عبقرية بلال لـ عباس محمود العقاد
لا يبدو أن العقاد في كتابه عبقرية بلال، يتبنى ذات المنهجية التي تبناها في كتب العبقريات الأخرى، بحصره مضمونها عن الشخصيات التي حمل العنوان اسمها، وسير حياتهم، إذ خرج في كتابه هذا عن القاعدة، وتوسع خارج الإطار المرسوم له، ليناقشَ جزئية الرقّ والعبودية في كل من حقبتي التاريخ القديم والمعاصر.
وكعادته في التفتيش في التاريخ عن جذور الظواهر والمذاهب الاجتماعية، استحضرَ العقاد الأصول التاريخية للرق والاستعباد، وتدرُّجَ البشرية في قبول هذا الخرق في الميزان الفطري القائم على المساواة، ومن ثمّ استعرضَ كيفَ تحوّلَ الاستعبادُ فيما بعد إلى عرفٍ عام، و هدفٍ ووسيلةٍ لإذلال الشعوب المهزومة بالحروب، ومعاقبة الشّعوب الثائرة على الظلم ونظام الطبقات الاجتماعي، بعد القضاء على ثوراتها.
توزعت أفكار الكتاب بين مناقشة الرق والعبودية تاريخيًا وفلسفيًا، وعن العصور التاريخية الأبرز التي ازدهرت فيها ثقافة الرق والاستعباد بكثرة، سيما في فترة قيام دولة الولايات المتحدة الأمريكية وما رافق عملية إبادة السكان الأصليين من عمليات استعباد وإهانة لعِرقٍ بأكمله، إضافة إلى فترة ما بين الحربين العالميتين، والتي شهدت ارتفاعًا واضحًا في صوت الدعاوى العنصرية ضد الألوان الأخرى، و تطويع البحوث التاريخية والدين لتبرير هذه الدعاوى أمام الشعوب المحلية.
يعرّج الكتاب في بعض أجزائه على شخصية بلال، مسلطًا الضوء على تجربته الشخصية، في مرحلتين مختلفتين ومتناقضتين من حياة الرجل، بلال العبد الذي يعملُ خادمًا لدى أمية الظالم، ويتشربُ مفاهيم العبودية التي لا يلوحُ بالأفق غيرُها، وبلال الحرّ مؤذن الرسول، الذي أسلمَ إيمانًا بالمبدأ وليس طمعًا في حريته، وليعش لاحقًا في ظل نظام اجتماعي عادل، انتصف له من شخصيته السابقة، ومنحه فرصةً للقيادة واتخاذ القرارات عن المجتمع، هو الذي كان لا يستطيعُ تناول الطعام دون إذن أمية قبل أن يصيرَ حرًا، ويصيرَ بلال الذي يؤمن بمفاهيم الحرية والمساواة، وأحد الرقباء على أحد الولاة فيما بعد.
في كتابه وصفَ العقاد الجنس الأسود والزنوج، وأسهب في هذا الجزء حتى يستدل على أن بلال بن رباح لم يكن من الجنس الأسود الخالص، وإنما من جنس مختلط لأن صفات الزنوج لا تتماثل مع كامل صفاته، وقد تواردت جميع أخبار نسبه مؤيدة لكلام الكاتب، لأنه كان من أبناء الحبشة وهم سُمر البشرة، ويختلفون عن الزنوج.
الكاتب تحدث عن “الرق في الإسلام” و عن سياسة الإسلام في تدرج إنهاء عقيدة الرق في نفوس المجتمع القبلي الذي بُعثَ إليه، وميّز العقاد بين رق الإسلام والرق الذي مارسته أوروبا طويلًا انطلاقًا من اللون والعِرق، مبرزًا التناقض الصارخ في اختلاف طريقة تعامل كل من الإسلام والغرب مع الرق، حيث استعرض إنسانية الإسلام في التعامل مع العبيد، عبر الشرائع التي شرعها في عصوره الأولى قبل أن يندثر الرق تدريجيًا بفعل دوران عجلة تقدم المجتمعات والحضارات، فيما استعرضَ الممارسة النقيضة السلبية التي مُورست بحق الشعوب مثل الهند وأفريقيا من قِبَل العديد من المجتمعات الغربية بسبب اللون والعرق.
الكتاب فلسفي تاريخي نفسي، نَفَسُه الدينيّ شحيح، تعرضَ لكثيرٍ من المواضيع الجانبية.. وإن كان العقّاد سيُلامُ على شيء في هذا الكتاب، فسيكون عنوانه بالطبع، عنوانه البعيد جدًا عن مضمونه.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :