إذا تصادم فصيلان في سوريا، وهو أمرٌ شائع في المناطق المحررة من قبضة النظام السوري، فإن سكان المنطقة يلتزمون بيوتهم، وتقع المسؤولية في حال الخلاف على الهيئات القضائية بمرجعياتها المختلفة وأجهزة الشرطة الحرة، التي يفترض أن تكون قوةً تنفيذيّة للقضاء تفرض الأمن وتعيد الاستقرار.
لكن الفصائل العسكرية حجّمت دور الشرطة “الحرة” المدنيّة في سوريا، ليقتصر على ملاحقة الجرائم والمخالفات وتنظيم السير ورعاية المشاريع الخدمية والإشراف عليها، بل وتدخلت الفصائل في هذه القضايا أحيانًا.
أسبابٌ كثيرة حالت دون تفعيل دور أجهزة الشرطة “الحرة”، أبرزها غياب جهة قضائية موحدة، وجسمٍ يجمع قوى الأمن وينسّق فيما بينها، وميل القوة العسكرية إلى فصائل تختلف بمرجعياتها وتحكّم هيئاتها الشرعية الخاصة، إلى جانب تقطيع أوصال المناطق المحررة بالقصف المستمر وتغيّر خريطة السيطرة وفق ما تفرضه المعارك.
إعداد فريق التحقيقات في عنب بلدي
اجتماعات دورية مع قيادة الشرطة “الحرة”
الحكومة المؤقتة تسعى لتشكيل مجلسٍ لقوى الأمن الداخلي
عقب تشكيلها في تموز 2016، برئاسة الدكتور جواد أبو حطب، سعت الحكومة المؤقتة إلى تفعيل دورها ضمن الداخل السوري، وشكلت وزاراتٍ وهيئات حكومية، تقودها شخصيات فاعلة تتنقل بين الداخل السوري وتركيا، وفي إطار عملها لتشكيل مؤسسات دولة، تعمل حاليًا على تشكيل مجلسٍ لقوى الأمن الداخلي، تتبع مديريات الشرطة له.
لم يكن للحكومة المؤقتة السابقة ولا الحالية دورٌ واضح في إدارة الشرطة، وإنما اقتصر الأمر على أجهزة تحت مسمى الشرطة “الحرة”، والتي تدار من قبل ضباط شرطة منشقين عن النظام، وأخرى تصف نفسها بأنها مؤسسات مدنية، تُدار من قبل أشخاص مستقلين وربما لا يملكون الخبرة بذلك.
يتضمن المجلس المزمع تشكيله تسعة أعضاء فقط، وعزا اللواء المنشق محمود علي السبب إلى “الظروف وغياب الدعم المادي مبدئيًا”. ويضم قائدًا لشرطة حلب، ومدير إدارة شؤون الضباط، ومدير إدارة التفتيش والتنظيم والشؤون الإدارية، ومدير إدارة الهجرة والمعابر، ومدير إدارة العلاقات العامة والإعلام، إضافة إلى ممثل عن إدلب، باعتبارها المحافظة الوحيدة “المحررة”. |
للوقوف على دور الحكومة المؤقتة الحالية في هذا الخصوص، تحدثت عنب بلدي مع محمود علي، وهو اللواء الوحيد المنشق عن سلك الشرطة في النظام السوري، حول إمكانية تشكيل مجلس قوى الأمن الداخلي، في ظل غياب وزارة الداخلية، التي يتولاها رئيس الحكومة حاليًا.
الهيكلية المقترحة للمجلس
جرت اجتماعات بين ضباط الشرطة كممثلين عن الحكومة، وضباطٍ آخرين من الشرطة “الحرة” خلال الفترة الماضية، وقال علي إن أهمية تشكيل مجلس قوى الأمن الداخلي، تتمثل في أنه الرابط لقيادات الشرطة، وبالتالي الوصول إلى عمل مؤسساتي واضح تحت ظل الحكومة.
باعتباره أقدم ضابط، حمل علي توصيفًا وظيفيًا كقائد لقوى الأمن الداخلي ورئيسٍ للمجلس، وأشار إلى أن فقرات المجلس محددة بالقانون، كما أن أعضاءه يعملون في ظله بصفتهم الوظيفية وليس الشخصية.
وحول إمكانية أن يشمل المجلس محافظاتٍ أخرى غير إدلب، قال علي إن تعديلات يمكن أن تطرأ عليه ويمكن أن يصل عدد أعضائه إلى 13 عضوًا كحد أقصى، لافتًا إلى أن محافظة ريف دمشق “لا يمكن أن تنشر فيها شرطة تابع للحكومة حاليًا في ظل الظروف الراهنة، إلا أنه يبقى لممثلها، في حال وجوده، توصيف وظيفي ضمن المجلس”.
جولاتٌ ميدانية
لبحث تشكيل المجلس، جرت زيارات ميدانية خلال الأيام الماضية، على بعض مراكز الشرطة في ريف حلب الشمالي، بحضور رئيس الحكومة أبو حطب، وضباط في الشرطة، منهم قائد شرطة حلب “الحرة”، العميد أديب الشلاف.
ووفق علي فإن الزيارات كانت للاطلاع على الأوضاع بشكل عام، وعلى المراكز وسلامة بنائها وتقييم شروطها الفنية والأمنية، وما إذا كانت تتناسب مع المعايير الشرطية الحقيقية.
كما سعت الزيارات إلى تحديد مدى علاقة الشرطة مع المواطنين، والجو المحيط فيما يتعلق بالفصائل على الأرض، ووصف علي الوضع بأنه “جيد”، مؤكدًا “ندرس الأمور حاليًا على أرض الواقع وهناك جولات مقبلة في كل من حلب وإدلب، حتى نعلن عن تشكيل المجلس من الداخل السوري مطلع العام المقبل”.
يرى اللواء علي أن هناك تراتبية في العمل ضمن الجهاز، وأشار إلى أن “الشرطة الحرة” حصلت في وقت سابق على دعم بشرعيتها من لجنة الأمن الوطني والشرطة، والتي كانت ضمن “المجلس الوطني السوري”، مؤكدًا أنه حضر عدة اجتماعات للجنة حينها، إلا أنها توقفت بعد انتهاء المجلس.
ورغم أن جهاز الشرطة “الحرة” مدعوم دوليًا بشكل مباشر، اعتبر علي أن ذلك “لا يعني سلخه عن المؤسسة الأم وهي مجلس قوى الأمن الداخلي، فالحكومة تعمل لبناء مؤسسات دولية وليس جمعيات خيرية أو مؤسسات شخصية”.
العميد أديب الشلّاف من منطقة بابا عمرو في حمص، انشق مع عدد من ضباط الشرطة في تموز 2012، وكان عميدًا في الشرطة التابعة لوزارة الداخلية، ومديرًا لمنطقة الطبقة في الرقة.
ونسّق الشلّاف مع أخيه العميد نجيب، الذي كان يشغل منصب مدير منطقة المالكية في الحسكة، وحكم بالإعدام لهذا السبب، لأن المنطقتين لم تكونا تشهدان صدامًا مسلحًا حينها، على حد وصفه.
كيف ستكون العلاقة بين الشرطة “الحرة” والمجلس؟
عنب بلدي توجهت بالسؤال إلى قائد شرطة حلب “الحرة”، العميد أديب الشلّاف، وقال إن كوادر الشرطة رفضت التعامل مع الحكومة المؤقتة السابقة بشكل نهائي، بحكم أن جميع أعضائها كانوا خارج سوريا، ولم يكن الداخل يتقبل وجودها أو التنسيق معها، على حد وصفه.
وأكد الشلّاف أن تنسيقًا كاملًا يجري اليوم مع الحكومة المؤقتة الحالية، التي تسعى لإنشاء مقر داخل مدينة اعزاز شمال حلب، لافتًا إلى أن هيكلية التعاون “لم تكتمل”، ولكن الحديث حولها والعمل تحت مظلة الحكومة أمر مطروح، “ورغم بعض التحفظات حول غياب الدعم، إلا أنه ربما نعمل تحت رايتها عندما تكون قوية وجاهزة”.
وهنا رد علي معتبرًا أن الشرطة “الحرة” تتخوف أن يتوزع الدعم من خلال النظام المالي المعمول فيه ضمن وزارة الداخلية، موضحًا “في حال تحويل المبالغ المالية ستذهب لقياة شرطة حلب مثلًا، والتي سيكون لديها سلم تراتبي توزع على أساسه الرواتب للضباط والعناصر”.
وفق رؤية علي يجب تطبيق النظام العام في سوريا، وليس مؤسسات بشار الأسد، “فالمؤسسات الإدارية المدنية تعمل وفق تسلسسل وظيفي”، متمنيًا النجاح في تشكيل المجلس، “ليكون مؤسسة لها ضوابط تُحتَرم وتكون قدوة للآخرين، وتضم قرابة 150 ضابط شرطة موزعين حاليًا بين سوريا وتركيا، لأن واجبنا العمل ضمن المؤسسة، فنحن نعمل لسوريا وليس لأنفسنا”.
وأقر العميد الشلّاف بصعوبة تشكيل جهاز تديره قيادة موحدة في سوريا، “في ظل الظروف الحالية من حصار ومعوقات أخرى لا تخفى على الجميع”، مؤكدًا أن بعض الشخصيات من الغوطة وحمص ووادي بردى وحماة، يتواصلون مع شرطة حلب حتى اليوم، بينما تعيق الحكومة الأردنية محاولاتٍ في درعا بهذا الخصوص.
محمود علي، لواء في الشرطة من مواليد عين الفيجة في دمشق عام 1954، انشق عن النظام في 19 تشرين الثاني 2012، ويحمل شهادة في القانون من جامعة دمشق، ويعمل مع الحكومة المؤقتة الحالية منذ أربعة أشهر متطوعًا.
عمل اللواء على مدار 32 عامًا في سلك الشرطة، فشغل منصب رئيس مكتب الدراسات والتخطيط في وزارة داخلية النظام لمدة ثلاثة أشهر، وقائدًا للشرطة في السويداء ودير الزور، ومعاون قائد شرطة في القنيطرة، إضافة إلى أنه عمل رئيسًا لفرع الأمن الجنائي في حماة لمدة سبع سنوات، و11 عامًا رئيسًا للجهاز نفسه في درعا.
تابع القراءة:
– مشاريع شاركت فيها الشرطة “الحرة” في حلب وإدلب
– لتعزيز النموذج المجتمعي.. برنامج “أمان وعدالة” يدعم الشرطة “الحرة”
– شرطة حلب “الحرة” تجربة تنشط منذ ثلاث سنوات
– الشرطة تمارس وظيفتها في ظل فراغ أمني بريف حلب الشمالي
– الشرطة الحرة في إدلب.. تنسيق مع المجالس ولا علاقة بالعسكر
– الشرطة “الحرة” في الغوطة تتشتت بين الفصائل
– مجلس “مشلول” وهيئات تغرّد منفردة.. حمص “الحرة” تفتقر لجهاز الشرطة
– مخافر “فقيرة” وصاحب السلاح “سلطان” في درعا
– لقراء الملف كاملًا في صفحة واحدة: الشرطة “الحرة” في سوريا.. رجال دون صافرات
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :