تخلو المناطق المحررة في محافظة حمص من مراكز أو مخافر شرطية تتبع كيانًا واحدًا كما هو الحال في حلب، بل تضم مدنها وبلداتها هيئات ومراكز مستقلة، تجتهد في الحفاظ على أمن المنطقة، وهو ما أكسبها خبرة جيدة خلال الأعوام الفائتة.
المجلس المحلي للمحافظة، يشرف على تجربة بديلة عن الشرطة في حي الوعر المحاصر في حمص، بمسمى “الضابطة العدلية”، وهي الهيئة الوحيدة التابعة للمجلس في المدينة وريفها.
قيادة شرطة حمص مشروعٌ حبيس الورق
اجتهد المجلس المحلي في المحافظة بإعداد دراسة مشروع إنشاء قيادة شرطة حمص الحرة، وفق آلية وهيكلية علمية، إلا أن المشروع لم يبصر النور لعدم تبنيه من قبل الحكومة المؤقتة أو الجهات الداعمة، بحسب ما أوضح النقيب محمد ديربعلباوي، عضو المكتب التنفيذي ومسؤول مكتب الأمن والدفاع المدني في مجلس محافظة حمص.
وقال ديربعلباوي، المنشق عن قوات الأسد عام 2012، إن المجلس أعد مشروع قيادة الشرطة قبل ثمانية أشهر، ووضع هيكلية تعتمد على ضباط وكوادر مؤهلة منشقة عن النظام السوري، وتتضمن فروعًا أبرزها الأمن الجنائي، ومراكز في النواحي والمدن، ومخافر منبثقة عنها.
وأضاف عضو المكتب التنفيذي، في حديث إلى عنب بلدي “لدينا 250 عنصر شرطة (رقيب، مساعد، مساعد أول، وعريف)، ما ينقصنا هو ضباط، فلا يوجد في المنطقة إلا ضابط شرطة واحد، بينما باقي الضباط معظمهم انشقوا عن الجيش، ومن الممكن أن يخضعوا لدورات قانونية لتحويل اختصاصاتهم من الكلية الحربية إلى الشرطة، وهو أمر معمول به في سوريا سابقًا”.
ووفقًا للمشروع المعد، فإن قيادة الشرطة سينبثق عنها مراكز رئيسية في الرستن، وتلبيسة، والحولة، والقرى الغربية، إلى جانب قسم شرطة في حي الوعر، ويتفرع عن المراكز مخافر في القرى الصغيرة، عدا عن الفروع التي تتبع مباشرة إلى قيادة الشرطة، وهي: الأحوال المدنية، والأمن الجنائي، والأحداث، بكادر قد يصل إلى 700 عنصر وضابط، بحسب عضو المكتب التنفيذي.
بعد الانتهاء من إعداد المشروع المنظم أمنيًا لحمص “المحررة” (الريف الشمالي، الحولة، الوعر)، حوّله مسؤولو مجلس المحافظة إلى رئيس الحكومة المؤقتة، جواد أبو حطب، قبل حوالي ستة أشهر، ولم يأتهم الرد منذ ذلك الوقت، كما أكد ديربعلباوي، وأضاف “نحن نسعى للتنظيم، لكن لا أحد لديه النية لذلك”.
وهذا ما أكده رئيس مجلس محافظة حمص، السيد أمير إدريس، موضحًا لعنب بلدي أن المجلس رفع عددًا من الدراسات التي قدمت إلى العديد من الجهات الداعمة، وتابع “إلى اليوم لم يتم التعامل معها بجدية، علمًا أنه من الضروري أن تخضع كل أقسام الشرطة المختلفة في المحافظة إلى ضابط قانوني واحد، يكون ضمن الحدود الإدارية لمحافظة حمص”.
الواقع الأمني الحالي في حمص يظهر تشتتًا في توزيع المكاتب والهيئات، ذات التسميات المختلفة، وأضاف ديربعلباوي “لدينا مراكز شرطة حاليًا دون ترابط، في منطقة تجد مخفر شرطة، وفي منطقة ثانية هيئة أمنية، وفي منطقة أخرى هيئة شرعية، جميعهم دون ترابط وقيادة موحدة، ودون البنية الأساسية وهي جهاز الأمن الجنائي وأقسامه”.
بينما أوضح رئيس المجلس أن معظم الهيئات والمكاتب الأمنية في ريف حمص، كما في الحولة والرستن وتلبيسة، تعمل بإشراف وتنسيق المجالس المحلية الفرعية والهيئات القضائية في مكان عملها، دون ربط مركزي مع قيادة وإشراف موحد.
الشرطة “الثورية” في الرستن
ظهر الفراغ الأمني في مدينة الرستن بريف حمص الشمالي، عقب سيطرة “الجيش الحر” عليها عام 2012، ما استدعى تشكيل مؤسسة أمنية يديرها ضباط منشقون، كبديل عن النظام ومؤسساته، ليكون “المخفر الثوري” فيها الأول من نوعه في سوريا.
ضباط منشقون عن قوات الأسد أسسوا كيان “الشرطة الثورية”، والتي اعتبرت الجناح العسكري الأول للمحاكم الشرعية، واعتبر الناشط الإعلامي يعرب الدالي، أن تشكيل المخفر آنذاك كان “بسبب حاجة السكان الملحة لكيانات تحصّل حقوقهم، وتحل النزاعات بينهم، إلى جانب دورها في ملاحقة اللصوص وعملاء النظام”.
وأضاف الناشط المقيم في الرستن “أبرز القائمين على تأسيس المخفر الثوري هم من ضباط مدينة الرستن المنشقين عن قوات الأسد، لأن المدينة تعتبر من الخزانات الرئيسية للضباط العاملين في القطاعات العسكرية في سوريا، واقتضت قلة الإمكانيات المادية الاستعانة بتشكيلات الجيش الحر لتزويد هذا الكيان بالسلاح والعتاد”.
الاستعانة بفصائل المعارضة كان السبب الأبرز في نشوب خلافات بين المخفر الثوري والكتائب المقاتلة، عندما تكون الادعاءات خاصة بأحد عناصر تلك التشكيلات أو قياداتها، وتابع الناشط “زج المخفر الثوري نفسه في معارك مع بعض التشكيلات العسكرية، كونه لا يملك استقلالية مادية، وهذا ما خلق معارك لم تكن ترضي الأطراف في مدينة الرستن، ولا تخدم الهدف الذي يكمن في توطيد الأمن والهدوء في المدينة”.
تقصير من قبل المكتب الأمني في الائتلاف الوطني المعارض والحكومة المؤقتة، أعاق عمل الجهاز الأمني وحد من فاعليته، بحسب الدالي، وأردف “لا يتبع المخفر إلى أي جهة خارجية، وتواصلنا مع الحكومة المؤقتة ووجدنا أن وزارة الداخلية فيها غير مفعلة للكتل المالية، وهذا ما أدى إلى إعاقة عمل المخفر، الذي يحتاج مبالغ مستمرة لجلب معداته كالهراوات والآليات والسلاح واللباس”.
يعتمد “المخفر الثوري” الآن على التبرعات من الجمعيات والجهات الموجودة في ريف حمص الشمالي، والتي كان آخرها تبرع “فيلق حمص” التابع لـ “الجيش الحر” لشراء ملابس شتوية لعناصر الشرطة في المدينة.
الضابطة العدلية في الوعر
الأسباب التي دفعت الريف الشمالي لإنشاء “المخفر الثوري” كانت مشابهة للأسباب التي دفعت حي الوعر لإنشاء كيان “الضابطة العدلية” عام 2014، والذي اعتبر البديل الوحيد عن إنشاء مركز للشرطة، في ظل ضعف الإمكانيات والحاجة الملحة للسكان، وليكون الجسم الوحيد التابع لمجلس محافظة حمص.
وأوضح رئيس المجلس، أمير إدريس، أن الضابطة هي أداة تنفيذية للسلطة القضائية، ومن خلالها تمارس السلطة العامة، وتساهم في الحد من أنماط السلوك الضار في المجتمع، وتشرف باستمرار على ملاحقة كافة أنواع الجنايات والجنح والمخالفات، كما أنها مكلفة بإدارة السجون وحراستها.
انطلقت الضابطة في عملها بشكل فعلي مطلع آب 2014، وكان العدد الحالي للعاملين بها آنذاك 45 شخصًا، واليوم عددهم 69 شخصًا، وتتألف من الأقسام التالية:
رئيس المكتب، وهو نقيب منشق، يعتبر المسؤول المباشر عن تنفيذ القرارات الصادرة من السلطة القضائية، وإصدار الأوامر المتعلقة بعمل الأقسام المختلفة في الضابطة، ويعمل على التنسيق مع كافة الفعاليات الثورية الفاعلة على الأرض، ويتابع العمل في جميع النواحي والشؤون التي تزيد من عوامل الأمن والاستقرار في المنطقة.
معاون رئيس مكتب الضابطة، يقوم بتسيير العمل، ويشرف على تنفيذ القرارات الصادرة ومتابعتها على الأرض.
قسم التحقيق، مهمته التحقيق الأولي في الجرائم والجنح، سواء كان الجرم مشهودًا أو بناءً على شكوى من المتضرر، أو البلاغ الذي يتقدم به المواطن، وبعد التحقيق الأولي يحال الموقوف إلى القضاء أصولًا، ويشرف قسم التحقيق على السجون والاهتمام بجميع شؤون الموقوفين، كما يشرف على مكان الجرائم، ويقوم بعدد من الإجراءات الاحترازية.
قسم الأمن الوقائي، مهمته البحث والتقصي عن الجرائم والمخالفات قبل حدوثها، ومتابعة مروجي المخدرات إن وجدوا، ورصد العناصر التي “تتآمر على الثورة”، ودراسة كاملة عن كافة الفعاليات الموجودة داخل الحي.
قسم الملاحقة والإحضار، مهمته تنفيذ البلاغات الواردة له، والحراسة الليلية للمنشآت والمباني الحكومية والتجمعات السكنية المهمة، وتنظيم الضبوط، وما يرافقها من أمور مهمة لسير التحقيق.
وأخيرًا قسم الديوان والتوثيق، والذي يتولى توثيق كافة المعلومات والوثائق وأرشفتها، بحيث يسهل العودة لها لاحقًا بسهولة.
وأشار إدريس إلى أن أبرز أنواع الضبوط شيوعًا في الوعر هي السرقات البسيطة والمشاجرات، منوهًا إلى أن الفصائل العاملة في الحي لا تتدخل في عمل الضابطة، لا من الناحية الإدارية ولا العملية، بل هناك تعاونٌ بدرجاتٍ متفاوتة بين الفصائل والضابطة.
قضايا كثيرة تولاها المكتب منذ بدء تأسيسه، وبلغ عدد دعاوى التحقيق التي قدمت إليه حتى مطلع عام 2015 نحو 195 قضية، تم حل 142 قضية منها، فيما بلغ عدد الدعاوى المدنية 115 دعوى، تم فصل 88 قضية منها، ليبلغ عدد الدعاوى المفصولة في مكتب الشكاوى 77 قضية، ودعاوى المحكمة المفصولة 65 قضية تم حلها بالكامل، بحسب ما اطلعت عنب بلدي.
تابع قراءة ملف: الشرطة “الحرة” في سوريا.. رجال دون صافرات
– مشاريع شاركت فيها الشرطة “الحرة” في حلب وإدلب
– لتعزيز النموذج المجتمعي.. برنامج “أمان وعدالة” يدعم الشرطة “الحرة”
– شرطة حلب “الحرة” تجربة تنشط منذ ثلاث سنوات
– الشرطة تمارس وظيفتها في ظل فراغ أمني بريف حلب الشمالي
– الشرطة الحرة في إدلب.. تنسيق مع المجالس ولا علاقة بالعسكر
– الشرطة “الحرة” في الغوطة تتشتت بين الفصائل
– مجلس “مشلول” وهيئات تغرّد منفردة.. حمص “الحرة” تفتقر لجهاز الشرطة
– مخافر “فقيرة” وصاحب السلاح “سلطان” في درعا
– لقراء الملف كاملًا في صفحة واحدة: الشرطة “الحرة” في سوريا.. رجال دون صافرات