درعا – محمد قطيفان
جوبه اللاجئون السوريون خارج المخيمات في الأردن بسياسة انتهجتها السلطات الأردنية بشكل متصاعد مؤخرًا، تتمثل بإعادتهم بشكل عشوائي غالبًا، إلى محافظة درعا، فيما أصبح يعرف بسياسة “القذف خارج الحدود”، وهو ما وضع عشرات آلاف السوريين، تحت خطر وشبح الترحيل بشكل دائم.
ودفعت موجات اللاجئين الكبيرة، والمستمرة، السلطات الأردنية إلى إغلاق الحدود بشكل كامل، لتتشكل إثرها أعداد من المخيمات داخل سوريا، كان أكبرها مخيم الركبان إلى الشرق من محافظة السويداء.
أوراقك النظامية لا تشفع لك
تستقبل المملكة الأردنية أكثر من 650 ألف لاجئ سوري، بحسب مفوضية الأمم المتحدة، يتوزعون على المخيمات وأبرزها الزعتري أكبر مخيم في المنطقة، بينما يوجد العدد الأكبر من اللاجئين السوريين داخل المدن الأردنية، لا سيما مدينتي إربد والرمثا، بالإضافة لبعض المدن الأخرى كالعاصمة عمان، والزرقاء وجرش والمفرق.هذا اللجوء لم يخلُ من التحديات والصعوبات، بداية من ارتفاع إيجارات المنازل، وتكاليف المعيشة، وصولًا إلى معوقات الحصول على تراخيص العمل، وعانى السوريون في الأردن خلال السنوات الماضية الكثير، حتى باتت الهجرة نحو الدول الأجنبية الخيار الأول لدى معظمهم، رغم أنهم لم يعانوا من صعوبة كبيرة في التأقلم والاندماج مع المجتمع الأردني الذي يشابه في كثير من عاداته وطبيعته المجتمع السوري في الجنوب. |
التصاعد الكبير في وتيرة “القذف خارج الحدود” خلال الأسابيع الماضية، وتحوله إلى حالة من العشوائية، تطال أي شخص تقع أيدي قوات الدرك الأردني عليه، فسواء كنت تحمل رخصة، أو تحمل هوية لاجئ، أو كنت مقيمًا ملتزمًا بكامل القوانين، فهذا لا يمنع أن يتم اعتقالك فجأة، و”قذفك” من الساتر الحدودي إلى داخل محافظة درعا، وهو ما حصل مع عبد الله الرفاعي، من ريف درعا، بحسب ما تحدث لعنب بلدي، وأوضح أنه يحمل هوية لاجئ استخرجها من إحدى المخافر في العاصمة الأردنية عمان، وبحسب هذه الهوية، فوجوده في الأردن قانوني بالكامل.
وأضاف “خلال الأشهر الماضية، أعطت السلطات الأردنية، جميع اللاجئين السوريين، مهلة زمنية لاستبدال الهويات المؤقتة التي كانت بحوزتهم، بأخرى جديدة، وقمت برفقة عائلتي باستبدال هوياتنا في أحد المخافر القريبة من منطقة سكننا”.
لكن ذلك لم يحل دون تجربة ما سمعه عبد الله من عددٍ من اللاجئين حول حملات الترحيل العشوائية “من الصعب دائمًا تصديق أنه يتم ترحيل أي شخص دون أي سبب، وكنت أظن دائمًا أن هناك مخالفة ارتكبها اللاجئ، هي التي دفعت السلطات لترحيله”، إلى أن واجه الشاب ذات الموقف في منتصف شهر تشرين الثاني الماضي، عندما تم إيقافه أثناء تجوله في إحدى أسواق العاصمة عمان.
“تم إيقافي من قبل دورية أمنية، وطلبوا الأوراق الثبوتية وأظهرت لهم الهوية، فقالوا إنها مزورة، ونقلوني إلى حافلة قريبة منهم تضم العديد من اللاجئين السوريين”، تابع عبد الله أنه حاول جاهدًا أن يؤكد لهم أن هويته قانونية، وطالبهم بالتحقق، لكن دون جدوى، “عندما تم وضعي في الحافلة، كنت في محاولة إقناعهم أن الهوية قانونية، قبل أن يخبرني أحد السوريين في الحافلة ألا أتعب نفسي، فجميعهم يحمل هويات قانونية واعتقلوا بتهمة أنها مزورة”، بعدها تم نقل الجميع باتجاه منطقة رباع السرحان على الحدود السورية- الأردنية، ليصار بحسب عبد الله إلى نقلهم في اليوم التالي إلى داخل محافظة درعا.
واقع جديد في الداخل السوري
في الداخل السوري تبدأ رحلة جديدة، فالعائد بهذه الطريقة، يصبح أمام أمر واقع جديد، عليه التأقلم معه بشكل سريع، وأضاف عبد الله “الصعوبة الأكبر تكمن في حال كان العائد هو ربّ أسرة، لتبقى عائلته وحيدة في الأردن، إما عليها أن تدبر أمرها لوحدها، أو التجهيز للحاق بربّ أسرتهم إلى سوريا”.
وفي سوريا تبدأ محاولات إعادة التأقلم من جديد، والبحث عن منزل وعمل ووسائل اتصال مع الأقارب والأصدقاء، واعتبر عبد الله أن “أقسى ما حصل، هو أن يتم طردك خلال ساعات، دون أن تعطى أي فرصة لتدبر أمورك وأمور عائلتك، فأنا مضى على عودتي شهر تقريبًا، وعائلتي مازالت في الأردن في محاولة لبيع محتويات المنزل هناك، وإنهاء بعض الترتيبات التي يصعب عليهم القيام بها من دوني”.
تشير بعض التقديرات غير الرسمية، أن أعداد اللاجئين العائدين من الأردن إلى سوريا طوعًا أو قسرًا، يقترب من الألف أسبوعيًا، ورغم أن ما تقوم به السلطات الأردنية، يخالف القانون الدولي الإنساني، ورغم أن المفوضية السامية ناشدت السلطات الأردنية أكثر من مرة، التوقف عن طرد اللاجئين، إلا أن جميع المساعي انتهت بالفشل.
وأصبحت الحدود السورية الأردنية اليوم، أمام مشهد متناقض، فمن الداخل السوري تغلق الحدود بوجه الجرحى واللاجئين، ومن الداخل الأردني تفتح على مصراعيها لطرد اللاجئين، وكلتا الحالتين لها نتيجة واحدة، أن الأردن تعمل جاهدة على التخلص من عبء اللاجئين السوريين وعدم تحمل المزيد.
وبين الممنوعين من اللجوء والمطرودين منه، يبرز واضحًا حجم التسهيلات التي يحظى بها قادة فصائل المعارضة في درعا، من عبور للحدود ذهابًا وإيابًا، بالإضافة لما تحظى به عائلاتهم من إقامة في الأردن لا يعكر صفوها شيء، فيما يبدو أنه تكريس مستمر لما تشهده الثورة السورية اليوم من حالة التمايز بين قيادات المعارضة والشعب.