بعد سيطرة الفصائل على الغوطة الشرقية، أواخر عام 2012، وفي ظل غياب المؤسسات التنظيمية والأمنية، ومع زيادة الفوضى، أنشأت “القيادة الموحدة” قيادة الشرطة لتعمل تحت سلطة القضاء الموحّد، في ضبط الأمن وتنظيم حركة المرور، بالتعاون مع المؤسسات الأهلية، “للتخفيف عن الناس في ظل القصف والحصار”، بحسب نائب قائدها، جمال زغلول.
ومع تشتت الفصائل في الغوطة، وبقاء فصيل “جيش الإسلام” وحيدًا ضمن القيادة الموحدة، منذ مطلع العام الحالي، غابت المرجعية الواحدة للشرطة، وغدا عناصرها الموزعون على البلدات منقسمين تبعًا للفصائل، وهذا ما صعّب من مهامها الأمنية، ليقتصر دورها على تنظيم المرور والنقل والرقابة في بعض الأمور.
كيف تشكلت الشرطة في الغوطة؟
ظهرت الوحدات الشرطية في الغوطة بداية تحريرها، ولكنها تمثلت بمخافر متفرقة تتبع لهيئات شرعية أو فصائل عسكرية، مهمتها وضع حد للانفلات الأمني، ووفق قائد الشرطة “الحرة”، محمد عبدالله السالم، فقد “نجحت نوعًا ما بوضع حد للتجاوزات”، إلا أن المشكلة كانت في التدخل المستمر لبعض الفصائل بعملها، “وضعف الأداء كون أن كل فصيل اعتبر نفسه الأب الشرعي للشرطة”.
حين تشكلت “القيادة الموحدة” عام 2014، وانضوت جميع الفصائل العسكرية تحت لوائها، بدأت العمل على تنظيم المؤسسات في الغوطة، وهذا ما جمع شتات الشرطة ضمن كيان واحد تحت مسمى “قيادة الشرطة”، ووصف حينها بأنه “مؤسسة مدنية تعمل على حفظ الأمن والممتلكات العامة والخاصة، والجهة التنفيذية الوحيدة للقضاء في الغوطة”.
وبعد ظهور الخلافات بين الفصائل، وتعليق عملها في “القيادة الموحدة”، بقي “جيش الإسلام” وحيدًا فيها.
إلا أن السالم قال لعنب بلدي إن قيادة الشرطة تعمل تحت مظلة “القيادة” ككيان وليس تحت مظلة الفصيل العسكري، داعيًا إلى إعادة تفعيلها والتوافق على قائد لها “لمصلحة الغوطة”.
وسيط بين الفصائل المتناحرة
يدير الشرطة مجلس قيادة مؤلف من مديري أربع مناطق في الغوطة، ورؤساء الأفرع والأقسام، ويبلغ عدد أعضائه 16 عضوًا، وأكد قائد الشرطة أن “نجاحها وبقاءها كيانًا واحدًا بعيدًا عن الصراع العسكري، يعود إلى العمل باستقلالية والوقوف على مسافة واحدة من جميع المكونات في الغوطة”، لافتًا إلى أنها لعبت دور الوسيط بين الفصائل المتناحرة، “لثقة الفصائل بها وإيمانها أن الشرطة صمام الأمان للغوطة، وأنها غير منحازة إلى أي جهة”.
وتعمل الشرطة لتعزيز سلطة القضاء، وإنفاذ قرارات المؤسسات القضائية، ولإنهاء حالة الفوضى والتسيب الأمني، ومساعدة المؤسسات الخدمية على القيام بعملها في الغوطة، وفق القائمين عليها، وأشار السالم إلى أنها “تتمتع بعلاقات مميزة مع جميع الفصائل العسكرية، وهناك تعاون وثيق بينهم، باستثناء جبهة النصرة، التي تربطنا بها علاقة احترام متبادل، إلا أنها لا تعترف بقضاء الغوطة ولا شرطتها”.
مهمة مجلس القيادة، وضع السياسة العامة للعمل، ومنح الثقة لقائد الشرطة وحجبها، وحل النزاعات الداخلية بين العناصر، إضافة إلى تقييم العمل، ومعالجة المشكلات ووضع الحلول المناسبة، خلال اجتماعاته الأسبوعية الدورية.
للشرطة أربع مديريات في كل من منطقة دوما، والقطاع الأوسط، ومنطقتي عربين والمرج، إضافة إلى مركز جوبر والمركز الجنوبي، وتشرف على الأعمال الإدارية، ومن مهامها تسيير الدوريات لمنع وقوع الجرائم، وتنفيذ تعليمات قيادة الشرطة المسلكية، وتطبيق القوانين وتنفيذ الأحكام والمذكرات القضائية، ويلحق بالمديريات مجموعة من المخافر والمكاتب.
أفرع قيادة الشرطة
يتبع لقيادة الشرطة فرع الأمن الجنائي، المختص بمجموعة من الجرائم، ويضم خمسة أقسام: البحث الجنائي، والتسجيل، والأدلة الجنائية، والتحقيق، وسرية المداهمة، كما يشرف فرع السجون فيها على جميع السجون والإصلاحيات في الغوطة الشرقية، وفق قائدها، الذي أكد أن الشرطة تولي سجن النساء وإصلاحية الأطفال “عناية خاصة لإعادة دمجهم بالمجتمع من جديد”.
يحمي فرع الحراسات المنشآت العامة والمقار الحكومية والمؤسسات المدنية والخدمية، وله عدة أقسام موزعة على مناطق الغوطة، كما يشرف فرع التدريب على تدريب المستجدين والمنتسبين الراغبين بالعمل في الشرطة، ولفت السالم إلى أن “القيادة خرّجت عدة عناصر التحقوا بالعمل وتعتمد عليهم الشرطة بشكل أساسي اليوم”.
ويتولى فرع الشؤون الإدارية المهام التنظيمية، ويندرج تحته قسم الإمداد وفيه مكاتب: المهمات، والتعيينات، والورشات، والمحروقات، إضافة إلى أقسام التسليح ويهتم بتوفير السلاح وصيانته، والقسم المالي، والطبي، والمستودعات، بينما يرعى العاملون في فرع العلاقات العامة مهام ربط الشرطة بباقي المؤسسات العاملة في الغوطة، ويستقبل شكاوى الأهالي بخصوص تجاوزات عناصر الشرطة، وتتولى فرق الرقابة والمتابعة محاسبتهم.
وللشرطة مكتبان للمرور والنقل يندرجان تحت فرع إدارة النقل الذي أنشئ في أيلول 2016، ويرعى مكتب النقل تسجيل الآليات وترقيمها، وعمليات نقل الملكية وتوثيق بيع وشراء الآليات، كما يضم مكتبًا إعلاميًا، ومجموعة من المكاتب الملحقة، متمثلة بمكاتب الدراسات، والتجنيد وشعبة المعلومات، إضافة إلى مكتب الرقابة التموينية والاحتكار، ومهمته ملاحقة المحتكرين ومحاسبة المخالفين منهم.
تواجه قيادة الشرطة صعوبات عدة، وفق قائدها، أبرزها قلة الخبراء والاختصاصيين، والتي تُعالج من خلال إجراء دورات تعليمية، إضافة إلى استهداف الطيران لمقرات الشرطة ووحداتها الشرطية، وضعف الإمكانيات المادية، وغياب الأجهزة الاختصاصية والحواسيب والمحروقات وغيرها.
ولفت السالم إلى أن مدينة حرستا لا تضم عناصر تتبع للقيادة، مشيرًا إلى أنهم يتعاملون مع فصيل “فجر الأمة” الذي ينتشر فيها، من خلال مندوب “يتخاطب مع الفصيل للتعاون في قضايا الجلب والإحضار”.
لا تتلقى قيادة الشرطة دعمًا من أي مؤسسة أو منظمة دولية، بل تستمد دعمها من المكتب المالي الموحد، بحسب السالم، والذي يوفر الحد الأدنى من احتياجات الشرطة، بينما تساعد بعض المؤسسات المدنية بتوفير الطعام للسجناء والإداريين في سجون قيادة الشرطة.
مشاريع مستحدثة ورؤية مستقبلية
أسست الشرطة “الحرة” مؤخرًا ناديًا رياضيًا يضم الألعاب الجماعية والفردية وألعاب القوى، وشكّلت فريق أشبال الشرطة الرياضي، وتحاول تطويره وصقل مهارات لاعبيه، من خلال خوض مباريات مع أندية الغوطة الشرقية.
وتعمل القيادة على أتمتة عملها عن طريق برامج اختصاصية، تحفظ فيها معلومات الذاتية وشؤون العاملين في الشرطة، إضافة إلى معلومات قسم التسجيل الجنائي، وتسعى لأتمتة العمل ضمن مديرية النقل وفرع السجون وربطها بمخدم رئيسي، وفق السالم.
وأشار قائد الشرطة إلى أنها تدرس مشروع ترخيص السلاح الذي بحوزة المدنيين، “لضبط الفوضى”، إضافة إلى مشروع ترخيص محال الصرافة، ووضع آلية للحد من مشكلة تزوير العملات الأجنبية.
دور الشرطة في اقتتال الفصائل
لم تكن الشرطة منحازة لأي طرف خلال الاقتتال، وفق حديث السالم، بل هيأت الأرضية المناسبة للحوار بينها، كما أزالت السواتر الترابية بين البلدات لتسهيل حركة الأهالي بعد اتفاق الفصائل.
وشهدت بلدات الغوطة اقتتالًا بين فصائل “جيش الإسلام”، و”فيلق الرحمن”، بشكل رئيسي، وتسبب بمقتل ما لا يقل عن 700 شخص بحسب معلومات عنب بلدي.
تتعامل الشرطة مع الفصائل وفق آلية عمل محددة، وأوضح السالم أن أي شخص مطلوب للشرطة من الفصائل، يجري طلبه عن طريق الفصيل الذي يسلمه للتحقيق معه ثم تحويله إلى القضاء، بينما يقول أهالي الغوطة الذين استطلعت عنب بلدي آراءهم إن عناصر الشرطة تشتتوا بين فصيل وآخر، ما أثر سلبًا على عمل الجهاز.
الشرطة في عيون هيئات الغوطة ومثقفيها
عدنان طه، مدير دائرة السجل العقاري في مجلس دوما المحلي:
كنا نتمنى حين الحديث عن الشرطة ومؤسسات البلد، أن تكون على كفاءة عالية ونتباهى بها في ظل الثورة، أن تتبع للقضاء باعتباره جهة تنفيذية… لكن العسكريين أداروا الشرطة وليس المدنيين.
يجب تدريب كادر للتعامل مع الموقوفين، ويجب أن يكون (مجلس) المحافظة مسؤولًا عن الشرطة، وليس القيادة الموحدة، فلن يدعمها أي شخص أو هيئة طالما تديرها الفصائل، أو أن تكون جهة مدنية ناجحة مثل الدفاع المدني.
كأداء حالي، الجريمة تزداد واللصوص طلقاء في ظل نقص الدعم.
العالم يراقب مؤسساتنا هل نصلح لنعمل أم لا وهذا ميزان للثورة، فأي فشل للمؤسسات هو فشل لها. يجب أن نكون حذرين ونعمل بمصداقية ومن لا يملك دعمًا يجب أن يوقف عمله، أفضل من ارتكابه الأخطاء.
الناشط أسامة نصار:
وجود جهاز شرطة ضروري، إلا أن علة وجوده حاليًا تكمن في غياب القضاء والذراع التنفيذية الحيادية، وهو بدون سند قانوني قضائي، ربما يكون ذراعًا مسلطًا على الأهالي.
حاولت الشرطة الظهور بمظهر حيادي خلال الاقتتال، ولكن ظهرت ظلال واصطفافات، كان من الصعب تجاوزها كمؤسسة، وبالتالي غدت جزءًا من التقسيم في ظل وجود قضاءين.
اطلعت على حالات فروا من القطاع الجنوبي إلى القطاع الأوسط، مثلًا من دوما إلى حمورية كي لا يطالهم القضاء في مكانهم، وقال أعضاء في الشرطة إنهم طلبوا إعادة المطلوبين لأنهم لا يمكنهم الذهاب وإحضارهم.
ربما يقولون إن الجهاز واحد ومستقل ولكن الواقع يظهر انقسامًا لا يمكن إنكاره.
المهندس بسام زيتون، مدير الخدمات في محافظة ريف دمشق:
الشرطة المدنية مهمة وخاصة في مناطق النزاع، كالغوطة، لكنهم (عناصر الشرطة) لا يأخذون دورهم بشكل مناسب، بسبب غياب الاهتمام من الجهات المحلية بهم وفي ظل ضعف الإمكانيات، وسيطرة الفصائل العسكرية على الوضع الأمني.
تحزبت الشرطة تبعًا للفصائل ولم تستطع أن تلعب دورًا محايدًا خلال الاقتتال، ولم تستطع الانتقال بين المناطق جميعها في الغوطة.
يجب إيلاء جهاز الشرطة الأهمية الأكبر خلال المرحلة والخطط المستقبلية في المنطقة، فدورها حاليًا شكلي أقرب إلى تنظيم السير أو بعض المخالفات البسيطة، ولكن عندما تكبر القضية والخلافات، تتولى المكاتب الأمنية للفصائل الأمر وتفض النزاعات والتحقيقات.
لحرستا خصوصية باعتبارها بعيدة عن تجمع بلدات الغوطة، ومقطوعة عن القطاع الأوسط ودوما، بسبب موقعها الجغرافي، ويسيطر عليها لواء “فجر الأمة”، وبما أنها قليلة التواصل والتنسيق مع الشرطة المركزية في القطاع الأوسط، ضعف دورها الذي اقتصر على متابعة مكاتب الإيواء والمساعدة في نقل الأغراض المنزلية للمواطنين، ويتولى المكتب الأمني فيها حل النزاعات وفضها.
بيان ريحان، مديرة مكتب المرأة في مجلس دوما المحلي:
الشرطة من أهم معالم الدولة التي نسعى إلى إقامتها في سوريا، وهي ضرورية لإثبات أننا استطعنا بناء الدولة في ظل الحرب التي نعيشها، لحفظ الحقوق وتحقيق الاستقرار.
حاليًا أبرز أعمالها تنظيم السير وهذه الجهود مهمة وجيدة، لكن من مشاكلها غياب جهة داعمة لها بشكل مستقل وحيادي وهذا ما يجب تحقيقه اليوم.
تابع قراءة ملف: الشرطة “الحرة” في سوريا.. رجال دون صافرات
– مشاريع شاركت فيها الشرطة “الحرة” في حلب وإدلب
– لتعزيز النموذج المجتمعي.. برنامج “أمان وعدالة” يدعم الشرطة “الحرة”
– شرطة حلب “الحرة” تجربة تنشط منذ ثلاث سنوات
– الشرطة تمارس وظيفتها في ظل فراغ أمني بريف حلب الشمالي
– الشرطة الحرة في إدلب.. تنسيق مع المجالس ولا علاقة بالعسكر
– الشرطة “الحرة” في الغوطة تتشتت بين الفصائل
– مجلس “مشلول” وهيئات تغرّد منفردة.. حمص “الحرة” تفتقر لجهاز الشرطة
– مخافر “فقيرة” وصاحب السلاح “سلطان” في درعا
– لقراء الملف كاملًا في صفحة واحدة: الشرطة “الحرة” في سوريا.. رجال دون صافرات
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :