ما نشرته السفير اللبنانية عن مدينة داريا الصامدة
08/05/2012
عددٌ من أصدقاء الشهيد الذي بات “روحاً تنقصها حنجرة”، ما زالوا في معتقلات النظام السوري، أبرزهم بالطبع يحيى الشربجي، الناشط اللاعنفي، وصاحب مبادرات التوعيّة الاجتماعيّة والنشاطات الأهليّة التي تستلهم فكراً إسلاميّاً لاعنفيّاً. يحيى المعتقل حالياً، كان معتقلاً أيضاً قبل اندلاع الثوّرة بسنوات، على خلفيّة تلك النشاطات. أمّا رفيقهما الآخر، الناشط إسلام الدّباس، فقد مضى بيدين عاريتين إلاّ من قوارير مياه صغيرة مع ورود، وبصدر عار إلاّ من قلب ينبض بمشاعر الأخوّة نحو السوريين الذين سيقومون.. باعتقاله: عناصر الأمن والشبيحة!
عن داريّا، المدينة الثائرة؛ انخراطها المبكّر والمستمر في الثوّرة السوريّة، أهمّ محطاته وأبرز مظاهره، هنا حديث مع ناشطين من أبناء المدينة.
في المقدّمة
لم تنتظر داريّا قطار الثوّرة كي تلتحق به. على العكس، كانت جزءاً من قاطرة ضمّت إليّها كلاً من درعا ودوما وبانياس وغيرها من المدن التي اندلعت فيها أولى المظاهر الاحتجاجيّة ضد النظام السوري. يقول أبو محمود وهو أحد ناشطي المدينة: “داريا من المناطق التي دعت للتظاهر في يوم الغضب السوري، وشارك عدد من أبنائها في اعتصام السادس عشر من آذار أمام وزارة الداخلية، حيث اعتقل منهم ثلاثة شبان وفتاتان، ثم انطلقت أولى التظاهرات في شوارع المدينة في 25 آذار العام الماضي، من مسجدي أنس بن مالك والعباس”. كان الردّ بحسب أحد أبناء المدينة وائل ناطور (اسم مستعار) في يوم الجمعة التالية، الأوّل من نيسان، “حيث تم نشر حوالى ألف عنصر من الأمن والشبيحة المسلحين بالعصي والهراوات، وقاموا بتفريق المتظاهرين الذين خرجوا من مسجد طه، واعتقل حوالى عشرة أشخاص على الأقل، بينهم جرحى”.
وكغالبيّة المدن والقرى السوريّة الثائرة، كان يوم الجمعة العظيمة، الثاني والعشرون من نيسان قبل عام، قد شكّل ذروة في عدد المتظاهرين. يقول أبو محمود: “خرجت التظاهرات من عدّة جوامع، والتقت في شارع الثورة، ثم توجه المشاركون إلى شارع الباسل، حيث قوبلت هذه التظاهرات بالرصاص الحي والغازات المسيلة للدموع”. الأمر الذي خلّف، بحسب وائل، ثلاثة شهداء هم أوّل من سقط من أبناء المدينة. يقول: “استشهد كلّ من وليد خولاني، المعتز بالله الشعار وعمار محمود، وذلك بعد إصابتهم برصاص قناصة أثناء مشاركته في التظاهرة”. يتابع: “جرى لهم تشييع كبير شارك فيه عشرات الآلاف من أهالي داريا، وقد أعلن الحداد ثلاثة أيام، فأغلقت المحال التجارية، وتم نصب خيام العزاء لاستقبال وفود المعزّين من المدينة ومن خارج المنطقة”.
من جهته، يقول أبو محمود “قرعت كنائس المدينة أجراسها أثناء مرور موكب التشييع، وشارك عدد من الأخوة المسيحيين بتقديم واجب العزاء”. ويضيف: “لم تكن تظاهرات الجمعة العظيمة سوى بروفا أوليّة في المدينة التي لا يزيد عدد سكانها عن مئتي ألف، فقد سجلت تظاهرة كبيرة زاد عدد المشاركين فيها عن ثلاثين ألفاً في الرابع من شباط الماضي أثناء تشييع شهداء جمعة “عذراً حماة”.
الصدام الأوّل… والمستمر!
سعى ثوّار المدينة إلى إسقاط النظام في وقت مبكر. يوم الجمعة العظيمة، جرت محاولة إسقاط النظام رمزيّاً “من خلال تحطيم تمثال حافظ الأسد في شارع الشهيد طالب السمرة (شارع الباسل سابقاً). استبقوا المحاولة، بحسب أبو محمود، بهتافهم لأوّل مرّة: “الشعب يريد إسقاط النظام”. يومها، سقط الشهداء الثلاثة السالف ذكرهم. وشهدت المدينة، “أول حالة اشتباك بين قوى الأمن، الذين استخدموا الغازات المسيلة للدموع والقنابل الغازية والرصاص الحي، مع المتظاهرين السلميين حاملي الورود”، يقول وائل.
بعدها بأسبوع، ستشهد المدينة أولى عمليات الاقتحام التي قامت بها مخابرات النظام. يشرح وائل: “في الثلاثين من نيسان، أي بعد شهر ونصف من تاريخ اندلاع الثوّرة، قامت المخابرات بمداهمة المنازل واعتقال مجموعة من الناشطين”. الأمر الذي سيتكرر، بحسب أبو محمود، في كلّ يوم جمعة منذ ذلك الحين: “لا يكاد يخلو يوم من دون وجود ميليشيات النظام ورجال الأمن والجنود المسلحين، إضافة إلى السيارات والمصفحات والمدرعات، التي تركّز بشكل كبير على المساجد والمشافي، هذا بالإضافة إلى الانتشار الأمني الكثيف لترهيب الناس طيلة أيام الأسبوع، وخاصة أوقات الدوام المدرسي، إذ يتمركزون بشكل كبير عند أبواب المدارس”.
ويتحدث وائل بدوره عن “الحواجز الأمنية الدائمة عند مداخل داريا الرئيسية، إضافة إلى الحواجز الأمنيّة الطيّارة لملاحقة الناشطين، ناهيك عن الاقتحامات والمداهمات المستمرة للمنازل وتحطيم المحال التجارية وسرقتها عقب كل إضراب”. ويتابع: “ثمّة عمليات اقتحام لا تنسى، نظراً لما تخلفه من ضحايا بأعداد كبيرة، ومنها مثلاً: الاقتحام الذي جرى في جمعة آزادي، في العشرين من حزيران الماضي، ثمّ في الأوّل من كانون الثاني هذا العام، حيث كان من المفترض وصول لجنة المراقبين العرب، وفي أحد أيّام أواخر شهر شباط الماضي قامت مخابرات النظام باعتقال ثمان من نساء المدينة، وكذلك سُجل اقتحام آخر في السادس من نيسان، وتم تدمير عدة منازل واستشهد عدد كبير من أفراد الجيش الحر أثناء الاشتباك مع القوّات المقتحمة”.
بالطبع، رغم كلّ هذا وأكثر، بقيت درايّا في واجهة الحراك الثوّري مع غيرها من مدن ريف دمشق. يقول أبو محمود: “استمر الحراك في داريا حتى بعد اقتحام الجيش لها، من خلال التظاهرات الأسبوعية والمسائية، بمشاركة النساء والأطفال وطلاب المدارس، وكذلك تظاهرات الشموع التي تجوب شوارع المدينة”.
سلميّة.. وأكثر!
قدّمت المدينة للثوّرة السوريّة بعضاً من أهمّ أيقونات النضال السلمي. الأمر الذي عزّز من حضور ثقافة اللاعنف في صفوف الثوّار. كانت حادثة تقديم المياه والورود لرجال الأمن هي الأولى والأبرز. الأمر الذي قام به بعض من أهم نشطاء المدينة ممن استشهد أو اعتقل، أو ممن يكمل المسيرة، فيكرر تلك التجربة بأساليب وأشكال جديدة ومبتكرة (راجع الكادر). بحسب أبو محمود، “قبل الاجتياح الأوّل للمدينة بأسبوع، قامت مجموعة من أبناء داريا بتقديم الطعام لرجال الأمن المتواجدين على الحواجز”. فضلاً عن ذلك، تعتبر المدينة مركزاً لنشاطات الكفاح السلمي التي تنفذها أكثر من مجموعة شبابيّة. وفي هذا الصدّد، يقول أبو محمود: “نسعى بصورة دائمة إلى تأكيد سلميّة الثوّرة، مستخدمين الأساليب اللاعنفية، مثل: تغيير أسماء الشوارع والساحات الرئيسية واستبدالها بأسماء الشهداء، إطلاق “بوالين” الحرية، توزيع مناشير للتوعية وللدعوة للإضراب، شموع الحرية، تعليق صور المعتقلين وأسمائهم على جدران المحكمة وفي الشوارع العامة، حملات “بخ” شعارات ثوريّة على الجدران، حماية المنشآت العامة والمؤسسات الحكومية من التخريب عن طريق جدار بشري يصنعه المتظاهرون أنفسهم…”.
تستمر المدينة الصغيرة، التي قدّمت للثوّرة السوريّة حتى اليوم أكثر من ثمانين شهيداً وألف معتقل، ما زال 400 منهم قيد الاعتقال التعسفي، بينهم أطفال ونساء، في تقديم المزيد. المدينة التي خسرت أرواحاً كثيرة حين حاول بعض من أبنائها رفع علم الاستقلال السوري (علم الثوّرة) على مبنى بلديتها، لا تمتلك إلاّ أن تستمر في المحاولة: رفع العلم.. حتى النصر!
من جهته، يضيف وائل “ثمة من يقوم بإجراء دورات الدعم النفسي للأطفال المصابين بالصدمة، وكذلك دورات الإسعاف الأولي، في ظل تحوّل عملية إسعاف الجرحى إلى المنازل والمشافي الميدانية بدلاً من المشافي العادية، خوفاً من اختطاف المصاب من قبل قوى الأمن”.
يتابع وائل “قمنا، بالتعاون مع ثوّار مدينة المعضميّة القريبة، بمعرض لرسومات الأطفال، هذا فضلاً عن المشاركة في تشييع وتعزية شهداء المناطق الأخرى، وإرسال معونات مادية لأهالي المناطق الأخرى المنكوبة، واستقبال الأهالي المهجرين من حمص”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :