إدلب – طارق أبو زياد
“لم نعد نحتمل الوضع والشرذمة والتفرق، اجتمع علينا أعداء الثورة من كافة أصقاع الأرض (روسيا، إيران، الصين، الأفغان، العراقيون، اللبنانيون) وغيرهم الكثير، اجتمعوا رغم اختلافهم الكبير، ونحن أبناء الوطن الواحد حلت التفرقة بيننا من كل جانب”.
بهذه الكلمات يلخص الشاب طارق صبحي، وهو طالب حقوق في جامعة إدلب ومقاتل في صفوف الثورة (حسب وصفه)، ما آلت إليه الثورة السورية وحال المدن المحررة حاليًا، وفق ما نقله لعنب بلدي.
ويضيف الشاب “هناك حكمة تقول إن وصلت إلى طريق مسدود، ارجع من البداية وتدارك الأخطاء، وهذا الذي سنقوم به، سنعود لبداية الأيام الأولى للثورة والمظاهرات السلمية التي أثبتت للجميع ما يمكنها أن تفعل”.
مأساة حلب شرارة الانطلاق
لم تهدأ المظاهرات منذ ست سنوات، ولم ينم الشعب السوري عن المطالب التي طالب بها في بداية ثورته، ولكن تحوّل الثورة من سلمية إلى مسلحة جعل التظاهر من ثانويات الأمور.
يعتبر الناشط الإعلامي زيد حج قاسم، في حديث إلى عنب بلدي، أن “ما حدث في حلب من مأساة كبيرة لم تنتهِ إلى اليوم، من جرائم وفظاعة لا يحتملها العقل، كان كفيلًا ليشعل النار داخل كل إنسان لم تمت بداخله الإنسانية، لتنفجر المظاهرات التي بدأت نصرة لحلب ، وتحولت ضد الفصائل لكن بشكل خجول”.
ويضيف حج قاسم أنه أصبح من الضروري “التفكير في حل المشكلة الكبرى التي حوصرت حلب من أجلها، ألا وهي الفرقة وكثرة الفصائل وتناحرها فيما بينها، وتعطيل قادة الفصائل لمشروع الاندماج الأخير”.
ويشهد الشمال السوري أسماء تشكيلات وتجمعات عسكرية كثيرة، تختلف باختلاف مرجعياتها وانتماءاتها ودعمها، وقد فشلت في التوحّد تحت مسمى وقيادة واحدة في أكثر من موقف على مدار سنوات العمل المسلح، الذي تبع المظاهرات السلمية بداية عام 2011.
إلا أن باسل الحلاق، وهو مقاتل في صفوف فصيل “جند الشام”، قال لعنب بلدي إن “90% من المتظاهرين هم مقاتلون في الفصائل المتفرقة نفسها، والمشكلة هي ليست بوجود الفصائل من عدمه، لأن الفصائل هي من أبناء الشعب، المشكلة الأساسية هي توحد هذه الفصائل تحت اسم وكيان وقائد واحد، فالفرقة سببت الكثير من المشاكل بين الفصائل نفسها على جميع الأصعدة، وجعلت الشعب السوري لعبة في يد الداعمين والحكم هو للأقوى”.
المدن تعتصم داخليًا وتلفظ التفرقة
هددت عدد من المدن والبلدات في الشمال السوري، كدارة عزة وبلدة كللي في ريف حلب، من خلال وجهائها وأهاليها، الفصائل الكبرى، أنه في حال عدم التوحد سيتم “إعلان المدن والبلدات استقلالها عن الفصائل”.
وأمهل الأهالي في دارة عزة، عبر بيانٍ وقع عليه الوجهاء، الفصائل 15 يومًا بدءًا من 11 كانون الأول، “لكي يصلوا إلى التوحد والاندماج وإلا ستعلن المدينة كيانًا مستقلًا وتوضع تحت تصرف أهل العلم في الشام الذي يعتبر مظلة شرعية حاكمة في سوريا”، بحسب البيان.
وشجع ناشطون هذه الخطوة، ودعوا كافة القرى والبلدات للقيام بها لتكون بمثابة ضغط على الفصائل كي تندمج.
المظاهرات في المناطق المحررة سلاح ذو حدين
كمال الحموي، قائد كتيبة في “أحرار الشام”، تحدث لعنب بلدي أن “المظاهرات المنتشرة في الشمال السوري هي سلاح ذو حدين، يمكن استخدامه لغايات أخرى، قد تكون في صالح أطراف ضد الثورة”.
الحموي أشار أن “مطالبة الأهالي بنصرة حلب والتوحد هو مطلب الجميع، وأنا من أول المتظاهرين، ولكن من السهل جدًا أن يقوم عدد من الأشخاص بتوجيه مظاهرة ما، واللعب على وتر الحماس الموجود في صفوف المتظاهرين للقيام بأفعال قد تزيد الأمر سوءًا، كبعض المطالب التي تطالب بالهجوم على مستودعات الأسلحة أو بالهجوم على المقرات وغيرها، فهذه أفعال وإن كانت عن نوايا صادقة إلا أن لها تبعات كبيرة لا يمكن تحملها، فلا يمكن لأحد أن يميز الصادق من الكاذب في هذه الحالة”.
المطلب الرئيسي هو التظاهر ضد قادة الفصائل وضد تفرقهم، والمتظاهرون هم أبناء هذه الفصائل، يتابع الحموي “لا علاقة للمقاتلين في مطالب الشعب فالكل يحترم المقاتل الذي يدافع عن الثورة وأهلها على الخطوط الأولى”.
“لم تسقط الفصائل في عيون الشعب“
كرم سكر، نازح من دمشق إلى إدلب في عمليات التهجير الأخيرة، اعتبر أن “نظرية سقوط الفصائل في عيون الشعب ليست صحيحة، ومن يطالب بإسقاط الفصائل بالتأكيد لم يخرج في الثورة من قبل… الفصائل والمقاتلون هم أمل الثورة، ولن يسقطوا في عيون الثوار والأهالي، الناس تطالب بالتوحد وهو باب من أبواب الإصلاح وهو مطلب حق”.
وأشار كرم أنه “من الطبيعي جدًا أن يكون هذا التفرق موجودًا، فالفصائل هي وسيلة للوصل، ودائمًا تكون المشاكل موجودة في الوسائل التي تقوم بها هذه الفصائل، ومن الطبيعي بعد 50 سنة من حكم الأسد أن تعيش الناس هذه الحالة من التفرق، عدا عن عبث المخابرات العالمية في الثورة وفصائلها واختراقها بشكل كبير”.
فالمظاهرات بحسب سكر “ليست هي المشكلة، ولكن المشكلة في بعض الأشخاص الذين يطالبون بأمور لا تمت للواقع بصلة”.
لا فائدة من التظاهر فالجميع “ديكتاتور“
مجد العبيسي أحد سكان مدينة أريحا في إدلب قال لعنب بلدي “لن يسمعنا أحد من القادة، فكل قائد ينظر إلى نفسه على أنه الرجل الوحيد على حق، وباقي القادة هم من يعطلون الاندماج، فالجميع يسعى لأن يصبح أميرًا فكيف يتخلى عن سلطته وجبروته بعد هذه السنوات؟”.
ويضيف العبيسي “بدأت أبرر للأسد تمسكه بالسلطة، فهناك أشخاص بيننا لم يحكموا سوى بضعة آلاف حتى بدؤوا بالتمسك بالكرسي والخوف من إزاحتهم عنه، وللأسف هذا هو الواقع وكل من ينكر هذا الأمر هو جاهل بما يحدث، ووصلنا لمرحلة اليأس، فالمظاهرات لن تفيد بشيء، والحل الوحيد أن يأتي نصر من عند الله يخلصنا مما نحن فيه فهو القادر على هذا الأمر وحده”.
ليست المرة الأولى التي تخرج فيه المظاهرات للمطالبة في توحيد الفصائل، فهي على مدار الثورة كانت تخرج وترفع هذا المطلب دون أن يسمع لها أحد، ولكن هذه المرة لوحظ الانتشار الواسع للمظاهرات مع إصرار الأهالي على هذا المطلب مهما كلفهم الأمر.
“الهيئة الإسلامية السورية“.. هل تجمع فصائل الشمال؟
انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي عدة مبادرات أهلية وضعت خططًا لحل مشكلة تفرق الفصائل، ونص أغلبها على أن يقوم أعلام موثوقون من شيوخ وقيادات عرف عنهم الصدق بتعيين أمير يتم التوافق عليه، ويُطلب من الفصائل مبايعته ووضع مدة زمنية كي تلتزم بها الفصائل.
في المقابل وضع البعض عدة نقاط، تطرق بعضها إلى مقاتلة الفصائل الرافضة لهذه المبادرة.
تحدثت مصادر جهادية عن تشكيل مرتقب جديد تحت اسم “الهيئة الإسلامية السورية”، ويضم قرابة 14 فصيلًا عاملًا على الأراضي السورية، أبرزها: حركة “أحرار الشام الإسلامية”، وجبهة “فتح الشام”.
ورجّحت حسابات مقربة من الفصائل عبر موقع “تويتر”، تسمية كلٍ من علي العمر (أبو عمار تفتناز)، قائد “أحرار الشام”، قائدًا عامًا للتشكيل الجديد، وزعيم جبهة “فتح الشام”، أبو محمد الجولاني، قائدًا عسكريًا، بينما يرأس مجلس شورى التشكيل، توفيق شهاب الدين، قائد حركة “نور الدين زنكي”.
بينما نشر الباحث البريطاني في الشؤون الجهادية، تشارلز ليستر، تغريدة عبر حسابه في “تويتر” قبل قليل، مفادها أن الإعلان عن التشكيل سيكون خلال الساعات الـ48 الماضية.
مصادر مطلعة تحدثت لعنب بلدي أن محافظة إدلب شهدت اجتماعات على مدار الأسبوع الماضي، ضمت فصائل في “الجيش الحر” وأخرى “إسلامية”.
وتواصلت عنب بلدي مع المتحدث باسم حركة “أحرار الشام”، أحمد قرة علي، وقال إنه لم يصدر أي شيء رسمي عن الحركة حتى الساعة، نافيًا ما تتداوله الحسابات.
الحديث عن التشكيل الجديد، جاء تزامنًا مع تغريدات للمتحدث الرسمي باسم “فتح الشام”، حسام الشافعي، وكتب أن حلب “اختزلت حقيقة الصراع ورسمت ملامحه، فلنعد أنفسنا لذلك فنحن أمام مرحلة جديدة.. نكون أو لا نكون”.
وأكد الشافعي أن “المرحلة القادمة لا مكان فيها للمرجفين والمخذلين”، مردفًا “نبشر أمتنا أن هممنا عالية وبأسنا شديد وصفنا واحد، وقادم الأيام فيها ما يسر بإذن الله، إذ لم يقف سعينا نحو تحقيق الواجب الشرعي بأمر التوحد والاندماج، رغم أنه تعثر وتعرقل مرات، وانطلق على استحياء مرات أخرى، لكنه اليوم أقوى وأشد وقادتنا يسعون له ليل نهار”.
واعتبر المتحدث أن المرحلة المقبلة “تقتضي أن يقودها المجاهدون صفًا واحدًا سياسيًا وعسكريًا وشرعيًا، لتحقيق هدف واحد ومصير واحد، ولن يخذلنا ربنا سبحانه”، خاتمًا حديثه “لندع الأمر يمضي لمستقر ولا نشوش عليه”.
لكنّ بعض الناشطين والمحللين حذروا من الاندماج تحت المسمى الجديد، معتبرين أنه اعترافٌ بإمارة تشارك فيها النصرة في إدلب، وذريعة لضرب جميع الفصائل.
ولا يرى مطلعون على الشأن العسكري في سوريا أن الاندماج سيجري قريبًا، ويرونه صعب التحقيق ويحتاج وقتًا يرتب فيه المشاركون بيتهم الداخلي، في ظل توتر تعيشه حركة “أحرار الشام”، عقب تشكيل “جيش الأحرار” ضمنها، والذي اعتبره البعض “شقًا للصف”.