حياة الرعب على الهامش
محمد رشدي شربجي
(1)
في المتن، معالم جافة وكرش كبير يقف خلف الميكروفون، يتحدث بإسهاب عن علاقة البلدين المتينة، لا تخطئ العين شعوره بالفخر بعد إنجاز حلب، لم تكن معركة سهلة، ليس أمرًا هينًا تدمير كل هذه الأبنية على رؤوس أصحابها، حلب مدينة كبيرة، والقضاء عليها هو قضاء على ثورات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كما يقول وزير دفاع بلده، غافله شرطي تركي كان قد تخفى بين الحرس وأفرغ مسدسه في جسمه، صرخ الشرطي باسم حلب وسوريا، أقسم الأيمان أن لا أحد سينعم بالأمان إذا لم ينعم به أبناء سوريا، وأنه لن يخرج من مكانه إلا جثة هامدة، وهو ما كان.
(2)
في المتن، أمضى في السجن عامًا كاملا بتهمة تعاطي المخدرات في تونس، ذهب إلى أوروبا بالبحر، ثم أمضى خمس سنوات في السجن في إيطاليا بعد حرقه لمدرسة هناك، ذهب بعدها إلى ألمانيا، قدم لجوءًا هناك، تم رفضه وإخطاره بأنه سيتم ترحيله إلى بلده، تأخرت تونس في إصدار أوراقه، وضْعه من سيئ لأسوأ، حانت لحظة الحقيقة، تاب واهتدى، قرر التكفير عن ذنوبه، بايع الخليفة، أرسل له فيديو يحث فيه “الأمة” على قتال “الصليبيين الخنازير” الذين يقصفون بلاد المسلمين، سرق شاحنة ضخمة من بولندا، قتل سائقها، ثم انطلق بأقصى سرعة إلى أعياد الميلاد المنتشرة في برلين، دهس مجموعة من الأطفال والنساء، نسي بطاقته الشخصية في الشاحنة، وعاد إلى إيطاليا أرض السجون، اشتبك هناك مع الشرطة، ثم مات.
(3)
في المتن، بعد تخطيط محكم، نجحت دولة الخلافة في استهداف الجيش التركي، 16 جنديًا تركيًا وعشرات الجرحى وعدة آليات ومدرعات كانت حصيلة المعركة، لم يكتف الخليفة بهذا، أتبعها بعد يومين بفيديو هوليودي عن حرق أسيرين تركيين لديه، كان التسجيل مرعبًا كما أريد له أن يكون، نظرات العساكر المستسلمة، تعريفهم بأسمائهم وأعمارهم، النار الممتدة ببطء عبر حلقات السلاسل، تفحّم الأجساد وتبخّرها، ولفظهم أنفاسهم الأخيرة على أنغام رسالة الخليفة ضد بلادهم.
(1)
على هامش السفير المستلقي وسط القاعة بلا حراك يملأ الرعب قلوب السوريين، مما سيفعله رئيس السفير، تركي قتل روسيًا، يذعر السوريون مما سيأتي، لن تقصف روسيا تركيا، فهي تعيش في تحالف المتن، ستقصف حلب، تلك الأنقاض المزعجة على الهامش، ستحرق إدلب محشر الإرهابيين، على هامش السفير المستلقي، يستلقي شعب متلحفًا برعبه.
(2)
على هامش التونسي المقتول في إيطاليا، مئات آلاف السوريين اللاجئين في ألمانيا، يسعون ليل نهار في معاملات لاستحضار عائلاتهم إلى المتن، مئات آلاف السوريين يذرفون الدموع على حياة تزداد بؤسًا. على هامش سوق برلين المدمر، يذهب شعب إلى دمار لا ينتهي.
(3)
على هامش جثث الجنود الأتراك المتفحمة، هجع أهل مدينة الباب إلى رعبهم، المدينة التي لا يعرفها أحد أصبحت بين ليلة وضحاها من أكثر مدن العالم استراتيجية.
على الهامش بيوت مدينة الباب دمرتها غارات الانتقام المر على رؤوس أهلها، عشرات النساء والأطفال لم يكملوا ليلتهم، بحث الرجال عن أحبتهم تحت الأنقاض، لم يجدوا أحدًا على قيد الحياة، مسحوا دموعهم، فلا وقت للبكاء… فالرعب قادم.
(4)
على الهامش، يموت من الرعب شعب كامل إذا قتل تركي روسيًا، وإذا قتل تونسي ألمانيًا، ثم إذا قتل عراقي تركيًا، إنها حياة الرعب التي ما فتئت تطاردنا منذ حاولنا أن نخرخ في آذار من الهامش إلى المتن، ما أبشع الهامش، وما أبشع رعبه.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :