درعا – محمد قطيفان
تسعة أشهر من دخول فصائل “الجبهة الجنوبية”، المنضوية تحت راية “الجيش الحر” في المواجهات المباشرة ضد تحالف جيش خالد بن الوليد، سبقها أكثر من عامين من مواجهات قادتها جبهة “فتح الشام” وحركة “أحرار الشام”.
ورغم خوض الأطراف المتنازعة لعشرات المعارك والمواجهات، ودخول أطراف متعددة على خط المواجهة بين الفترة والأخرى، ومع هدوء المعارك لأسابيع واشتعالها لأيام تارة أخرى، إلا أن خريطة السيطرة في حوض اليرموك لم تتغير، لتتحول الحرب إلى استنزاف متواصل، و”عض للأصابع” بين كل الأطراف، من يصرخ أولًا سيخسر كل شيء.
“الجبهة الجنوبية” لن تتوقف
الجديد في هذه الجولة من المعارك، هو إعلان الجبهة الجنوبية أنها لن تتوقف حتى السيطرة على حوض اليرموك، واستئصال “جيش خالد بن الوليد”، المتهم بانتمائه لتنظيم “الدولة الإسلامية”، لكن توقيت إعلان هذا الهجوم يعتبر الأكثر جدلًا، لا سيما أنه أتى بعد أيام قليلة من اشتباك متبادل بين قوات الاحتلال الإسرائيلي وجيش خالد، على النقاط الحدودية بين الطرفين، تلاها غارات من الطيران الإسرائيلي استهدفت مواقع عدة في حوض اليرموك، لتعلن حكومة الاحتلال أنها لن تسمح بوجود تنظيم “الدولة الإسلامية” على حدودها الشمالية، ويربط بعض المراقبين بين التصريحات الإسرائيلية وهجوم الجبهة الجنوبية الأخير.
على أرض المعركة، برز بشكل واضح تحييد جبهة “فتح الشام” وحركة “أحرار الشام”، اللتين كانتا رأس حربة الهجوم لأكثر من سنتين، لتتصدر الجبهة الجنوبية المعركة اليوم، ورغم حشدها لأكثر من ألفي مقاتل، ومئات الآليات، وعشرات الدبابات والمدافع، بحسب تقديرات ميدانية، إلا أنها فشلت في تحقيق أي تقدم على خطوط الدفاع التي يشكلها جيش خالد في المنطقة، لتكتفي بحصار خانق فرضته على المنطقة التي يقطنها أكثر من خمسين ألف نسمة.
تعود المنطقة لسيناريو مشابه عاشته بذات التفاصيل خلال أيار من العام الجاري، عندما حاصرت الجبهة الجنوبية المنطقة للمرة الأولى، ليبث الأهالي من جديد نداءات استغاثة، كان أبرزها بيان صادر عن المجالس المحلية في حوض اليرموك في 13 كانون الأول، حصلت عنب بلدي على نسخة منه، والذي ذكرت المجالس المحلية من خلاله، أن المنطقة ممنوع عنها الخبز، والطحين، والأدوية، والرز، والسكر، والغاز، والمحروقات، والخضار والفواكه، وغيرها من المواد الأساسية، وناشد الموقعون على البيان مجلس محافظة درعا الحرة، بضرورة رفع الحصار فورًا.
“جيش خالد” يكسب شعبية في المنطقة
تقع منطقة حوض اليرموك في الريف الغربي الجنوبي لمحافظة درعا.لها حدود مع هضبة الجولان المحتل من قبل إسرائيل، ومع الأردن جنوبًا.
تتميز بتربتها الخصبة وأنهارها والشلالات الصغيرة. أبرز مناطقها جملة، ونافعة، وعين ذكر، والشجرة. وتعدّ بلدة الشجرة معقل لواء “شهداء اليرموك” الأول، الذي أسسه وكان يقوده “الخال” (أبو علي البريدي). قتل البريدي في عملية انغماسية لجبهة “فتح الشام” (النصرة آنذاك) في تشرين الأول 2015، مع عددٍ من قيادي التشكيل. تحالف “شهداء اليرموك” مع حركة “المثنى الإسلامية” لتشكيل “جيش خالد” في حزيران 2016. لا منفذ للمنطقة المحاصرة اليوم إلا إلى مناطق “الجيش الحر”. |
بدوره أكد “أبو عمر”، وهو مراسل سابق في “وكالة يرموك الإخبارية” العاملة في حوض اليرموك، في حديثٍ إلى عنب بلدي، أن فصائل الجبهة الجنوبية فشلت في تحقيق أي انتصار عسكري، فقررت الاستعاضة عنه بانتصار على المدنيين من أطفال ونساء، مضيفًا “شنت الفصائل أكثر من سبع محاولات اقتحام، تكبدت خلالها خسائر كبيرة، وعجزت عن التقدم أي متر داخل حوض اليرموك”.
وعلى الطرف الآخر، أوضح أبو عمر، أن مقاتلي “جيش خالد بن الوليد”، تمرسوا الحرب بشكل جيد في هذه المنطقة، ولديهم عدة وعتاد كبيرين، يستطيعون مواصلة القتال لسنوات.
“حوض اليرموك استطاع استنزاف جبهة النصرة وحوّلها من أكبر فصيل في درعا إلى فصيل لا يملك إلا بضع عشرات من المقاتلين”، بحسب “أبو عمر”، الذي يؤكد “يستطيع جيش خالد اليوم تكرار ذات الأمر مع الجبهة الجنوبية، فبعد انضمام المثنى لشهداء اليرموك، أصبح المدافعون عن المنطقة أقوى بكثير ولديهم عتاد أقوى”.
واندمجت حركة “المثنى الإسلامية” مع لواء “شهداء اليرموك” في “جيش خالد”، بعد اشتباكات مع “الجبهة الجنوبية”، صيف العام الجاري، وبالتحديد في حزيران الماضي.
ورأى “أبو عمر” من وجهة نظره، أن طول المعركة لن يكون في صالح “الجبهة الجنوبية”، لا سيما أن الحصار الذي تفرضه على حوض اليرموك، زاد من شعبية “جيش خالد” بين الأهالي.
الجبهة تقول إن الوضع الإنساني مبالغ فيه
على المقلب الآخر، بدت الجبهة الجنوبية أكثر إصرارًا من أي وقت مضى، على مواصلة الحرب ضد جيش خالد حتى نهايتها، وبدا هذا الأمر واضحًا في حديث عنب بلدي مع مصدر عسكري طلب عدم الكشف عن اسمه، موضحًا أن قرار استئصال أي وجود لتنظيم “الدولة الإسلامية” قد تم اتخاذه فعلًا، “هذه المرة لن يكون هناك أي تراجع، ولن نسمح لتنظيم الدولة الإسلامية بأي وجود في الجنوب السوري”.
وأضاف المصدر أن طول المدة الزمنية للمعركة هو في صالح الجبهة الجنوبية لا العكس، “نحن نتفوق عليهم عدة وعتادًا، ويتناوب المقاتلون على الرباط والهجوم، بعكسهم تمامًا، فهم محاصرون وأعدادهم قليلة، ولا يملكون أي مورد عسكري”.
ورد المصدر على الاتهامات التي تداولها ناشطون، بتورط الجبهة بعمليات بيع للأسلحة والذخائر لجيش خالد، لا سيما بعد أن بث الأخير صورًا تظهر استخدامه لأنواع من قذائف الهاون لا تتوفر إلا لدى المجالس العسكرية في الجبهة الجنوبية، بالقول “لا أنفي أن هناك بعض ضعاف النفوس، ربما يستغلون الحرب لمصالحهم الشخصية، وسنعمل على كشف تجار الحرب هؤلاء ومحاسبتهم، ولكن نرفض أن تتعمم هذه الحالات الفردية على كامل الجبهة الجنوبية”.
وفي ختام حديثه، أوضح المصدر أن الأحاديث المتداولة عن الوضع الإنساني في حوض اليرموك مبالغ فيها، مضيفًا “أهل حوض اليرموك أهلنا، ونعمل على رفع معاناتهم بكل السبل الممكنة، وجيش خالد هو المتورط في حصار الأهالي عبر سحبه للمواد الغذائية من الأسواق، ومصادرة كل المواد الأساسية لخدمة عناصره فقط”.
وبين هذا الطرف وذاك، يغيب عن كليهما، أن قوات النظام بدأت تتربص بدرعا أكثر من أي وقت مضى، فبعد أن انتهت، أو كادت تنتهي، من إخراج المعارضة المسلحة من جميع معاقلها في الغوطة الغربية، يبدو أن الأنظار تتجه إلى درعا، باعتبارها الوجهة المقبلة للنظام، الذي لن يتوانى بكل تأكيد، عن استغلال المعارك الدائرة في حوض اليرموك لصالحه، ليحدد بنفسه توقيت الهجوم الذي يريد، في المكان الذي يريد، ويبدو أن سيطرته على بلدة الفقيع بكل سهولة الأسبوع الماضي، خير مثال على ذلك.