كميات من التراب على الجانب السوري وتهيئته ليصبح على شكل مرتفعات بسيطة “طلعات”، بحسب الناشط أحمد حاج بكري.
معبر باب الهوى ينفي تزوير الدور
وتحدث ناشطون في الآونة الأخيرة عن دخول البعض إلى تركيا عبر معبر باب الهوى الحدودي، بتزوير أرقام “الدور” أو الدخول بشكل غير رسمي، عبر دفع مبلغ من المال يصل أحيانًا إلى 1500 دولار للشخص الواحد.
وللتأكد من ذلك تواصلت عنب بلدي مع مدير المكتب الإعلامي في المعبر، أبو جعفر، الذي اعتبر أن هذه الأخبار إشاعات وأحاديث يتناقلها أشخاص دون أصل، قائلًا إن “عملية تزوير الدور غير ممكنة أبدًا، لأن الأرقام متسلسلة وتنشر بشفافية عبر صفحة الموقع”.
كما استنكر أبو جعفر تطرق عنب بلدي لهذا الموضوع في الوقت الحالي، معتبرًا أن ذلك دليلًا على التحريض، خصوصًا بعد موجة الغليان التي شهدها الشارع مؤخرًا.
وكان المعبر أعلن عن مكافأة، في تموز الماضي، لكل من يساعد في كشف المهربين المتورطين بعمليات تسهيل دخول السوريين إلى تركيا بشكل غير شرعي، ما اعتبره ناشطون خطوة لمواجهة اتهامات بالرشاوى لعددٍ من العاملين في المعبر، ومحاولات لتزوير أرقام دخول السوريين إلى تركيا.
وقال عضو المكتب الإعلامي للمعبر آنذاك، عمار أبو ياسر، لعنب بلدي، إن إعلان المكافأة يأتي “للحد من عمليات النصب والتزوير، ولكثرة الضحايا من السوريين لهذا الأمر”، لكن “أبو جعفر” أكد أن ذلك كان “ينطبق على زيارة العيد”.
بعض النازحين “كبش فدا”
ولم تخلُ عمليات “تهريب البشر” من نصب واحتيال وكذب تعرض لها مئات النازحين، من قبل مهربين استغلوا حاجتهم للوصول إلى تركيا.
حاج بكري أكد أن ازدياد أعداد المهربين في الآونة الأخيرة فتح الطريق أمام عمليات النصب والاحتيال، فالبعض منهم لجأ إلى استخدام بعض النازحين “كبش فدا” من أجل غايات أخرى، كأن يقوم المهربون بإدخال عدد من النازحين عبر أحد الطرق، ثم إبلاغ الشرطة التركية لإلقاء القبض عليهم، وبالتالي انشغالهم عن الطرق الأخرى لتصبح خالية، فيُدخلوا أشخاصًا آخرين أو مواد مهربة مثل الدخان والآثار، فـ”المهرب مستعد أن يضحي بالعشرات من النازحين مقابل غايات كثيرة”.
في حين قال ماجد العلي، الذي عمل مهربًا في بداية الثورة في ريف إدلب الشمالي، إنه “في الآونة الأخيرة دخلت مافيات دولية في التهريب، لتقوم بأفعالها الشنيعة كالتشليح وسرقة الناس، ووصلت في بعض الأحيان للخطف من أجل تجارة الأعضاء”.
ورغم انتشار عمليات التشليح والسرقة على الشريط الحدودي، لم تستطع عنب بلدي التأكد من أقوال العلي، فيما يخصّ الخطف وتجارة الأعضاء.
عندما كان التهريب “إنسانيًا”
عمليات الاحتيال تؤكد تغير الأهداف الإنسانية للمهرب عن السنوات السابقة، بحسب العلي، الذي أكد أن التهريب في بداية الثورة أو في سنتها الثانية، كان له هدف نبيل وإنساني بشكل كبير، وهو مساعدة الهاربين من القصف لكي يصلوا إلى الأراضي التركية.
وأوضح العلي، أن الأمر كان سهلًا جدًا وعلى مرأى من الجيش التركي، وكانت تكلفة التهريب لا تتعدى الـ 500 ليرة سورية، إلا أن استخدام بعض ضعيفي النفوس التسهيلات التي قدمتها تركيا لتهريب أشياء ممنوعة كالآثار والدخان وغيرها، دفع الحكومة التركية إلى مراقبة التهريب وإيقافه، ليتحول بعد ذلك إلى مهنة مختلفة وأمر معقد وصعب، وتكلفة كبيرة وخطورة لا يستهان بها.
أغلقت تركيا الحدود البرية مع سوريا بشكل رسمي في آذار 2015، وعزت الإغلاق حينها لأسبابٍ أمنية، بعد عدة تفجيرات في مدن تركية، في حين قتل عشرات السوريين الذين حاولوا الدخول بشكل غير شرعي وسط تنديد من منظمات حقوقية محلية ودولية.