فوضى عارمة اجتاحت المناطق المحررة، بسبب توقف المؤسسات التي كانت تتبع للنظام السوري، الأمر الذي سهل الجريمة والسرقة، مع توقف بعض الخدمات فيها، ما دفع الأهالي والمبادرات المحلية لتأسيس مراكز شرطة، كمؤسسات مجتمعية، لا تحمل أي سلاح وتساعد في تنظيم المجتمع.
جهاز شرطة بـ 1200 عنصر
تعتبر الشرطة الحرة في إدلب مؤسسة مجتمعية تأسست منذ تحرير أرياف المحافظة، في آب 2012، وفي منتصف 2014 تم تشكيل نواة قيادة شرطة إدلب الحرة، لتجمع جميع مخافر الشرطة المتوزعة في القرى والبلدات تحت مظلة واحدة.
يعمل الآن 36 مركزًا للشرطة الحرة مقسمين على قطاعين: 18 شمالًا و18 جنوبًا، إلى جانب خمسة مراكز مرور ومكتب للبحث الجنائي. ويبلغ عدد الموظفين في القطاعين حوالي 1200 بين ضابط وصف ضابط وعنصر ومنشقين عن النظام من قوى الأمن الداخلي، ومجموعة من المدنيين من العاملين في الشرطة من بداية تشكيلها.
يقول النقيب عبد الرحمن بيوش، ضابط الارتباط للمراكز الجنوبية، إن “الشرطة الحرة مؤسسة منظمة، تختلف عن بقية المؤسسات، فلدينا قيادة شرطة وأفرع ومراكز وأقسام ومكاتب ومشرفين وضباط، بتسلسل نظامي، لا أحد يعمل لوحده، إذ يجتمع كل شهر مجلس قيادة الشرطة ليتعرف على المتطلبات والمعوقات والمشاكل، لتدرس وتوضع خطّة عن طريق لجنة تخطيط استراتيجي لمدة ستة أشهر أو سنة”.
ويضيف الرائد حسين خالد الحسيان، رئيس فرع الإعلام في شرطة إدلب الحرة، “يوجد لدينا فرع تدريب يضم مركزين، أحدهما في الجنوب والثاني في الشمال، أيضًا فرع الإعلام، والفرع المالي، وفرع الشؤون الإدارية، وفرع المرور التي تتبع له مراكز المرور فنياً”.
يعتبر النقيب عبد الرحمن أن أجهزة الشرطة “اكتسبت ثقة من قبل منظمات المجتمع المدني والأهالي، لأن عناصرها من أبناء نفس البلدة، ومنخرطون في المجتمع ويقدمون الخدمات التي يتطلبها”.
مهام الشرطة “الحرة”
تتولى الشرطة مكافحة الجرائم والسرقات وحل الخلافات والنزاعات، إضافة إلى تنظيم حركة السير، بالإضافة إلى الخدمات التي يمكن أن تقدم للمواطن ويؤمّن الأمان في المجتمع.
يقول حسان أبو علي، أحد عناصر الشرطة في حاس، لعنب بلدي، “يتم تسيير دوريات مرورية في الشوارع الرئيسية لتسهيل حركة السير وتخفيف الحوادث والازدحام، كما تخرج دوريات ليلية للحد من السرقات، إضافة لمساعدة المجلس المحلي بأعماله اليومية وفرق الدفاع المدني والإسعاف في حال القصف”.
والشرطة سلطة تنفيذية فقط معنية بحفظ الأمن، من خلال منع الجرائم، وملاحقة المطلوبين، وجمع الأدلة، والتحقيق في حوادث السير، وتنظيم الضبوط اللازمة، وإحالتها للقضاء صاحب الاختصاص في التشريع والحكم.
إلا أنّ اختلاف المرجعيات القضائية وغياب ضوابط ونصوص واضحة لعملها، يعقّد مهام الشرطة في المحافظة، ويجعلها تتشتّت بين المحاكم والهيئات الشرعية.
ومن النشاطات التي تنظمها الشرطة الحرة، بحسب النقيب عبد الرحمن بيوش، تنظيم حملات توعية بشكل دائم، فيقول “قمنا بحملة توعية منذ أكثر من شهر حول كيفية التعامل مع غاز الكلور في حال القصف، والإجراءات التي يجب اتخاذها للوقاية منه وتخفيف أثره السلبي، وسننظم في الوقت القريب حملة توعية للحد من الحوادث المرورية بعد ملاحظتنا كثرة تلك الحوادث”.
ويذكر النقيب بيوش مجموعة من الأعمال التي نظمّت في مراكز الشرطة التي تشرف عليها، مثل تعبيد الطرقات من أجل تسهيل مرور السيارات وسرعة وصول الإسعاف للمكان المطلوب، إضافة إلى إنشاء ملاجئ للمواطنين في حالات القصف وإنارة العديد من البلدات من أجل التخفيف من عمليات السرقة في الليل، ولزيادة طمأنينة النساء والأطفال للسير ليلًا.
وشهدت المناطق المحررة في إدلب تخريبًا للبنية التحتية بشكل كبير، بفعل القصف المستمر الذي يستهدف مدنها وبلداتها الرئيسية، أو مركز المحافظة، ما دفع أجهزة الشرطة أو المجالس المحلية إلى العمل على ترميم هذه البنى أو إعادة إنشائها من الصفر في كثير من الأحيان.
تعاون مع المجالس وفض النزاعات “صعب”
الشرطة الحرة مؤسسة مستقلّة لا تتبع لأي جهة حتى اليوم، ويقول القائمون على أجهزتها إنها تتعاون مع الجميع من أجل تحقيق الأمن للمواطنين، ولذا تربطها علاقات جيدة بالمجالس المحلية، ويشكل الجانبان لجانًا للأمن المجتمعي تقترح مشاريع متكررة.
يقول الرائد حسن الحسيان “نعمل مع المجالس المحلية بشكل مباشر ووثيق، وتم تنفيذ أكثر من مشروع بالتنسيق معها”، إلا أن أجهزة الشرطة تعمل بمعزلٍ عن الفصائل العسكرية نهائيًا، ويضيف الحسيان “عملنا مختلف عن عمل العسكر من حيث طبيعته، فلكل منا مجاله الخاص ولا يمنع هذا من التعاون، فالعسكر يؤازروننا عند إلقاء القبض على مجرم خطير، وبالمقابل يحيلون لنا في أغلب الأوقات الجرائم الجنائية من أجل التحقيق بها”.
أما على صعيد القضاء فإن الشرطة الحرة تنسق عملها مع المحاكم والهيئات الشرعية التي تنتشر بأغلب المدن والبلدات، وتتعاون معها عن طريق تنفيذ المذكرات العدلية الصادرة عنها، وتقديم المتهمين الذين يتم توقيفهم من قبل مراكز الشرطة بسبب ارتكابهم لبعض الجرائم والمخالفات، وذلك بعد تنظيم الضبوط اللازمة بحقهم.
يقول الحسيان “نحن شرطة مجتمعية غير مسلحة، وحاليًا في ظل تعدد الفصائل المسلحة لا دور لنا في فض النزاعات بين تلك الفصائل، إلا عندما يطلب منا ذلك لمهنيتنا بالتحقيق وجمع الأدلة والآثار الجرمية والتوثيق بموجب ضبوط رسمية، ومن ثم إحالتها للقضاء”.
وبحسب من استطلعت عنب بلدي آراءهم من عناصر الشرطة وضباطها في المحافظة، فإنهم يحاولون التخفيف من شدة الخلافات والتوعية والصلح بين الفصائل، في الخلافات البسيطة، وأما بالنسبة للخلافات الكبيرة فلا يستطيعون التدخل بها “كونها أكبر من عملنا”.
وشهدت محافظة إدلب نزاعات مسلحة بين الفصائل، على اختلاف انتماءاتهم، تسبب بعضها بعددٍ من القتلى والمحتجزين لدى الأطراف، وأدت أخرى إلى إنهاء بعض الفصائل وحلّها.
ويؤكد النقيب بيوش أنهم خلال فترات الاقتتال يأخذون دور المحايد تمامًا ولا ينضمون لأي فصيل ويحاولون الإصلاح بين الجانبين وتوقف الاقتتال، مشددًا “نحن لا نتبع لأي فصيل”.
تابع قراءة ملف: الشرطة “الحرة” في سوريا.. رجال دون صافرات
– مشاريع شاركت فيها الشرطة “الحرة” في حلب وإدلب
– لتعزيز النموذج المجتمعي.. برنامج “أمان وعدالة” يدعم الشرطة “الحرة”
– شرطة حلب “الحرة” تجربة تنشط منذ ثلاث سنوات
– الشرطة تمارس وظيفتها في ظل فراغ أمني بريف حلب الشمالي
– الشرطة الحرة في إدلب.. تنسيق مع المجالس ولا علاقة بالعسكر
– الشرطة “الحرة” في الغوطة تتشتت بين الفصائل
– مجلس “مشلول” وهيئات تغرّد منفردة.. حمص “الحرة” تفتقر لجهاز الشرطة
– مخافر “فقيرة” وصاحب السلاح “سلطان” في درعا
– لقراء الملف كاملًا في صفحة واحدة: الشرطة “الحرة” في سوريا.. رجال دون صافرات