زارت عنب بلدي مخفر طفس في محافظة درعا، وجالت في غرفه ومكاتبه، جدران دون نوافذ، وسقوف محروقة، وخدمات غائبة كليًا، ليوضح أحد عناصر المخفر أن هذا الوضع يندرج على معظم المخافر المحلية، والتي ترتبط إداريًا بمحكمة “دار العدل” في حوران.
يحاول المخفر أن يكون السلطة الأمنية القائمة في طفس، وينظم ضبوطًا ويتلقى شكاوى من الأهالي، ورسائل واردة من “دار العدل”، إلا أن ذلك لن يكون كافيًا في ظل انعدام الدعم لمثل هذه الهيئات، وسطوة السلاح المنتشر في المحافظة.
ما هو أثر غياب الجسم الشرطّي عن درعا؟ وهل نجحت المخافر الثورية في تعويض غياب الشرطة المدنية؟ أسئلة طرحتها عنب بلدي على وجهاء وناشطين من درعا.
ورأى الشيخ بلال المصري، إمام وخطيب مسجد في درعا، أن “غياب جسم الشرطة له أثر كبير على أي مجتمع، فما بالك بمجتمع يعيش حالة ثورة ترافقها فوضى سلاح، وفقر معيشي، صحيح أننا كنا نملك جسم شرطة على عيوبه، لكن تبقى سلطة أجهزة الشرطة المدنية أمرًا ضروريًا جدًا”.
واعتبر المصري أن المخافر الثورية “تجربة يجب تعزيزها ودعمها، ويجب ألا نحملها فوق طاقتها وفوق استطاعتها، نحن نطالبهم اليوم بالإضافة لمهامهم الشرطية، بمواجهة فوضى السلاح، وسلطة الفصائل، وتعدد الجهات المسيطرة، وغياب القوانين الواضحة، وغيرها الكثير من المعوقات التي تفوق مهمتهم وسلطتهم، لذلك برأيي هي بداية جيدة لإعادة الشرطة، ولكنها ليست كافية حتى الآن”.
بينما تحسس الناشط الإعلامي محمد العيسى، خطورة اعتماد الأهالي على الفصائل العسكرية “الأثر الأكبر هو تحولنا من الاعتماد على الشرطة المدنية، إلى الاعتماد على الفصائل العسكرية، أي أننا ندخل العسكر في المفاصل المدنية بإرادتنا أو رغمًا عنا، هذا الأثر هو الأخطر على المدى البعيد، ولا أظن أننا سنستطيع انتزاع هذه السلطة من أيدي الفصائل العسكرية، ونقلها للسلطة المدنية بسهولة”.
لكن العيسى أشار إلى أن “بعض المخافر حظيت بدعم من أهالي المنطقة وفصائلها العسكرية، ربما مخفر الجيزة مثال على ذلك، واستطاع المخفر حل الكثير من القضايا والجرائم، ولكنه بالمقابل فشل في أخرى، لأنها أكبر من قدرته، أو سلطته، بينما هناك مخافر في مناطق أخرى، فشلت فشلًا ذريعًا، وهناك مدن وبلدات تغيب عنها المخافر بشكل كامل حتى الآن”.
شادي المصالحة، وهو مسؤول في إحدى المنظمات الإغاثية في درعا، كان رأيه أكثر سوداوية عن الواقع الأمني في المحافظة “بوضع درعا الحالي، وبالنظر لكل الظروف بشكل عام، لا أظن أن غياب الشرطة مؤثر، فحتى لو تم إنشاء جسم شرطة، لن يستطيع أداء مهامه ولن يتمكن من فرض القانون والسلطة، في ظل ظروف الحرب الحالية وظروف سلاح الفصائل وتحرك المعارك بين مكان وآخر، وانتشار السلاح بين أيدي الجميع، بالإضافة لغياب الخبرة والقدرة”.
وأضاف المصالحة “في حال أردت حماية شاحنات مساعدة غذائية ستلجأ للفصائل، وفي حال حصل عليك اعتداء معين ستلجأ للفصائل، وهذا دليل على أن المخافر الثورية لم تستطع حتى الآن تعويض غياب الشرطة، وأنا لا ألومها أبدًا، بل ألوم الفصائل العسكرية التي لم تدعم هذه المخافر وعملها”.
وأخيرًا مع رأي المحامي عبد المنعم الخليل، مدير المكتب الإعلامي في مجلس محافظة درعا الحرة، والذي شدد على أن “غياب الجهاز الشرطي ساهم في انتشار الفوضى في كل مكان، وغياب الأمن والأمان وتزايد حالات السرقة والخطف، بالإضافة لازدياد نسبة الجريمة وانتشار الحشيش والمخدرات”.
وتشهد المحافظة حالات اغتيالٍ وخطفٍ متكررة، تطال أعلى السلطات القضائية والعسكرية والمدنية، دون أن تتمكن دار العدل أو الفصائل من إيقافها، وسط دورٍ خجول للشرطة في هذه القضايا.
وأكد الخليل أن المخافر الثورية تجربة لم تنجح في درعا لأسباب سردها “منها عدم وجود قيادة شرطة مركزية تتبع لها تلك المخافر وتكون تلك القيادة تابعة لوزارة الداخلية، وعدم وجود الاعتماد المالي لهذه المخافر، بالإضافة لعدم انتقاء عناصر المخافر بموجب مسابقة وإخضاعهم لدورات تدريبية، أضف لذلك تبعية العناصر لفصائل الجيش الحر، وعدم التمييز بين مهمة رجل الشرطة ومهمة رجال الجيش، وهيمنة فصائل الجيش الحر وتدخلها بكل شؤون المناطق المحررة”.
تابع قراءة ملف: الشرطة “الحرة” في سوريا.. رجال دون صافرات
– مشاريع شاركت فيها الشرطة “الحرة” في حلب وإدلب
– لتعزيز النموذج المجتمعي.. برنامج “أمان وعدالة” يدعم الشرطة “الحرة”
– شرطة حلب “الحرة” تجربة تنشط منذ ثلاث سنوات
– الشرطة تمارس وظيفتها في ظل فراغ أمني بريف حلب الشمالي
– الشرطة الحرة في إدلب.. تنسيق مع المجالس ولا علاقة بالعسكر
– الشرطة “الحرة” في الغوطة تتشتت بين الفصائل
– مجلس “مشلول” وهيئات تغرّد منفردة.. حمص “الحرة” تفتقر لجهاز الشرطة
– مخافر “فقيرة” وصاحب السلاح “سلطان” في درعا
– لقراء الملف كاملًا في صفحة واحدة: الشرطة “الحرة” في سوريا.. رجال دون صافرات
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :